انتقل إلى رحمة الله على الساعة الخامسة من فجر أمس الثلاثاء، الملحن وقائد الجوق المعروف الأستاذ تيسير عقلة، إثر عملية جراحية أجريت له في العاصمة البلجيكية بروكسل التي يقيم بها منذ مدة، بعد أن أمضى في الجزائر ما يقارب الأربعين سنة من الإبداع الفني، لتنطفئ شمعته عن عمر ناهز السابعة والسبعين سنة. الراحل عقلة، سوري الجنسية، وواحد من رواد الموسيقى العربية يعتبر من المساهمين في تأسيس الأغنية الجزائرية العصرية بعد الاستقلال، واقترن اسمه مع أكبر نجوم الغناء، منها الراحلة نادية كرباش وصليحة الصغيرة، وكان قائدا لأوركسترا الإذاعة والتلفزيون الجزائرية. لحّن عدة أغاني وطنية خالدة، أشهرها أغنية "أنا الجزائر" و«يا ثورة الأحرار" التي أدتها الراحلة صليحة الصغيرة والتي لحنها لها في نهاية الستينات في ظرف قياسي وبارتجالية، لكنها ظلّت عالقة بتراثنا الوطني الثوري ولا تزال تردّد إلى اليوم. كما أدى الراحل بعض الأغاني في بداية مشواره الفني، لكنه سرعان ما تحوّل وتفرّغ للتلحين. استقر تيسير عقلة في الجزائر منذ ستينيات القرن الماضي، عندما جاء بكثير من الحب والتعلّق بالثورة الجزائرية، وتزوّج في الجزائر من الفنانة الراحلة نادية كارباش ابنة وطنه سوريا، عاشت في الخمسينات بباريس وبعد التقائها بالملحن الراحل ميسوم عمراوي قرّرت الدخول إلى الجزائر، إلى أن توفيت على أرضها في فيفري 2010. أنجب تيسير منها ثلاثة أبناء منهم كريمته الفنانة سماح عقلة وهي مطربة لها اسمها في الساحة الغنائية الجزائرية، ساهم الراحل في أن تتربّع الراحلة نادية رفقة الفنانات سلوى ونورة على عرش الأغنية الجزائرية، ومن ضمن ما قدّم لها "أنت لعبت لعبة" وهي من كلمات الراحل الحبيب حشلاف. ظلّ الراحل تيسير رمزا للموسيقى الملتزمة، اشتهر بتلحينه لأغلب الأناشيد الوطنية في سبعينيات القرن الماضي وصديقا للفنانين الجزائريين، قدّم أعمالا تصنف في خانة الروائع، كما اهتم بالطفولة وقدّم لها بعض المساهمات. على إثر الوفاة، تقدّم الكثير من الفنانين والمثقفين بتعازيهم وشهدوا للراحل بخصاله الحميدة، وكان منهم الشاعر الكبير سليمان جوادي الذي قال "عقلة من الذين شجعوني على الكتابة للأغنية، وقد لحّن لي في بداياتي الكثير من الأغاني والأناشيد الوطنية"، أما الأستاذ محي الدين عميمور، فقد اعتبر الرجل نعمة على الموسيقى الجزائرية في مرحلة ما بعد الاستقلال، ويضيف "شاكسته كثيرا في انطباعاتي، لكنه تقبل النقد بصدر رحب". كما كتب الموسيقار كمال معاطي على موقعه "وضع الراحل بصماته على الأغنية الجزائرية العصرية". للإشارة، فقد ظل الراحل متواضعا مبتعدا عن الأضواء، يعمل في صمت، وقد كان خبيرا بكل الطبوع الجزائرية التي مكنته من أن يترسخ في الذاكرة الفنية الجزائرية.