صنعت مريم صاحبة الثمانية عشر ربيعا من دوار بوعقبة، الحدث لتجعل ثانوية الشهيد "غراز الشريف" القابعة بين جبال ومنحدرات بلدية أولاد يحيى خدروش النائية بدائرة الميلية، والتي تبعد ب 60 كلم عن عاصمة الولاية جيجل، تذوق طعم التفوق والتميز عن الثانويات الأخرى بالولاية من خلال حديث العام والخاص عن التلميذة مريم. لم يكن غياب شبكة الأنترنت التي يعتمد عليها اليوم معظم التلاميذ في المناطق الحضرية من أجل تحضيرات الدروس والبحوث و حلول تمارين نموذجية، عائقا أمام نجاح مريم، فعزلة المنطقة حسب مريم وظروف عيشها المتواضعة دفعها لتحصيل دراسي بالاعتماد على أساتذتها والكتب المدرسية التي تقوم بإعارتها من مكتبة الثانوية التي كانت تسمح لتلاميذ السنة الثالثة ثانوي بإعارة أكثر من كتابين في اليوم لتسد عجز تلاميذ المنطقة في مجال المطالعة، وحتى منطق الدروس الخصوصية المدعمة لم يكن معيارا تقول مريم "لم أعتمد على الدروس الخصوصية بتاتا إلا في مادة الفيزياء إذ كنت أشعر بنوع من العجز والتخوف". أما عن الطموح فتقول مريم، أطمح لأن أكون طبيبة أعالج مواطني بلدية أولاد يحى خدروش بالمجان، بل طموحي كبر لأن أصبح طبيبة عالمية أسعى لاكتشاف دواء لأمراض مستعصية. وقد صنع نجاح مريم وافتكاكها المرتبة الأولى ولائيا فخر واعتزاز والديها، حيث تعالت زغاريد فرحة أم مريم لدى زيارة "المساء" إلى منزلها، وترجمة دموع والدها المنهمرة فرحته بابنته الكبرى وقال "إن تعب مريم وسهرها لليالي طوال لم يذهب هباء منثورا، وقد كانت مريم تقرأ وردين من القرآن الكريم يوميا وتخصص العطل لمحاولة حفظ المصحف ولعل هذا سر نجاح ابنتي". وبثانوية أولاد يحى خدروش كان لمدح خصال مريم وهدوئها ومثابرتها حصة الأسد لدى أساتذتها، فمريم سجلت غيابين طيلة 03 سنوات بالطور الثانوي، وقد عبروا عن اعتزازهم وفخرهم لوجود مثل هذه الطاقات الشابة بمناطق نائية معزولة، وتنبأوا بمستقبل واعد لمريم، كيف لا وهي الفتاة التي تعلمت أن تصنع لنفسها محطات نجاح، فأحرزت المراتب الأولى دائما، بمعدل 08.40 في شهادة التعليم الابتدائي، ومعدل 17.94 في شهادة التعليم المتوسط، لتواصل كفاح التفوق في شهادة البكالوريا. من جهته، عبر مدير ثانوية أولاد يحي خدروش "بوبكر رشيد" عن اعتزازه بالتلميذة مريم لإيداعها صيت الثانوية بالولاية، وأن مثل مريم بهذه المنطقة كثيرون لو توفرت لهم بعض الظروف. وجعل المدير من "المساء" منبرا للتعبير عن انشغالات التلاميذ المطروحة، حيث يكشف بأن 80% من الفريق التربوي يفتقد للخبرة و 30% من الأساتذة مستخلفين من مناطق بعيدة مثل عين قشرة بسكيكدة و زيامة منصورية، الطاهير وجيجل وهو ما يؤثر على مردودهم وعطائهم التربوي بسبب بعد المسافة مما يطرح إشكالا في نسبة البكالوريا. كما طالب الجهات المعنية بضرورة إدراج تخصصات أخرى تضاف إلى التخصصين الوحيدين الموجودين بالثانوية التي فتحت أبوابها منذ 07 سنوات، والمتمثلين في العلوم التجريبية والأداب، حيث يضطر أبناء المنطقة الراغبين في تخصصات أخرى إلى التنقل إلى دائرة الميلية على بعد 05 كلم.