أيقظت الخالة زهور زوجها الذي كان يغط في نوم عميق.. أيقظته وقت السحور إلا أنه أتعبها كثيرا كعادته لأنه لم يستيقظ إلا بطلوع الروح - كما يقال - ، دخل المطبخ وهو يتثاءب ويضع يده على فمه.. بعد أن غسل وجهه عاد إلى المطبخ إلا أن النعاس كان قد نال منه ... كانت عيناه محمرتين ولا تكادا تفتحان، وكان يضع يده تحت ذقنه حتى تسند وجهه الا انه كان من حين الى آخر يسقط -أي وجهه - بعد أن يداهمه النوم، وعندما تتعب يده الساندة لوجهه يضعه على ذراعه الموضوعة على مائدة الطعام .. والأدهى أنه كان يشخر... وكانت عصى الجدة هي الكفيلة بإيقاظه، فالجدة يمينة وقفت له بالمرصاد... في هذه الآونة دخلت الخالة زهور التي أيقظت أولادها الذين دخلوا وراءها .. ورغم التعب والارهاق الشديدين الذي كان يعاني منهما الوالد الا أنه ضحك بصعوبة لما رأى أبناءه يتبعون أمهم الواحد تلو الآخر... فقال لهم ووجهه على المائدة : "إنكم تشبهون صغار البط الذين يتبعون أمهم أو الصيصان الذين يتبعون أمهم الدجاجة أينما ذهبت ها ها ها.". وراح يضحك بصعوبة. وهنا نطقت فتيحة وقالت له إن صديقه علال جاء ليلة أمس إلى البيت وبحث عنه وقال لهم إنه لم يستطع الاتصال به لأن هاتفه النقال سقط في الماء .. لم يترك العم حمدان فتيحة تكمل كلامها ووقف بعد أن نسى التعب والنعاس.. وقد جحظت عيناه واحمر وجهه وبدأ يقفز ويضرب نفسه بكلتا يديه وتارة يضرب وجهه.. كما لم يسلم شعره من النتف.. وراح يندب ويولول.. ويقول "لماذا لم تخبروني لماذا.. وهو اتفقت معه على المكان الذي ألتقي به فيه لماذا لم يأت" ..وهنا قاطعته فتيحة ببرودة قائلة : "لم تأت أنت الا ونحن نيام كما أنك اتفقت معه كما قال لنا أن تلتقيا أمام باب العمارة هذه وانتظرك كثيرا ولم تأت" .. وهنا ضرب العم حمدان رأسه بكلتا يديه وقال : " فعلا لقد نسيت وأنتظره بالمقهى بدل مدخل العمارة" .. ثم اقترب من المائدة لتناول طعام السحور هو وأفراد أسرته عدا الجدة التي سبقتهم إذ أنها أكلت كل ما لذ وطاب عندما كان العم حمدان يثير زوبعته تلك... لكنهم لم يكونوا سعداء حظ مثل الجدة إذ أن أذان الفجر سمع معلنا عن الامساك .. غضب الأبناء والزوجة بينما العم حمدان ولأنه السبب في عدم تسحرهم فقد ذهب إلى غرفته ونام. في الصباح وبينما كان العم حمدان يهم بالخروج خرجت الجدة من الغرفة وقالت له : حمدان لا تنس أنه عندي موعد غدا بالمستشفى لنزع الجبس .. قطب صاحبنا حاجبيه وشبك أصابع يديه ثم أخذ يدير سبابتيه حول بعضهما البعض ورد عليها قائلا : "حتان يزيد ونسموه سعيد، احييني اليوم واقتلني غدوة" ثم خرج ضاربا الأخماس في الأسداس. إلا أن الجدة يمينة تمكنت من التوجه إلى الباب بسرعة وهي مستندة على العصى وفتحت الباب وقالت له وهي تصرخ: "لم ترد علي قلت لك لا تنسى يوم غد سنذهب إلى المستشفى لأنزع الجبس " .. وحتى يفلت منها ومن لسانها أجابها قائلا : "حاضر يا لالة كما تريدين ..لن أنسى ..غدا سوف آخذك الى المستشفى"، ثم انصرف بعدما طلب منها الدخول إلى البيت. بعد أدائه لعمله عرج العم حمدان على بيت علال الا أنه لم يجده هناك... قلق العم حمدان عندما لم يجد صديقه وراح يمشي وهو يكلم نفسه... ولم يحس بنفسه إلا وهو واقف أمام محل بيع الفواكه الذي كان مملوءا عن آخره بالزبائن، وقد أخذ العم حمدان نصيبه من الدفع وكأن المحل تحول إلى حافلة للنقل العمومي فلم يشتر صاحبنا شيئا وخرج متوجها إلى السوق عله يجد ما يعجبه من فواكه... في السوق لم يجد سوى فاكهة قديمة ولكنه اضطر لشراء بعض منها إضافة إلى بعض الحلويات وعاد بها إلى بيته. قبل موعد الافطار رن جوال العم حمدان وكان المتصل علال الذي تأسف كثيرا من العم حمدان وقال له بأنه بامكانه الاتصال به في أي وقت لأنه أصلح نقاله واتفقا على موعد كما اتفقا على أن يكون مكان الموعد هو المقهى ثم أقفل الخط. بعد الافطار راحت الجدة تذكر العم حمدان بموعد يوم غد فضرب رأسه ... ولم تتوقف الجدة عن تذكير العم حمدان بالموعد حتى في السهرة... ولم تسكت الا بعد أن هددها بأنها إن أعادت نفس الجملة فإنه لن يأخذها لنزع الجبس .. لكن الجدة كان لسانها طويلا فلا تستطيع التحكم فيه ولذا وبدلا من تذكيره بالموعد راحت تلومه على شرائه فاكهة قديمة وحلوى يابسة لا تؤكل ... وراحت تحمل حبة فاكهة تارة وحبة حلوى تارة أخرى وتنظر إليها وكأنها تميزها ثم تضحك مما جعل صاحبنا يترك المجلس ويخرج وهو يفكر في كيفية رد الصاع صاعين لحماته.