ينتمي المخرج التونسي عبد اللطيف بن عمار إلى الجيل الأوّل من المخرجين الذين عايشوا بدايات الفن السابع في بلاده، عشق السينما صغيرا وخاض غمارها في سن مبكرة، تجمعه ذكريات كثيرة مع الجزائر التي لا ينكر فضلها على السينما المغاربية بشكل عام وذلك في سنوات عزّها عندما كانت سينماتك الجزائر محجّا لكلّ المخرجين المغاربة والعرب والأفارقة..حبّه للجزائر أثمر فيلمه "عزيزة"، لتتوالى أعماله التي كان يركّز فيها على الدور الوظيفي والرسالة التي تحملها بين طياتها للجمهو، وفي هذا الحوار يكشف بن عمار عن مشروعه السينمائي الجديد مع الجزائر الذي سيعود من خلاله للتاريخ،كما يناقش إشكالية التمويل في السينما المغاربية بشكل عام وغيرها من القضايا. - تعودون إلى الجزائر بعد سنوات من الغياب لعرض فيلمكم "عزيزة" والمشاركة في مهرجان الفيلم العربي الأخير كرئيس للجنة الأفلام القصيرة،كيف كانت هذه العودة ؟ * عدت بالكثير من السعادة والحب ووجدت الجزائر أكثر تطوّرا وأكثر اتّساعا، ما أسعدني أكثر هو إيجاد هذه الحركية من جديد التي افتقدتها لسنوات طويلة، ولقاء أصدقائي الجزائريين والمشي في شوارع العاصمة التي عرفتها بالأمس ومشيتها كثيرا عندما كنت أتردّد على متحف سينما الجزائر الذي قضيت فيه أوقات سعيدة ومفيدة جدا، لكن ما آسف له بالمقابل هو غياب قاعات السينما اليوم بالعاصمة التي كانت منتشرة أتمنى أن تعود هذه القاعات كما كانت، بشكل يستجيب لاحتياجات المخرجين الجزائريين الشباب الذين تفاجأت بشغفهم وحبهم للسينما. اختزن الكثير من الذكريات عن لحظات متميّزة عشتها في الجزائر لاسيما ما تعلّق بعرض الأفلام وتلك النقاشات الثرية التي كانت تنشط عقب كل عرض، وكانت سينماتيك الجزائر تتميّز بحركية كبيرة وتقوم بالكثير من الأشياء خاصة في عهد بوجمعة كاريش الذي جمع الكثير من المخرجين العرب والأفارقة وكذا المخرجين التقدميين وحاملي قضايا الأمة. ذكرياتي في الجزائر ارتبطت بتلك الأحلام المشتركة التي كانت تجمعنا آنذاك من أجل تطوير الفن السابع، والذي كان من خطواته الفعلية تنظيم أوّل مؤتمر لاتحاد المخرجين الأفارقة بالمهرجان الثقافي الإفريقي الذي جرت فعالياته بالجزائر، وعلى العموم أشعر عند تواجدي بالجزائر أنني في بلدي ولا أشعر أبدا بغربة . - تستعدون للانطلاق في انجاز عمل سينمائي جديد مع الجزائر هل يمكننا أن نعرف عنه أكثر ؟ * صحيح هناك مشروع عمل مشترك مع الجزائر مازال في مرحلة النص أو السيناريو الذي انتهيت من كتابته، موضوع الفيلم يعود إلى دفاتر التاريخ لكن عبر كتابته بمعنى أنّ الموضوع مرتبط بالماضي وبالتاريخ وتزييف هذا التاريخ من طرف أقلية مثقفة فقدت احترامها لهذا التاريخ والحقيقة التاريخية، فالعمل يتعلّق بالذاكرة المغاربية المشتركة وسيضم شخصيات تونسية وجزائرية، ويحاول الإجابة عن السؤال التالي:" هل يعقل أن يزيّف التاريخ من طرف كتابه"، وهنا نحاول إجراء مقارنة بين الكتابة أو أصحاب القلم بأصحاب الفن الموسيقي. - وما هو شكل التعاون الذي ستشارك به الجزائر في هذا العمل؟ * أنا حاليا اقترح مشروعي على دور الإنتاج الخاصة وهم يطرحونه على وزارة الثقافة الجزائرية والتلفزيون الجزائري، وأمنيتي أن يحصل العمل على دعم التلفزيون لأنّني أسعى لأن يقدّم العمل في التلفزيون بل وأنجزته خصيصا ليعرض على الشاشة الصغيرة، لأنّني أؤمن بدوره فرغم ما يقال عن السينما وقاعاتها والمهرجانات، يبقى التلفزيون قادرا على الوصول لأكبر نسبة من الجمهور، لذلك لا يمكن لأي سينمائي أن يتخلّى عن دعم التلفزيون في بلده. - تقومون بكتابة وإخراج العمل لماذا لم تكتفوا بالكتابة وترك الإخراج لشخص آخر أو العكس؟ * أنا لم أكتب العمل من أجل إهدائه لآخر أو بيعه، أنا كتبت هذا العمل لأنّني أحسست بأهميته وأعتقد أنّني الأكثر قدرة على إخراجه وأحب أن أكون بجانب الكاميرا وأمام الممثلين الجزائريينوالتونسيين خاصة أنني عملت كثيرا على إدارة الممثل وبرهنت عن قدرتي في توجيه الممثلين الجزائريين من خلال فيلم "عزيزة" حيث دفعتهم لأداء أدوار شخصيات تونسية . - تتحدّثون عن مشاركة ممثلين جزائريين، هل تمّ تحديد أسماء بعينها؟ * في الحقيقة لم يتم الاختيار بعد خاصة وأن هذا الاختيار مرتبط أيضا بالجهة المنتجة للعمل والتي أسعى إلى إيجادها، لكنني لاحظت خلال مشاهدتي للعديدة من الأفلام الجزائرية وجود طاقة شبانية هامة في مجال التمثيل لدى الجيل الصاعد ومن أحسن نوع، فعلى سبيل المثال الفنان خالد بن عيسى يتمتّع بقدرات جيدة جدا، ومليكة بلباي رائعة جدا أمام الكاميرا وغيرهم كثير . - لاحظنا مؤخرا عودة للسينما التاريخية التي شكّلت بدايات السينما المغاربية بشكل عام والجزائر بشكل خاص، في اعتقادكم لماذا هذه العودة اليوم؟ * إذا لم تعرف أصلك وماضيك لن يتسنى لك معرفة الطريق الذي يجب أن تسلكه لمستقبلك، شهدت بداية السينما المغاربية - بحكم التشابه التاريخي بين الدول الثلاث تونس، المغرب والجزائر- الاتجاه إلى سينما الثورة وذلك كواجب وطني ولتمجيد الأبطال الذين دافعوا عن الوطن، ثم جاءت مرحلة ثانية اهتمت خلالها السينما ببسط المشاكل الاجتماعية المهمة، ثم وصلنا للسينما الفردية أو الحديثة التي تهتم بالفرد ومزاجاته الشخصية، وهو ما نتج عنه ابتعاد السينما عن القضايا والمشاكل المهمة، اليوم من حسن الحظ أدركنا أنّ أهمية الجمال لابدّ أن تكون مرتبطة بالفائدة بالوظيفة، بمعنى الإبداع لابدّ أن يؤدي وظيفة ودورا، ومن ثمّة عدنا للمواضيع التي تتناول قضايا الأمة العربية والمغاربية، ومن أهم وأقوى هذه المواضيع الماضي التاريخي أو قراءة الماضي من مختلف الزوايا مع الحقيقة التاريخية. - لكن ألا تعتقدون أنّ هذا أمر صعب خاصة ما تعلّق بتلك النقاط الحسّاسة من هذا التاريخ الذي يبقى غير واضح، وإلاّ سنقع في مطب التقديس والايجابية المطلقة التي عانت منها سينما الصورة في بدايتها؟ * أرى أن الأمور واضحة وبسيطة، التقديس ممكن أن يمسّ الشخصيات البطولية والشهداء لأنّه يجب احترام أيّ إنسان يضحي من أجل وطنه حتى لو رسمنا له صورة ملائكية، لكن ما أسعى إلى طرحه من خلال عملي الجديد هو دور المثقف أو النخبة في كتابة التاريخ، والتساؤل هل كتب هؤلاء الحقيقة فعلا؟، هل استطاعوا أن ينقلوا إلينا رسالة الماضي؟، لأنّ الماضي هو رسالة أو وصية، هل أدوا واجبهم فعلا؟، هل وصلوا إلى حصر الحقيقة التاريخية؟، أنا أقول أنّ الكثير من المؤرخين أخطأوا وهذا يظهر جليا في وضع الشباب المغاربي اليوم الذي يجهل الكثير عن ماضيه وماضي أجداده . - تحدثتم عن ضرورة احترام الحقيقة التاريخية، أن الخوض في التاريخ عبر عدسة الكاميرا ما زال يشكل مشكلة خاصة وأنّ أغلب مخرجي هذه الأعمال يتّجهون إمّا إلى فرنسا بحثا عن أموال لإنتاج أعمالهم أو إلى الجهات الرسمية كما هو الحال مع فيلم مصطفى بن بلعيد بالنسبة للجزائر ألا تعتقدون أنّ المخرج في كلا الحالتين سيكون ملزما بالخضوع للجهة المموّلة، ما ينتج عنها بالضرورة ضياع هذه الحقيقة التاريخية؟ * أنا أرى أنّ الاتجاه للتمويل الرسمي في هذا الإطار هو أقل خطورة، ففي اعتقادي التمويل الحكومي لمثل هذه الأعمال لم تصل لدرجة تزيّف أمور مهمة جدا وواضحة، أظنّ أنّ وزارة الثقافة مثلا باعتبارها المسؤول الأول على قطاع السينما لديها احترام للمبدع وحريته، وهذا أقلّ خطورة من التمويل الخارجي الذي يمثل ثقافة مغايرة بعيدة عن السينما العربية والشخصية العربية والإحساس العربي وهنا يمكن أن تزيّف التاريخ أو موضوع الفيلم وتفرض عليك رؤية أخرى مغايرة لرؤيتك الشخصية للأمور. والأمر لا يقتصر على الأفلام التاريخية فقط بل كلّ الأعمال التي تنتج بتمويل أجنبي مشترك بشكل عام حيث يسعى هؤلاء إلى دفع المخرج العربي إلى إعادة إنتاج الصورة التي يحبون أن يرو عليها العرب، مما يجعل العربي يرى نفسه بعيون الغرب وهذا مرفوض لأنه يعدّ احتلالاً لصورتنا عن أنفسنا. والأمر يختلف طبعا عن تمويل الجزائر مثلا لعملي لأنّ الجزائر لا تعتبر بلدا خارجيا لأنّنا ننتمي لنفس الثقافة والحضارة والتاريخ، وأرفض اللجوء للتمويل الأجنبي، وفي هذا المقام أحب أن أشير إلى أنّ أهمّ مشكل يواجهنا هنا هو الرقابة الذاتية التي لاتزال تكبّل العديد من المخرجين. - ألا تعتقدون أيضا أنّ الماضي التاريخي المشترك بين دول المغرب العربي وفرنسا يشكّل خطورة أكبر في إنتاج الأفلام التاريخية التي تتناول تلك الفترة ؟ * فرنسا اليوم لديها أولوياتها وأولوياتها هي أوربا، وأوربا لديها نظرة معيّنة للشخصية العربية، ماهو العربي وماهو الشمال إفريقي وطبعا هي تختلف عن نظرتنا لأنفسنا، وهي تسعى للإبقاء على هذه الصورة النمطية وترفض أي خروج عنها. - نعود إلى السينما التونسية، يقال أنّ ما وصلت إليه السينما التونسية اليوم من بريق يعود إلى اعتمادها على القضايا المثيرة والمشاهد الجريئة والساخنة أكثر من أي شيء آخر، ما رأيكم؟ *صحيح أنّ هناك بعض المخرجين اعتمدوا هذه الطريقة وهذا المسار وحاولوا تقليد السينما الغربية لكنهم أقلية، وجلّ الأعمال الأخرى فيها احترام للشعب التونسي والمرأة التونسية ولعادات وتقاليد المجتمع التونسي..حرية المرأة في تونس جعلت بعض المخرجين يتجاوزون حدودا معينة لكن لا أظنّ أنّهم يستعملون ذلك للتجارة أو للحصول على جوائز، وأعتقد أنّه إذا حصلت هذه الأعمال على تكريمات واعتراف النقاد في مختلف المهرجانات فهذا يعني أنّ مستوى كتابتنا للسينما لا تقل جدية عن الكتابة الغربية، نفس الشيء بالنسبة للموسيقى فموسيقانا لا تقلّ أهمية عن الموسيقى الغربية لذلك علينا أن نعمل دون أيّ مركب نقص ولا نحاول أن نقلّد الغرب دون وعي. - تعرف السينما المغاربية سواء في الجزائرتونس أو المغرب بروز ما يعرف ب"سينما المهجر" التي أصبحت تمثّل نقطة مهمة بل وخطيرة في معادلة السينما المغاربية، مارأيكم؟ * أنا أقول إذا كانت هذه السينما تسعى إلى تقديم صورة تعكس وضع الجالية وحياتها في البلد المستضيف ومختلف المشاكل التي تواجهها على مختلف الأصعدة فهذا جيد جدا، لأنّ المخرج هنا يعبّر عن نفسه ويبرهن على وجود الجالية التي ينتمي إليها، لكن الحديث عن وطنهم الأصلي مربوطة بثقافة هؤلاء المخرجين والمعلومات التي لديهم حول بلدهم، إذا كان المخرج شاب ولد في بلجيكا أو فرنسا وليس له مرجعية أو معرفة كبيرة عن وطنهم الأصلي، فكيف سيقدّم عملا حوله، أكيد أنّه سيقدّم عملا كاريكاتوريا، هناك أيضا مشاكل الإنتاج والسوق الغربية التي تخضع لقوالب معيّنة فعلى سبيل المثال الغرب يحبّ دائما أن يرى المرأة العربية في قالب المرأة المقهورة المغلوبة على أمرها وإذا تقدّم أيّ مخرج بسيناريو يشدّ عن هذه القاعدة فالأكيد أنه لن يقبل عمله.