استعادت شهادة البكالوريا أخيرا مصداقيتها وقيمتها كشهادة معترف بها بعد أن فقدتها منذ عدة سنوات بسبب انتهاج أسلوب تحديد الدروس التي تدور حولها أسئلة الامتحان أو ما يعرف ب«العتبة". وضع سابق نتج عن حالة اللاستقرار التي كان يعاني منها قطاع التربية الذي أصيب بمرض مزمن وهو الإضرابات اللامنتهية والتي كان الشفاء منها صعبا إلى درجة أن الجميع ظنه شبه مستحيل لولا الجهود التي بذلتها وزيرة التربية نورية بن غبريط ونقابات التربية في استراتيجية تشاور وحوار مفتوح ومتواصل أدى إلى إنقاذ العمود الفقري للمجتمع وهو قطاع التربية بالقضاء على الاضطرابات التي لم تكن تفارقه. وذلك عن طريق المبادرة بميثاق أخلاقيات العمل التربوي الذي وافقت عليه نقابات القطاع والذي كان له الفضل في استقرار السنة الدراسية واسترجاع قيمة البكالوريا الضائعة. يمكن القول هذه المرة وبالرغم من التراجع الضئيل لنسبة النجاح في امتحان شهادة البكالوريا الذي اعتبره المحللون ليس تراجعا ولكن النسبة الحقيقية غير المضخمة للنجاح وأن الشهادة لها مصداقية، لأن أسئلتها دارت حول دروس الفصول الثلاثة ولم يتم اللجوء إلى العتبة التي ظلت تقليدا سلبيا تعود قطاع التربية اللجوء إليه كل مرة في امتحان شهادة البكالوريا بالرغم من أنه امتحان مصيري يرشح الفائزون فيه لحيازة لقب النخبة المستقبلية للأمة. لكن الإضرابات المتكررة والمفتوحة التي كانت تتجاوز الشهر بسبب غياب قنوات الحوار بين الوزارات السابقة ونقابات القطاع وتعنت الطرفين أحيانا ساهم في توسيع الشرخ وتكرر الإضرابات. الأمر الذي لم يكن يسمح بإنهاء البرنامج الدراسي وبالتالي لجوء وزارة التربية لتحديد عتبة الدروس في امتحان البكالوريا كحتمية لا مفر منها. ارتفاع نسب النجاح في هذا الامتحان خلال السنوات الأخيرة لايمكن اعتباره معيارا يقاس به مستوى الحاصلين على شهادته، بل والأكثر من ذلك لم يتوان أي مطلع على خبايا قطاع التربية ببلادنا في القول بأن البكالوريا فقدت مصداقيتها بسبب تضخيم النائج والغش وأن المتحصلين عليها مستوياتهم ضعيفة ولا يمكن مقارنتها بمستوى الناجحين في سنوات الستينات. السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات. حيث كانت شهادة البكالوريا في السنوات الأخيرة تكتفي بالكمية بتمكين أكبر عدد ممكن من التلاميذ من النجاح دون إيلاء أهمية للنوعية ولمستوى التلاميذ. يمكن القول بكل موضوعية اليوم أن الباكالوريا بدأت تستعيد جديتها وقيمتها، الفضل يعود للجهود التي بذلتها وزيرة التربية بالرغم من الضغوطات التي واجهتها منذ تعينها على رأس القطاع وبعد الفشل الذريع الذي سجله القطاع في احتواء الأزمة التي عصفت به خلال السنوات السابقة. يحسب للوزيرة انتهاجها سياسة تشاركية بالانفتاح على الشركاء الاجتماعيين وإشراك نقابات التربية وجمعيات أولياء التلاميذ في كل كبيرة أو صغيرة تخص مستقبل التلاميذ ومصير المدرسة الجزائرية. الأمر الذي ساهم في تعزيز الاستقرار ليكون الموسم الدراسي لسنة 2015 / 2016 أول موسم خال من الإضرابات منذ أكثر من عشرية. الإضرابات التي سجلت هذا الموسم يمكن اعتبارها استثنائية، وحتى نتيجة تراكمات سابقة حيث اقتصرت فقط على المقتصدين وعلى الأساتذة المتعاقدين الذين طالبوا بإدماجهم وتوظيفهم في مناصب مالية دون إجراء مسابقة. تعد هذه الإضرابات القليلة التي لم تؤثر على سير السنة الدراسية ولا على معنويات التلاميذ عبارة عن ألغام من مخلفات الماضي. استثمرت فيها بعض الأطراف للتشويش على السنة الدراسية كما جرت العادة في السابق. غير أن هذه الألغام لم تنفجر كما كان يريدها البعض وتم احتواؤها بفضل السياسة التشاركية والحوار المستمر الذي جسد الاستقرار كما سلفت الإثارة من مظاهر هذا الاستقرار التي لاحظها الجميع خلال السنة الدراسية أيضا احترام الرزنامة واختتام البرنامج الدراسي في الآجال المحددة له مما عبد الطريق لبكالوريا ناجحة مسبقا. وهو ما لم يهضمه من أرادوا تحطيم المدرسة الجزائرية والذين ظلوا يخططون للانقلابات والهزات التي عاشها قطاع التربية من قبل، حيث خططوا لمؤامرات انتهت بتسريب مواضيع البكالوريا كان الهدف منها الإطاحة بوزيرة التربية التي باتت تقلقهم بكفاءتها وحنكتها في التحكم في زمام الأمور وقيادة سفينة المدرسة الجزائرية إلى بر الأمان. غير أن توفر الإرادة السياسية ووجود النوايا الحسنة لأبناء الجزائر الغيورين على وطنهم وعيا منهم بأن هذه المحاولات الفاشلة هدفها ضرب مستقبل البلاد بتحطيم منظومته التربوية التي تبقى الركيزة الأساسية لتكوين جيل الغد مكن من إعادة تنظيم هذا الامتحان المصيري في أجواء مستقرة بتنظيم بكالوريا جزئية تم من خلالها غلق كل منافذ التسريب ووضع حد لتلك المهزلة التي لم يجن منها أصحابها سوى المتابعات القضائية وإيداع السجن. من مظاهر الاستقرار التي ميزت قطاع التربية أيضا التمكن من تنظيم مسابقة توظيف الأساتذة والتي كانت ناجحة على كل الأصعدة حيث انتهت بقبول أحسن المتسابقين من حيث المستوى والذين فاقت معدلاتهم ال14 من 20. إذ اعتمدت وزارة التربية على العد التنازلي في قبول الفائزين واختارت أعلى المعدلات نظرا لمحدودية المناصب التي لم تتجاوز 28 ألف و800 منصب. وتعد هذه المعدلات العالية في المسابقة التي أقصت من تحصل على أقل من معدل 14 لأن المنافسة كانت نوعية مؤشرا إيجابيا يوحي بمستقبل زاهر لمدرسة سيؤطرها من هم أهلا لها.