اتّفاق (بوتين - الأسد) يمنح موسكو امتيازات غير مسبوقة *** تعرّف على نصّ الاتّفاقية بين روسياوسوريا ---- نشرت قبل أيّام صحيفة (واشنطن بوست) تقريرا عن الاتّفاقية الرّوسية-السورية السرّية التي بموجبها سمح لطائرات (سوخوي) بالتحليق بحرّية في سماء سوريا وبمقتضاها قدّم النّظام السوري قاعدة (حميميم) الجوّية للعسكريين الرّوس لمساعدته على قتال المعارضة المسلّحة. شملت الاتّفاقية التي نشرتها صحيفة (واشنطن بوست) 12 مادة خصّصت المادة الأولى للتعريف بالمصطلحات الواردة في نصّ الاتّفاقية في حين شملت المواد التالية ما يلي: المادة 2: موضوع الاتّفاقية بعد طلب من الجانب السوري عملت روسيا الاتحادية على نشر السرب الجوّي الرّوسي على تراب الجمهورية العربية السورية. المساحات المنتشر بها السرب الجوّي الرّوسي والتي تمّ تسهيل نقلها إلى الطرف الرّوسي منصوص عليها في فصل بروتوكول ملحق بالاتّفاقية. تقدّم سوريا للجانب الرّوسي قاعدة (حميميم) الجوّية مع بنيتها التحتية المحيطة بها لتمركّز سرب الطائرات الرّوسية بالإضافة إلى المتطلّبات التي تفاهم حولها الجانبان. يتمّ استعمال القاعدة الجوّية (حميميم) مع بنيتها التحتية من طرف روسيا الاتحادية ودون مقابل. يخضع عمل سرب الطائرات الرّوسية لقائد السرب بعد الاتّفاق حول خطّة العمل بين الجانبين. المادة 3: الهيئات المخولة وزارة الدفاع في روسيا الاتحادية ووزارة الدفاع في الجمهورية السورية هما اللذان يملكان تنفيذ صلاحيات الاتّفاق. في حال تمّ إدخال أيّ تعديلات على الجهات المخوّلة بتنفيذ هذا الاتّفاق ينبغي إبلاغ الطرف الآخر بها بشكل خطّي عبر القنوات الدبلوماسية. قائد السرب الرّوسي هو من يمثّل وزارة دفاع روسيا الاتحادية في سوريا وهو من له صلاحيات تسوية كلّ متعلّقات السرب الجوّي الرّوسي. المادة 4: تشكيلات السرب الطائرات الرّوسية يتمّ تحديد تشكيلات السرب الجوّي الرّوسي (أشكال وطرازات الطائرات والأسلحة والمعدّات الحربية وتعداد الأفراد) بالاتّفاق مع الجانب السوري. كل التحرّكات والمساحات الخاصّة بالجانب الرّوسي في القاعدة الجوّية (حميميم) تقع مسؤولية إدارتها على عاتق روسيا الاتحادية. المادة 5: جلب وإرجاع الممتلكات وسفر العاملين لروسيا الاتحادية الحقّ في جلب أيّ معدّات إلى الجمهورية العربية السورية أو إعادتها منها الأسلحة الذخائر المواد ومعدّات أخرى تلزم السرب الجوّي دون دفع أيّ ضرائب أو رسوم. كلّ الممتلكات والأشياء التي نشرها الجانب الرّوسي في مطار (حميميم) تظلّ في ملكية روسيا الاتحادية. يتنقّل أفراد سرب الطائرات الرّوسية بحرّية عبر الحدود بعد تقديمهم الوثائق الثبوتية الرّوسية دون أن يتمّ تفتيشهم من قِبل حرس الحدود. المادة 6: الحصانة والامتيازات أفراد روسيا العاملون سيحترمون القانون والعادات والأعراف المعمول بها والتي سيتمّ إخبارهم بها بعد وصولهم. العسكريون الرّوسيون لديهم حصانة كاملة من أيّ ملاحقة قضائية سواء كانت مدنية أو إدارية. الممتلكات الثابتة والمتحرّكة العائدة للسرب الجوّي الرّوسي لها حصانة وممثّلو الجمهورية العربية السورية ليس لهم الحقّ في دخول المساحة التي يتمركّز بها الجانب الرّوسي دون إذن القائد. العاملون وعائلاتهم يتمتّعون بكلّ الامتيازات التي تنصّ عليها معاهدة فيينا 1961 الخاصّة بالعلاقات الدبلوماسية. المادة 7: تسوية الشكاوى لا تتقدّم الجمهورية العربية السورية بشكاوى لروسيا الاتحادية بخصوص السرب الجوّي الرّوسي وطاقمه كما أنها لن تلجأ إلى متابعة نشاطات السرب الجوّي وطاقمه. تتولّى الجمهورية العربية السورية مسؤولية تسوية كافّة الشكاوى التي تستدعي الملاحقة كضرر مثلا تسبّب فيه نشاط السرب الجوّي أو أحد أطقمه من خلال جهة ثالثة. المادة 8: إعفاء الضريبة تعفي الجمهورية العربية السورية السرب الجوّي من أيّ ضرائب مباشرة أو غير مباشرة. المادة 9: تعديل الاتّفاق بعد الاتّفاق بين الطرفين يمكن تقديم تعديل للاتّفاقية التعديلات ينصّ عليها في فصل البروتوكلات. المادة 10: تسوية الخلافات كلّ الخلافات التي قد تظهر في استعمال أو تأويل بنود الاتّفاقية يتمّ تسويتها بين الطرفين عبر المشاورات. المادة 11: تفعيل تاريخ الاتّفاق يبدأ سريان الاتّفاقية منذ توقيع الطرفين عليها وينفّذ فور تبادل الجانبين عبر القنوات الدبلوماسية إخطارا بتطبيق التدابير الداخلية وفق الاتّفاقية. المادة 12: مهلة الاتّفاق ونهايته هذا الاتّفاق يعقد لأمد غير محدّد يمكن إنهاؤه بتقديم أحد الطرفين إخطارا خطّيا بذلك في هذه الحالة يفقد الاتّفاق فاعليته بعد عام من الإخطار المقدّم. تمّ توقيع الاتّفاق في دمشق بتاريخ 26 غشت 2015 بالرّوسية والعربية حيث كلّ من الطرفين يملكان نسختين لهما نفس القوّة القانونية. * أبرز النقاط المثيرة للجدل في الاتّفاق تنصّ المادة 6 من الاتّفاقية على توفّر حصانة تامّة للدولة الرّوسية وأطقمها العاملة في سوريا الأمر الذي وجده البعض محاولة للتهرّب من الانتهاكات وجرائم الحرب التي قد يرتكبها العسكريون الرّوس. بالنّسبة للانتهاكات التي تخالف القانون السوري وعادات مجتمعه وتقاليده فهي غير مسموح بها وفق نفس المادة لكن الحصانة هنا في هذه المادة تتبدى قيمتها في التهرّب من أيّ متابعة قانونية من طرف محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتّحدة التي تشترط لمباشرة التحقيق تقديم شكوى إليها من طرف الجهة الرسمية الضحية وبما أن بعثة النّظام السوري ما تزال معترفا بها لدى الأمم المتّحدة كممثّلة للجمهورية العربية السورية فإن هذا الأمر يعني عدم إمكانية متابعة القوّات الرّوسية أمميا في أيّ شبهات قد تتّهم بها في عملياتها العسكرية. أمّا الجملة الأولى من المادة 2: (بعد طلب من الجانب السوري عملت روسيا الفديرالية على نشر السرب الجوّي) والتي لم يكن عبثا بدء الاتّفاقية بها فهي (تجنّب) بشكل واضح متابعة التدخّل العسكري الرّوسي لدى المحاكم الدولية لأن القانون الدولي يجرّم القيام بأيّ تدخّل عسكري في بلد ما إلاّ في حالات استثنائية منها استدعاء رسمي من قِبل حكومة معترف بها أمميا للتدخّل في بلدها. المادة 12 وهي البند الأخير من الاتّفاقية تدعو إلى الريبة بحقّ فهي تنصّ على أن بقاء روسيا في التراب السوري غير محدّد المهلة وإذا رغب أحد الأطراف في إنهاء التواجد العسكري فإنه لن يتمّ ذلك إلاّ بعد عام من تسلّم إخطار إنهاء الاتّفاق. ينمّ هذا البند عن رغبة روسيا في إطالة البقاء في سوريا وعزمها المُضي قُدما في معركة طويلة للدفاع عن النّظام السوري إلى أقصى حدّ يمكنها. * إشكالية التدخّل العسكري في سوريا في إطار القانون الدولي أحد المشاكل التي لم تشبع نقاشا بعد رغم كلّ المجادلات بين فقهاء القانون الدولي هي مدى شرعية وفعالية استعمال القوّة العسكرية لتطبيق القانون الدولي وفرض الأمر الواقع كسبيل لحلّ الأزمات. ولعلّ الأزمة السورية المحتدمة تمثّل اختبارا جادًّا لقدرة تعامل منظومة القانون الدولي الحالية مع مثل هكذا أزمات. بشكل عامّ يجرّم ميثاق الأمم المتّحدة تجاوز سيادة أيّ بلد والقيام بتدخّل عسكري داخل أراضيه غير أنه في بعض الحالات الاستثنائية قد يسمح أعضاء المجتمع الدولي بذلك في حالة اتفاقهم. وتتمثّل هذه الاستثناءات في الحالات الآتية: بروز خطر واضح على الأمن والسلم الدوليين كما حدث مع الولايات المتّحدة الأمريكية حينما قامت بغزو أفغانستان للإطاحة بحكومة طالبان بعد 11 سبتمبر مباشرة. حماية المدنيين من الإبادة الجماعية كما حصل في حرب البوسنة والهرسك حيث تدخّلت الأمم المتّحدة بالقوّة العسكرية لردع الصرب المسيحيين ووقف تنكيلهم بالأقلّية المسلمة في البوسنة وأيضا في رواندا حين اضطرّت القوّات الأممية إلى التدخّل لإنهاء الحرب العرقية. فتح ممرّات إنسانية لإيصال الطعام والمساعدات إلى المدنيين المهدّدين بالموت جوعا أو مرضا مثلما حدث في الصومال حيث كانت تتعرّض القوافل الإغاثية الأممية للتخريب والنهب من قِبل الجماعات المسلّحة ما استدعى مرافقتها من قِبل قوّات حربية أممية. * لماذا؟ لكن لماذا لم يتمّ حتى الآن استثمار أحد هذه الحالات لإنهاء الصراع السوري عسكريا من قِبل الأمم المتّحدة حماية للمدنيين من القتل الجماعي من كلا الجانبين (من جهة النّظام ومن جهة المعارضة)؟ قبل التفكير في التدخّل العسكري في أيّ أزمة تهدّد حياة المدنيين يوصي القانون الدولي باللّجوء إلى الفصل السادس أولا وهو يعنى ب (حلّ المنازعات سلميا) بين أطراف الصراع فقط عن طريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية لدى المحكمة الدولية لاهاي بيْد أن هذه الخطوة لم تجد نفعا فقد جرّب المجتمع الدولي حلّ الأزمة السورية منذ بدايتها عبر المفاوضات في جنيف 1 وجنيف 2 لكن كلّ تلك المحاولات باءت بالفشل. بعدها لجأ المجتمع الدولي إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة وهو الفصل الذي يضع الصيغة التي يتمّ بها التدخّل العسكري تحت غطاء الشرعية الأممية وبالفعل تمّت إدانة (داعش) لارتكابها جرائم حرب ضد الإنسانية وهو ما مهّد للتحالف الدولي لشنّ غارات جوّية محدودة على مواقع التنظيم المتطرّف. وبالمقابل لم يفلح المجتمع الدولي في استصدار قرار لإدانة النّظام السوري وتحميله مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي بسبب معارضة روسيا والصين للقرار واستخدامهما حقّ (الفيتو) أربع مرّات. وبالرغم من إمكانية شقّ طرق قانونية أخرى تجنّبا للاصطدام بحقّ (الفيتو) تبيح استعمال القوّة في سوريا من أجل منع جرائم الحرب ضد الإنسانية فإن المجتمع الدولي لا يبدو متحمّسا للحلّ العسكري بسبب انعدام الأفق السياسي لا سيّما بعد فشل هذا الطريق في التجربة الليبية. فلم يبقَ إذن أمام الأمم المتّحدة طريق لتخفيف الأزمة السورية سوى زيادة التدخّل الإنساني وعقد الأمل على التوصّل إلى اتّفاق سياسي عبر المفاوضات بين الأطراف المتنازعة وتفاهم التحالفات الدولية. وفي ظلّ غياب اتّفاق سوري سوري وفشل الأمم المتّحدة في استصدار قرارات تنهي الأزمة السورية تستغلّ التحالفات الدولية الفراغ الأممي لدعم فرقائها في الداخل السوري بالمال والسلاح حيث النّظام والمعارضة سواء في هذا الشأن ما يزيد من تأزيم المشكلة السورية.