أسدل "نادي السينما" للديوان الوطني للثقافة والإعلام أوّل أمس الستار على فعالياته للموسم الجاري، بعد أن حاول طوال ما يزيد عن ثلاثة أشهر خلق فضاء للتبادل بين المهتمين والمتعطّشين للفن السابع، وذلك بعرض أربعة أفلام طويلة هي "ميلاد النشيد الوطني" لمحمد عيش، "المنارة " لبلقاسم حجاج،"بني هندل" لمين مرباح، "لحن الأمل" للراحل جمال فواز وخمسة أفلام قصيرة أخرى، كانت كلّها متبوعة بنقاشات مفتوحة بحضور مخرجيها، ليكون فيلم "عزيزة" الذي أنتج بالاشتراك بين الجزائر وتونس في 1979 مسك الختام بحضور المخرج التونسي عبد اللطيف بن عمار. افتتاح الجلسة سجّلته الأستاذة والمخرجة نادية شرابي المشرفة على تنظيم النادي مؤكّدة على استمرار التظاهرة خلال الدخول الاجتماعي المقبل، وفي سياق حديثها أشارت المخرجة إلى أنّ الهدف الأساسي من تنظيم النادي هو خلق فضاء للتواصل وتبادل الأفكار والرؤى السينمائية الرامية للنهوض بالفن السابع واكتساب ثقافة سينمائية. العدد الأخير للنادي ميّزه عرض فيلم "عزيزة" وهو إنتاج تونسي جزائري مشترك قدّم في 1979 من قبل المخرج عبد اللطيف بن عمار ومشاركة الفنان الجزائري الراحل صاحب رائعة "تحيا يا ديدو" محمد زينات والفنانة دليلة حليلو، هذا العمل الذي عرض في مهرجان "كان" السينمائي، وأحرز على "التانيت الذهبي" بمهرجان قرطاج السينمائي الدولي لسنة 1980، اتّخذ من المرأة ومعاناتها في المجتمع المغاربي موضوعا رئيسيا ليعالج من خلاله تحوّلات المدينة التونسية وظهور الأحياء الجديدة، وما خلقته من تحوّل في الأخلاق والقيم، وذلك من خلال قصة الفتاة عزيزة التي تعيش في بيت عمها بعد أن تخلى عنها والدها وقرّرت والدتها أن تعيد حياتها وتتزوج من رجل آخر، وتجد عزيزة نفسها مجبرة على العيش مع عمها قبل أن يسقط هذا الأخير في فراش المرض ثم يموت تاركا عزيزة وحيدة مع ابن عمها الذي يدفعها بعد خلاف معه إلى ترك المنزل والعيش مع صديقتها والاشتغال كعاملة في مصنع للنسيج من أجل العيش. "عزيزة" هو عودة لذلك الزمن الجميل حيث كانت السينما المغاربية قادرة على العطاء والتبادل والاشتراك لانتاج أعمال متميزة زادتها احترافية كادرات التصوير وحركات الكاميرا التي أبدع فيها الراحل يوسف صحراوي والموسيقى التصويرية لأحمد مالك التي اعتبرها النقاد في ذلك الوقت روح العمل، أضف إليها السيناريو الذي بدا محكم البناء ومتعدّد الدلالات، أتاح للمخرج تقديم شخصية "عزيزة" كإنسان محدّد بأبعاد مختلفة، أوّلا كرمز لتطوّر المرأة التونسية من خلال تطوّر علاقتها بالحياة كفتاة عالة على أهلها بداية، ثم كعاملة منتجة أخيراً قادرة على تحمل مسؤوليتها، ثم كرمز لتونس الوطن في سيرورة تطوّره، وكذا الأسلوب الإخراجي لعبد اللطيف بن عمار الذي سعى إلى تتبّع دقائق الأمور والوضوح في التعامل مع المرئيات وفي تحميله للصورة أبعاداً رمزية، دون إهمال الأداء المتمكّن والمتميّز للفنانين. المخرج عبّر خلال النقاش الذي جمعه بالحضور بقاعة "الموقار" عقب عرض الفيلم عن سعادته بعودته للجزائر بعد 25 سنة من الغياب، مشيرا إلى أنّه مازال فخورا بهذا العمل رغم مرور 28 سنة من إنتاجه ذلك لأنّه مكّنه من التعامل مع طاقة بشرية جزائرية ذكية، آمنوا بأهمية العمل المشترك ليس فقط على المستوى المادي والتقني بل وعلى مستوى الذهني والفكري والإبداعي أيضا. وفي نفس السياق، انتقد المخرج التونسي ما يقدّم اليوم من أعمال في إطار الإنتاج المشترك مع دول الشمال لاسيما فرنسا مشيرا إلى أنّ هذه الأخيرة تسعى إلى دعم ما ينتج في بلدان المغرب العربي وإفريقيا من أجل السيطرة على المواضيع المتناولة وضمان خدمتها لمصالحها، كذاك توقّف بن عمار عند ما يسمى اليوم بسينما المهجر التي يقودها المخرجون المغاربة المقيمون في الخارج، مشيرا إلى أنّ هؤلاء مجبرون على مداهنة الغرب من أجل ضمان الدعم واكتساب إعجاب الجمهور، ولم ير المخرج حلا لهذه المعضلة سوى توحيد الجهود بين السينمائيين المغاربة وتبادل الإنتاج وإعادة بعث الإنتاج المشترك لتعود لهم تلك القوة التي امتلكوها في وقت من الأوقات عندما كانت المؤسسات السينمائية المغاربية يدا واحدة . بن عمار استهجن أيضا ما يتداوله الأشقاء العرب عن إشكالية اللهجة كعائق لتقديم الإنتاج المغاربي مؤكّدا أنّ تلك مجرد حجة اخترقها هؤلاء خوفا من المنافسة بعد التطوّر الكبير الذي حقّقته دول المغرب في هذا المجال، والدليل على ذلك يقول المتحدث أنّ هذه الإشكالية لم تكن مطروحة في السابق بل وعملت تلك الدول خلال السبعينات على اقتناء أفلام مغاربية، وفي سياق حديثه أكّد بن عمار أنّ المخرج العالمي يوسف شاهين يدين بالكثير للدول المغاربية التي قدمته للعالم قبل أن يعترف به في وطنه.يذكر أنّ المخرج التونسي عبد اللطيف بن عمار اختير كرئيس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة في مهرجان الفيلم العربي الذي سينطلق بوهران هذا الخميس .