ضمن إستراتيجية الرد والرد المضاد راحت الولاياتالمتحدةوروسيا تتعاملان مع الأوضاع المأساوية في سوريا بمنطق تصعيدي رهن كل حظ لإنهاء أكبر كارثة إنسانية تعرفها المنطقة العربية. فبعد قرار واشنطن تعليق اتصالاتها مع موسكو على خلفية عمليات القصف الجوي الروسي على مواقع المعارضة السورية المسلّحة، لجأت هذه الأخيرة إلى نشر منظومة صاروخية "إستراتيجية " ضمن رسالة ردع باتجاه الولاياتالمتحدة التي بدأت تبحث هي الأخرى عن جملة الخيارات العسكرية المتاحة لديها للتعامل مع التطورات الميدانية التي عرفتها مدينة حلب الإستراتيجية في الأيام الأخيرة. يتأكد من يوم لآخر أن السلطات الروسية بدأت تتفاعل بكثير من الحيطة والتوجس من التهديدات العسكرية الأمريكية المبطنة تجاهها مما جعلها تسارع إلى نصب منظومة صواريخ باليستية من طراز "اس.300 " مضادة للصواريخ في مدينة طرطوس، حيث توجد أكبر قاعدة عسكرية لها في سوريا وفي كل منطقة الشرق الأوسط، والتي تشكّل بوابتها الوحيدة إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط. وجاءت الترسانة الروسية الجديدة تدعيما لنظام مشابه أقامته قبل عام في قاعدة الحميميم الجوية بمحافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا بتنصيبها لصواريخ "أس.400" المتطورة لحماية أسراب طائراتها الحربية فوق الأراضي السورية. وكان اجتماع مديري مختلف وكالات الاستخبارات الأمريكية أمس، لبحث الخيارات المتاحة قبل وضعها على مكتب الرئيس باراك أوباما، بعد قرار واشنطن وقف اتصالاتها مع روسيا الرامية الى إيجاد حل للأزمة السورية بمثابة إشارة إنذار "حمراء" تجاه روسيا التي سارعت إلى تفكيك شفرتها ولجأت إلى نشر تلك المنظومة المتطورة في خطوة استباقية لمواجهة أية تطورات غير سارة. وعكست تصريحات مارك تونير، النّاطق باسم الخارجية الأمريكية بوجود خيارات عسكرية مطروحة على مكتب الرئيس أوباما، حقيقة درجة الاستنفار التي دخلت فيها إدارته ورد فعل فيدرالية روسيا تجاهها قبل أن يدعمها بيتر كوك، الناطق باسم البنتاغون الذي حذّر روسيا علنا من مغبّة استعمال تلك الصواريخ ضد الطائرات الأمريكية، بعد أن أكد أن تنظيمات المعارضة السورية لا تمتلك طائرات تستدعي نشر منظومة دفاعية صاروخية متطورة. وإذا كان مسؤولون أمريكيون لم يستبعدوا اللجوء إلى فرض عقوبات اقتصادية إضافية على روسيا بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين بهدف وقف العمليات العسكرية الروسية، فإن ذلك يبقى مجرد طريقة تعامل ابتدائية قد تتحول إلى خطة عسكرية أمريكية في سوريا لوقف الطموحات الروسية في هذا البلد. وهو ما يفسر اللقاء الذي ضم أمس، مسؤولين أمريكيين بنظرائهم من دول أوروبية حليفة بالعاصمة الألمانية لوضع تصورات عملية لوقف ما يسمونه بالنّزعة العسكرية الروسية في سوريا. وعكست تطورات اليومين الأخيرين درجة حالة الاستنفار في الولاياتالمتحدةوروسيا التي يتأكد من يوم لآخر أن عقدة حل الأزمة السورية تمر عبر اتفاق بينهما، بما يعني أن الحرب في سوريا تتم بالوكالة وإن انتهاءها ليس غدا بسبب حسابات القوتين وصراعهما الجيو استراتيجي المحتدم. يذكر أن الهدنة المتوصل إليها في سوريا بداية شهر سبتمبر الماضي، بين موسكووواشنطن شكلت بادرة أمل لإنهاء الحرب الأهلية فيها لم تصمد لأكثر من عشرة أيام عندما قامت وحدات الجيش النظامي السوري مدعومة بتغطية جوية روسية بأوسع عملية عسكرية ضد معاقل المعارضة المسلّحة السورية في مدينة حلب، وكان ذلك مبررا كافيا للولايات المتحدة لتعلن انتهاء اتصالاتها مع روسيا لتعود الأزمة السورية معها إلى نقطة البداية ولكن بتعقيدات أكبر.