شهر رمضان في قصور أدرار له نكهة مميزة، حيث لا يزال سكانها يحتفظون بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة سواء في الاحتفال بقدوم شهر رمضان وإحياء لياليه أوتحضير الأطباق الخاصة به والتحضيرات التي تسبق ولوجه، ولعلّ ما يُضَاعِفُ من نكهة هذا الزائر الكريم شيئان رئيسيان؛ أولهما التحضيرات المتعلقة بأطباق شهر رمضان والثاني يتمثل في تنظيف البيوت والمساجد. السيدة أميمة واحدة من الأدراريات اللواتي تشّبثن بالعادات والتقاليد، استضافت "المساء" ولم تبخل علينا بالمعلومات الخاصة برمضان في المنطقة، فاستهلت حديثها بأوّل ما يتم القيام به قبل الشهر الكريم، وبالضبط في موسم الحصاد، حيث يتم تحضير "الفريك" أو ما يعرف محليا ب"الزَّنْبُو"؛ ففي موسم الحصاد يتم جمع القمح على شكل حزم متوسطة الحجم وتوضع في"البوغة"، وهو مكان يتم اختياره من (الحقل) يشعل فيه الجمر ويترك حتى يسخن الرمل جيدا، ثم ينحى جانبا ويوضع مكانه - الذي تكون حرارته عالية جدا - "الشواطات" (حزم القمح) وتغطى بالرمل الساخن ثانية ويوضع فوقها الجمر. وتبقى تلك الحزم أو "الزّنبو" مردومة لمدة أسبوع كامل، ثم تُخرج من تحت الرمل والجمر الذي يضحى رمادا، لتقوم بعد ذلك النسوة ببسط أفرشة (بساطات) ويوضع فوقها "القمح مباشرة بعد إخراجه من البوغة"، ويترك لعدة أيام على تلك الحالة حتى يجف تماما، وبعد جفافه تقوم النساء ب«سفّه"، أي نزع الشوائب عنه، شرط أن يتميز اليوم الذي تتم فيه العملية بهبوب الرياح التي تساهم في العملية... بعد تنقيته وتصفيته، تأتي مرحلة أخرى متمثلة في مرحلة طحن القمح "الرحى" التقليدية، حيث تطحنه المرأة طحنا متوسطا... ويوضع جانبا ليكون ضمن المواد التي تشكل أطباق الشهر الكريم في أدرار. وأشارت محدثتنا إلى نّ "الزّنبو" هو أول وأهم شيء يتم، بل يجب تحضيره لرمضان، من المستحيل أن لا يحضر حتى يصنع منه الطبق الرئيسي الأول في رمضان والمتمثل في طبق "الحْسَا". "كسكسي الصراير" لا غنى عنه للتسحر ثاني شيء يتم تحضيره هو الكسكسي الذي يُفتل يدويا، ولا يقتصر على ذلك الذي تحضره النساء لرمضان في ولاية أدرار على العادي منه، فهناك نوع ثان يُفتل يعرف في المنطقة ب"الصراير"، أي (الأعشاب)، وهو كسكسي يتم فتله بالدقيق مدعم بالطحين أو "الفرينة"، وفي آخر عملية الفتل تخلط مع الماء بعض الأعشاب، أو ما يسمى محليا ب"الصراير"، ومنها "الآزير" و"آلاَّل" و"الوزوازة" و"القرطوفة" وغيرها من الأعشاب، ويرش به على الكسكسي (الذي يجب أن يكون من النوع الرقيق) ويفتل "الفتلة" الأخيرة، ثم يَفوُّر وينشر على أفرشة ليجف. هذا النوع من الكسكسي لا يشعر من يستهلكه بالعطش، إضافة إلى أنه يقدّم للمرأة النفساء بعد الوضع نظرا لفوائده الجمة. ويفتل أيضا نوع آخر وهو كسكسي السميد، كما يتم فتل "طعام الشعير"، حيث يحصد الشعير وينقى ويترك ليجف، ثم يصفى ويرحى مباشرة بواسطة "الرحى" حتى يصبح مثل "الفرينة" ويفتل به السميد ليكوِّن الثنائي كسكسي الشعير. إضافة إلى تحضير أنواع الكسكسي هذه، تحضّر أيضا خلطة يتم استخدامها في "الحسا"، ولابدّ من إعدادها لتكون حاضرة طيلة أيام رمضان، مثلها مثل "الزنبو" والكسكسي، وتعرف هذه الخلطة باسم "خلطة الختيم"، تتألف من "الزّنْبُو" المرحي بشكل خشن و«عدس البلاد" (المحلي) مهشم، أو يبقى على حاله، وكذلك الفول الذي يفتت قليلا والثوم المحلي، إضافة إلى "الكليلة" المهشمة وأعشاب"الآزير" و«آلاّل" و«الوزوازة" وقليل من عشبة "المريوة" وحبّات من الحلبة، وتوضع كل هذه المواد في صحن كبير غير قابل للصدأ ومن الأحسن أن يكون مصنوعا من الفخار، يضاف إليها في اليوم الّأول القليل من حليب الشاة الحامض ويترك الخليط إلى اليوم الموالي، ثم يصب عليه القليل من الحليب الحامض ويترك ليوم آخر، وتكرر العملية نفسها يوميا إلى غاية اليوم الخامس، حيث تصبح الخلطة على شكل عجينة، وفي هذه المرحلة يتم تشكيلها على شكل خبزات صغيرة ترش ب«الزَّنْبُو"، ثم توضع بعد ذلك في مكان ظليل لا تصله أشعة الشمس إلى أن يجف ويتم حفظه في علب إلى حين استعمالها في رمضان في طبق "الحسا". "سقة لمرار" لتسهيل صيام الأيام الأولى خلطة أخرى يتم إعدادها، وهي "سفَّةْ لمرار" المفيدة جدا، لاسيما في الأيام الأولى من الصيام، حيث تقضي نهائيا على الدوخة أو الغثيان أو المرارة ، وتتألف مما يقارب الأربعين نوعا من الأعشاب، من بينها "القرطوفة فضحة" واليانسون (حبة الحلاوة) أو ما يعرف عند سكان ولاية أدرار ب«الحَلْوَة" و«السانوج" (حبة البركة) و"الشيح" و يرها من الأعشاب، بالإضافة إلى "الكليلة"، حيث تنقى وتغسل الأعشاب و«الكليلة" وتجفّف، ثم تطحن كلها - ماعدا السانوج الذي يفضل إبقاؤه دون طحن - مع بعضها البعض. الجدير ذكره أن "سفّة لمرار" يتم تناولها في الأيام الأولى من الشهر الفضيل خلال السحور أو بعد الإفطار مباشرة سفا أو يخلط منها مقدار ملعقة صغيرة في كأس من الماء ويشرب. من بين ما يتم تحضيره أيضا تقول محدِّثتنا -؛ "الشحمة" الخاصة بتحضير "لحسا" وهي عبارة عن قطعة شحم جديدة تُهرس في المهراس الخشبي مع قليل من الثوم والكسبرة وقليل من الملح، تمزج جيدا وتصنع منها كريات صغيرة يصل عددها إلى ثلاثين كرة، بنفس عدد أيام رمضان، وتوضع كل يوم كرة في طبق "حسا رمضان"، زيادة على هذا، تحضّر النساء أيضا طحين الطماطم، فالمعروف عن أدرار أنها من بين الولايات الرائدة في إنتاج هذا النوع من الخضر، حيث تقوم النساء في موسم الطماطم بشراء كميات معتبرة منها أو جنيها وتقطيعها على شكل دوائر وتجفيفها في مكان ظليل، بعيدا عن أشعة الشمس، وبعد عملية التجفيف يتم دقها جيدا بواسطة مهراس خشبي كبير حتى تصبح على شكل بودرة، ثم توضع في علب أو قنينات، وتستعمل في مختلف الأطباق بدلا من استعمال الطماطم المصبرة. أما فيما يتعلّق بتنظيف البيوت، فتذكر السيدة أميمة أنّ الأدرارية تقوم بتنظيف بيتها، كما تقوم بتصفية وتنقية كل الرمال المفروشة في البيوت بواسطة غربال، وهي عملية شاقة ومتعبة، لكن رغم ذلك فإن النساء القاطنات بالقصور يقمن بالمهمة على أحسن وأكمل وجه. كما يقوم الرجال قبل حلول الشهر الفضيل بتنظيف بيوت الرحمن وغسل سجاداتها.