من العادات الراسخة في ولاية النعامة، تحضير الأطباق التقليدية فيما يعرف محليا ب” الطبڤ” المصنوع يدويا من الحلفاء، ولا يكاد يخلو أي بيت في هذه الولاية من أدوات منزلية مصنوعة من هذه المادة التي ترمز إلى الأصالة، كما لا بد للمرأة أن تتفنن في إعداد الأطباق المحلية التي تجمع حولها أفراد العائلة الواحدة. التقت ”المساء” بالسيدة توامدية الزهرة رئيسة جمعية ”عزة وكرامة المرأة الصفراوية” التابعة لعين الصفراء بولاية النعامة، والتي تحدثت عن تقاليد وعادات أهل المنطقة، فتحدثت عن مزايا الصناعة اليدوية التي ”تبقى وإلى الأبد مفخرة الأسرة في النعامة، حيث تتميز نسوتها بصناعة النسيج والزرابي المشكلة برموز معينة قد توضع كذلك في بعض الأواني التي تستعمل في التزيين الداخلي للبيوت.
الكسكسي أشهر أطباق النعامة رغم ازدحام المائدة الجزائرية بألوان كثيرة من الأطباق الشعبية والمأكولات الضاربة في عمق التاريخ المحلي، إلاّ أنّ لطبق ”الكسكسي” التقليدي العريق مكانة أزلية لدى الأسرة الجزائرية باختلاف مشاربها، لدرجة أصبح يشكل معها اليوم إرثا ومورد رزق لكثير من العوائل بعدة مناطق. وتختلف تسمياته باختلاف المناطق أيضا، فهناك تسميات من قبيل ”إسكسو”، ”الطّعام”، ”البربوشة”، ”النعمة” وهي اصطلاحات مختلفة لطبق واحد، ومتعدد في الوقت نفسه من حيث الشكل ومرق طهيه المختلف بين هذه المنطقة وتلك من ربوع الجزائر الشاسعة. غير أن المتوارث أن يطهى الكسكسي في الغالب بالمرق الأحمر بلحم الغنم، وقد يحضر بمرق الدجاج، كما قد يكون مصحوبا بالبطاطا وسائر الخضروات. وقد يقدم بالخضار الموسمسية واللبن أو الرايب. ويشترك الجزائريون في منحهم طبق الكسكسي مكانة أولى في موائد أفراحهم وأحزانهم، في شتى المناسبات وحتى بدونها، كما قد يحضر طبق الكسكسي مرة في الأسبوع على الأقل، ويلتم حوله جميع أفراد العائلة، كما تختلف طرق تحضيره كطبق رئيسي على مدار السنة من شكله الأولي؛ كحبوب من القمح، إلى وضعه على طاولة الفطور أو العشاء. وعن هذه المراحل وعن أهم عادات منطقتها، تتحدث السيدة توامدية الزهرة فتقول؛ إن ”أغلب العادات، إنما تظهر أساسا في طرق تحضير الأكل ومراسيم الزواج. وما يميز منطقة عين الصفراء في إعداد الأكل، تلك المراحل الطويلة لإعداد الكسكسي الذي يخلط بالفرينة ويحضر بالمرق الأحمر على مدار السنة، كما قد يحضر بالخضار وبعض الأعشاب المعروفة محليا ويقدم باللبن”. ومن ضمن المراحل التي يمر بها تحضير هذا الطبق الشعبي، تحضير ”الطبڤ” المصنوع من الحلفاء والذي يتميز بدقة صنع عالية ويكون بأحجام مختلفة، كما تحضر ”الدشيشة” أو الدقيق، ونقصد الخشن منه، وعلى الهامش تحضير كمية من الدقيق الرقيق وأخرى من الفرينة وكمية من الماء، تفرك ”الدشيشة” في ”الڤصعة” ثم تبرم بالماء، وبين الفينة والأخرى يضاف بعض من الدقيق الرقيق، وقد تتطلب هذه المرحلة حوالي ربع ساعة من عملية الفتْل تبعا لخفة يد المرأة، وفي آخر المرحلة، يتم إضافة كمية من الفرينة ويبرم الطعام لحوالي 4 برمات، يعني يفرك أربع مرات، ثم تكون النتيجة كسكسى ”مزَيّر”، يعني كل حبة من حباته تكون ”مفروزة” أي تتفرق الواحدة عن الأخرى. بعدها يوضع الطعام في ”طبڤ” آخر في مرحلة ثانية تسمى ”التزراد”، يعني الفرز بين أنواع الطعام الأربعة وهي: الطعام المتوسط، المردود، السفة (وهو الكسكسي الرقيق)، وأخيرا البركوكس. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك في المجتمع النعامي فرقا بين المردود والبركوكس اللذين قد يكونان مترادفين في منطقة أخرى، ولكن هذا الأخير في النعامة يحضر بالماء؛ كالحساء، وتضاف له الخضار المرحية، أما المردود فهو لا يطبخ، وإنما يفور مثل الكسكسي وتضاف له بعض الخضار والدهان الحر (أي السمن) وبعض الأعشاب المحلية مثل الكليلة، ويقدم باللبن، وهو يشبه إلى حد ما طبق المسفوف العاصمي، توضح المتحدثة التي تؤكد أن هذه الأطباق الأربعة تشكل طعام العائلات النعامية على طول السنة. والسيدة توامدية الزهرة متقاعدة من سلك التعليم، أسست جمعيتها ”عزة وكرامة المرأة الصفراوية” في 2009، وتقول عن نفسها إنها ليست صانعة يدوية أو حرفية، وإنما تحمل غيرة داخلية على الموروث المحلي لمنطقتها، ولذلك حملت على عاتقها أمر تأسيس جمعية محلية تكون جسرا للتواصل بين الأجيال، ”جمعيتي هذه تضم حرفيات يمتهنّ عدة حرف، ومنهن صاحبات المهن وأخريات شغلهن فقط إعداد الكسكسي النعامي”. كما تشير المتحدثة أن جمعيتها شاركت في العديد من الفعاليات الثقافية تقريبا في كل ولايات الوطن ضمن الأسابيع الثقافية التي تنظمها منذ سنوات وزارة الثقافة، وتحمل الجمعية هدف ”الحفاظ على الأصالة خدمة للمجتمع ووعدا مقطوعا للأجداد، لتعريف الأجيال بما تركوه من موروث”، تقول السيدة توامدية.