خرج العم حمدان من بيته وهو جد قلق .. وبينما كان يمشي إذا بهاتفه النقال يرن... كان على الخط صديقه علال الذي أخبره بأنه نسي متى موعد لقائهما وسأله عن التوقيت.. فرد عليه صاحبنا بعصبية - بعد أن تذكر بأن اليوم أيضا هناك سوق للسيارات بإحدى المدن غير البعيدة - قائلا: " أقول لك شيئا..ها... سوف نلتقي الآن في الحين .. يالله أسرع أخرج من بيتك سريعا" ..حاول علال أن يفهم صاحبنا بأنه لا يمكنه المجيء وترك عمله، إلا أن العم حمدان لم يتركه يتم كلامه وراح يتحدث إليه بعصبية كبيرة لدرجة أن الناس لاحظوه باستغراب ...لقد كان يتكلم بيديه وبرجليه فكان يقف تارة ثم يمشي تارة أخرى وكان يقفز من حين إلى آخر، ويضرب رجليه على الأرض بخفة وبنرفزة ، وأصر على موقفه : " قلت لك الآن يعني الآن .. وإن لم أجدك الآن فمتى أجدك؟ في الأوقات اليسيرة؟ حينها لا أريدك بجانبي" . حاول علال تهدئة صديقه فوافق في الحال وأكد له بأنه سيأتي إليه في الحين. فرح صاحبنا وراح يبتسم ابتسامة المنتصر محركاً رأسه الذي رفعه... وراح يمشي مختالا إلا أن فرحته انقطعت ولم تكتمل لأن صاحبنا تعثر بعدما رمى رجله - وهو في تلك الحالة من الفخر والاعتزاز ورفع الرأس إلى الأعلى - في حفرة وسقط... نهض بسرعة وبدأ ينفض التراب الذي علق به على إثر تلك السقطة المفاجئة وهو يتحدث بغضب مع نفسه ويتمتم... لاسيما وأن بعض المارة كانوا يضحكون عليه. التقى العم حمدان صديقه علال وكان الغضب باديا على وجهه وبعد إلقاء السلام لم يسأل علال صديقه عن سبب غضبه خوفا من أن يزيد الطين بلة، وأخذ يمشي مع العم حمدان ويتبعه دون أن ينطق بحرف ... وبينما كانا يمشيان على تلك الحال وإذا بكرة قدم تضرب العم حمدان على رأسه لتفقده توازنه ويسقط مرة أخرى... وبعد أن ساعده صديقه على النهوض نظر العم حمدان إلى الفاعل الذي لم يكن سوى صبي في حدود الخامسة من عمره كان يلعب مع صديق له... تعجب العم حمدان منه ومن قوته... وبعد أن أمسك الكرة ورماها بعيدا اقترب صاحبنا من الصبي وقال له: "أنت صغير وضربتك جد قوية ؟" فأجابه الصبي وهو يضع سبابته على جبينه : "كلشي راهو هنا في الرأس" . ضحك العم حمدان من هذا الجواب البريء وراح يتحدث مع الصبي الذي أعجب صاحبنا بكلماته وبحركاته البريئة ، وأخذ يدردش معه ناسيا نفسه ...وعلال ينظر إلى الساعة ولا يتجرأ على تنبيه صديقه بأن الوقت قد مضى ...أراد العم حمدان أن يعيد للطفل كرته لكنه لم يجدها فأخذه من يده وذهب به إلى محل مختص في بيع الأدوات الرياضية واشترى له كرة أخرى وقبل أن يودعه قبله من جبينه وطلب منه أن يذهب إلى بيتهم ولا يعود للعب بالكرة في الشارع مرة أخرى فأجابه الصبي بإشارات الموافقة برأسه، ثم انصرف ... وهنا فقط تذكر العم حمدان مشواره فنظر إلى علال وقال له: "لما لم تذكرني بالوقت ؟" وكان صاحبنا غاضبا فصمت صديقه ولم يجبه فازداد غضب العم حمدان الذي أخبر علال بأنه لن يذهب إلى السوق وأنه لن يشتري سيارة . طفح الكيل بعلال وغضب هو الآخر من جهته وذهب تاركا صديقه وراءه. عاد العم حمدان إلى بيته وما إن دخل حتى لاقته فتيحة وهي فرحة مبسوطة وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة طويلة عريضة.. وقالت لوالدها : "اشتريت سيارة ...صح ؟ وستوفي بوعدك لي ..صح ؟ " .وهنا حمل حذاءه ورماه باتجاه فتيحة التي فرت من وجهه وهي تجري كالنعامة المرعوبة المفزوعة. بعد الإفطار خرج العم حمدان واشترى علبة حلوى وتوجه إلى بيت علال بحيث استقبله صديقه بعد أن ذهب عنه الغضب.. اعتذر العم حمدان من صديقه عما صدر عنه في ذلك اليوم .. فقبل علال اعتذاره ثم أخبره بأن عنده مفاجأة له، ففرح صاحبنا وازدادت فرحته عندما أخبره صديقه بأنه وجد له سيارة رائعة.. وقبل أن يغادر العم حمدان بيت صديقه اتفقا على أن يذهبا لرؤية السيارة يوم غد... وعاد العم حمدان إلى بيته مسرورا ونادى على فتيحة وأخذ يلاعبها وكأنها رضيعة ويدلعها ، وقبل خلوده إلى النوم أكد لها وعده.