يشرع الرئيس الفرنسي السيد نيكولا ساركوزي اليوم، في زيارة دولة إلى الجزائر تستغرق ثلاثة أيام، بدعوة من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، وينتظر أن تمكن الرئيسين من إجراء تقييم موضوعي للعلاقات الثنائية والعمل على إعادة التأسيس لها وتعزيزها على مختلف الأصعدة، كما يرتقب أن تتوج بالتوقيع على عقود للتعاون والشراكة تقدر بعض المصادر قيمتها بين 4 و5 ملايير دولار ويرافق السيد ساركوزي في زيارته الثانية هذه إلى الجزائر بصفته رئيسا للجمهورية الفرنسية، بعد تلك التي استفتح بها زياراته خارج أوروبا في جويلية الماضي، مباشرة بعد تقلده منصبه في قصر الإليزيه، نحو 150 رجل أعمال فرنسي، تتقدمهم رئيسة جمعية رجال الأعمال الفرنسيين "ميديف" السيدة لورانس باريزو، حيث يشرف السيد ساركوزي على افتتاح منتدى حول شراكات صناعية، يجمع رجال أعمال البلدين، وذلك حسبما أعلنته مصادر فرنسية توقعت أن يتم بمناسبة الزيارة التوقيع على العديد من الاتفاقيات للتعاون والشراكة بين البلدين تتراوح قيمتها بين 4 و5 ملايير دولار على المدى القصير والمتوسط تشمل نصفها التعاون في مجال الطاقة· ففي هذا الإطار أشارت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن هذه المصادر، أن الشركة الفرنسية "توتال" ستستثمر بالشراكة مع شركة المحروقات الوطنية "سوناطراك" ما قيمته 1,5 مليار دولار لبناء وحدة بتروكيميائية لإنتاج مادتي الايتيلين والبروبيلين الموجهتين لصنع البلاستيك، مقدرة التكلفة الإجمالية لهذه الوحدة بنحو 3 ملايير دولار· كما تحضر "توتال" على غرار شركة "غاز دو فرانس" التي ستجدد بالمناسبة عقودها للتزود بالغاز الجزائري، حسب المصدر، لمشاريع أخرى في الاستثمار والإنتاج، تقدر قيمتها بنحو 1 مليار دولار· وإلى ذلك يتوقع أن يتم تخصيص 2,5 مليار دولار لدعم البرنامج الجزائري للخوصصة، ولاستثمارات أخرى مرتقبة من قبل نحو 20 شركة فرنسية منها المجموعات الصناعية "لافارج" و"اير ليكيد" و"سان غوبان" التي حصلت على الموافقة لشراء الشركات الجزائرية "ألفير" و"سوفست" و"سيدال" وكذا الشركات المصرفية الفرنسية الأربعة "بي·ان·بي"، "سوسييتيه جنرال"، "كريدي اغريكول" و"بانك بوبيلار" التي تتنافس على شراء القرض الشعبي الجزائري مع الإشارة إلى أن هذا الأخير تم تجميد عملية خصخصته مؤخرا بصفة مؤقتة· وبخلاف العدد المعتبر الذي يضمه وفد ال"ميداف" المرافق للرئيس ساركوزي، فإن تمثيله سيكون من مستوى عال، حيث يحضر الرؤساء المدراء العامون لمختلف الشركات التي أبدت اهتمامها الكبير بالسوق الجزائرية، وقد تجلى هذا الاهتمام أيضا من خلال التحضير الجدي لهذا المنتدى، والذي استغرق عدة أسابيع عقدت خلالها الجمعية الفرنسية لرجال الأعمال الفرنسيين ومنتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية عدة لقاءات، انتهت بالاتفاق على أن الظروف الراهنة تمكن من إحداث دفع حقيقي لبناء شراكة أكثر كثافة بين البلدين، وأكدا عزمهما على المساهمة في إعطاء مضمون ديناميكي لعلاقة الثقة التي تعمل السلطات السياسية للبلدين على بنائها· فيما دعت رئيسة ال"ميداف" السيدة لورانس باريزو، في السياق إلى ضرورة تجاوز مرحلة النوايا الحسنة والتصريحات المبدئية إلى مرحلة العمل الملموس لترقية علاقات الشراكة بين البلدين· وبالرغم من تأكيد المتعاملين الاقتصاديين على أن الخلافات الظرفية التي تنشب من حين لآخر بين البلدين والتي لا يتوان بعض المحللين اعتبارها "انعكاس لأزمة ثقة غير مكتملة بين البلدين"، لا تؤثر على تقدم علاقات التعاون الثنائي والشراكة الاقتصادية، إلا أن لكل طرف ما يحمله على نظيره في تبرير العوائق التي تعترض الرقي بهذه العلاقات على مستوى أحسن، حيث يعيب الطرف الجزائري على الجانب الفرنسي تفضيله للمبادلات التجارية على حساب الاستثمار وتردده في اقتحام السوق الجزائرية وتفضيل الأسواق المجاورة، بينما تبرر المؤسسات الفرنسية هذا التردد بما تعتبره محيط عمل غير مناسب بفعل ثقل الإجراءات الإدارية· وتسعى القيادتين السياسيتين للبلدين إلى العمل على وضع أطر لتجاوز هذه العراقيل المفترضة من خلال بعث شراكة استثنائية، قائمة على أساس براغماتي يضمن المصلحة المشتركة للدولتين· وهنا تبرز أهمية الزيارة التي يقوم بها اليوم الرئيس الفرنسي الذي أوضح في تصريح صحفي نقلته وسائل الإعلام الفرنسية مؤخرا، أنه سيعود من الجزائر بعقود لمساعدة المصانع الفرنسية، لأن دور الرئيس يتمثل في الوقوف وراء شركات بلاده ومساعدتها· ومن جهته أكد السيد مراد مدلسي وزير الشؤون الخارجية في حوار لقناة تلفزيونية فرنسية أول أمس، أن الجزائر تقيم مع فرنسا علاقات هامة، ذات وزن اقتصادي وثراء ثقافي، مشيرا إلى أن المحادثات التي ستجمع الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة ونيكولا ساركوزي بمناسبة الزيارة التي يقوم بها هذا الأخير إلى الجزائر، ستمكنهما من إجراء تقييم موضوعي ورصين للعلاقات الثنائية والقيام في بعض الأحيان بإعادة تأسيس وتعزيز هذه العلاقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا· كما تطرق الوزير إلى مشروع الاتحاد المتوسطي الذي يقترحه الرئيس الفرنسي على الشركاء في المنطقة، مؤكدا بأن الجزائر من جهتها لم تبد أي تحفظ بخصوصه، معربا عن أمله في أن لا ينتقل المشروع من مجرد تصريحات إلى شكله العملي وأن تكون المشاريع التي تتضمنه ذات فائدة مشتركة وموحدة وقابلة للتجسيد· وينتظر أن تتناول المحادثات المكثفة التي ستجمع القادة السياسيين الجزائريين والفرنسيين خلال هذه الزيارة التي تدوم من 3 إلى 5 ديسمبر الجاري، ملف تسهيل تنقل الأفراد بين البلدين، وملف الهجرة غير الشرعية وذلك من ضمن جملة من الملفات التي تهدف إلى دعم التعاون وترقية الشراكة إلى مستوى أفضل بين البلدين· وتفيد مؤسسات متخصصة أن المبادلات الفرنسية الجزائرية بلغت سنة 2006 نحو 8,1 مليار أورو· وقد حققت الاستثمارات الفرنسية بالجزائر خارج المحروقات ارتفاعا في 2006 لتبلغ 294 مليون دولار، وذلك من مجموع استثمارات مقدرة بنحو 2,1 مليار دولار· وتمثل المحروقات 95 بالمائة من الواردات الفرنسية من الجزائر والتي بلغت أكثر من 4 ملايير أورو في 2006 · كما تعتبر الجزائر ثالث مزود للغاز لفرنسا بعد النرويج وهولندا وتأتي بعدها روسيا، وقد زودت الجزائر في 2005 فرنسا بما نسبته 16 بالمائة من إمدادات الغاز الطبيعي و6 بالمائة من إمداداتها النفطية، في حين يوفر 250 فرعا لمؤسسات فرنسية في الجزائر، 22 ألف منصب شغل مباشر و100 ألف منصب غير مباشر·