سارت جلسة مناقشة مشروع قانون المالية بمجلس الأمة في اتجاه واحد، حيث حظي المشروع بتثمين غالبية الأعضاء المتدخلين الذين أبرزوا أهمية التدابير المتضمنة في هذا النص في مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، غير أن ذلك لم يمنع بعضهم من تقديم اقتراحات تصب في مجملها حول الضرورة الماسة لتشديد الرقابة الاقتصادية والتجارية وتعزيز تدابير ترشيد النفقات العمومية من خلال تعميم الإجراء المرتبط بتخفيض أجور إطارات الدولة وإشراك أفراد الجالية الوطنية في المهجر في تدعيم موارد الدولة، فضلا عن تقليص عدد التمثيليات الدبلوماسية في الخارج، تعزيزا للتضامن مع الشعب في هذه المرحلة العصيبة. وسعى العديد من أعضاء الغرفة البرلمانية الأولى في تدخلاتهم خلال الجلسة الأولى المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2017، إلى تهوين الخطاب التشاؤمي الذي تسوقه أحزاب المعارضة السياسية بخصوص هذا النص، حيث اعتبر بعضهم «لغة التخويف التي تبنتها هذه الأطراف لا مبرر لها سوى أنها تدخل في إطار الحملة الانتخابية المسبقة». وفضلا عن مواقف التثمين التي حملتها تدخلات معظم أعضاء المجلس الممثلين في غالبيتهم لحزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وكذا كتلة الثلث الرئاسي، ولاسيما تلك المتصلة باحتفاظ الحكومة بالدعم الاجتماعي الموجه للفئات الهشة في المجتمع، إلا أن مداخلات «السيناتورات» لم تخل من بعض الانتقادات الموجهة للسلطات العمومية ولبعض القطاعات الوزارية وكذا الاقتراحات التي تدعو إلى التجسيد الفعلي للدعم الانتقائي وترشيد النفقات العمومية ومكافحة التبذير. في هذا الإطار، أعاب عضو مجلس الأمة، الممثل لحزب الأفلان عبد الوهاب بن زعيم، كافة المصالح والمديريات التابعة لوزارة المالية، التأخر في تعميم مسار العصرنة واستعمال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، مقارنة بالقطاعات الأخرى، وذلك بالرغم من العلاقة الوطيدة والمباشرة لهذه المصالح كالضرائب والجمارك وأملاك الدولة، بجهود ترقية الاستثمار وتأطير النشاط الاقتصادي بشكل عام. السيناتور عن الثلث الرئاسي أحمد بن زيان، الذي دعا من جهته إلى عدم الانسياق وراء خطاب المعارضة السياسية التي رسمت حسبه واقعا أسود لحياة الجزائريين بعد تطبيق قانون المالية 2017، حذر في الوقت نفسه من تحميل الطبقة الهشة في المجتمع تبعات سياسة ترشيد النفقات وتنويع الموارد المالية عبر الرفع في بعض الرسوم، وطالب بضرورة تسريع تطبيق الدعم الانتقائي لتستفيد منه هذه الطبقة الهشة دون غيرها، وهو المطلب الذي تكرر في مداخلات غالبية أعضاء المجلس الذين دعوا اللجنة القطاعية التي تم إنشاؤها لإجراء جرد وإحصاء لهذه الفئة إلى تسريع وتيرة عملها. وفي جين شدد بعض المتدخلين على غرار بلقاسم قارة على ضرورة المتابعة الصارمة لتحصيل الضرائب ومكافحة الغش الضريبي بكل أنواعه، اقترح السيناتور مدني حود مويسة، تعميم الإجراء المتعلق بخصم نسبة من أجور الإطارات السامية للدولة، تعزيزا للتضامن الوطني مع الشعب خلال هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الوطني. كما دعا في نفس السياق إلى فرض إسهام الجالية الجزائرية في الخارج في تمويل الخزينة العمومية، مثلما هو معمول به في مختلف الدول، مع إعادة النظر في خارطة التمثيليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج والإبقاء على الحد الأدنى المطلوب منها، فضلا عن إخراجها من قوقعة العمل الدبلوماسي إلى المهام الاقتصادية التي تخدم مصالح البلاد. وعلى عكس الخطاب المثمن للمشروع الذي تبناه غالبية أعضاء المجلس، انتقد السيناتور الممثل لحزب جبهة القوى الاشتراكية، موسى تمدار تازة، التدابير التي تضمنها مشروع قانون المالية لسنة 2017، واعتبره مشابها لقانون المالية لسنة 2016، فيما يتعلق بالزيادات التي تضمنها وما سيترتب عنها من ارتفاع في الأسعار، ستؤثر حسبه، بشكل سلبي على القدرة الشرائية للمواطن وتؤدي في نفس الوقت إلى ارتفاع مستوى التضخم، مستبعدا نجاح التدابير المرتبطة برفع الرسوم في ظل تنامي ظاهرة الغش في عمليات الفوترة. ودعا المتحدث الحكومة إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية معمّقة، تأخذ بعين الاعتبار مراقبة النشاط الاقتصادي ومكافحة القطاع الموازي بمقاربة اقتصادية تسمح بالاستفادة الفعلية من هذا القطاع. بدوره، اغتنم السيناتور عباس بوعمامة الممثل للأرندي عن ولاية إليزي، مداخلته حول مشروع قانون المالية، ليعرب عن استياء سكان ولايته من قرار تجميد منح السجلات التجارية بالمناطق الحدودية، داعيا إلى رفع هذا التجميد، وكذا إعادة بعث المشاريع التنموية التي تم تجميدها بولايته. وزير المالية: المشروع يحافظ على التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني ودافع وزير المالية حاجي بابا عمي خلال عرضه لمشروع قانون المالية 2017 أمام أعضاء مجلس الأمة عن الخيارات التي اتبعتها الحكومة في إطار هذا النص، والتي تهدف حسبه إلى المحافظة على التوازنات الكبرى للاقتصاد الوطني من خلال التدابير الجبائية والميزانياتية الرامية إلى ترشيد النفقات، ومواصلة جهود الدولة لتشجيع الاستثمار وتنويع الاقتصاد الوطني عبر تدعيم النسيج الصناعي. وقدم الوزير بالمناسبة أهم الإجراءات التشريعية والجبائية التي تضمنها النص، مشيرا إلى أن هذا الأخير الذي يأتي في ظرف اقتصادي صعب تمر به البلاد، يستهدف تنويع الموارد ومرافقة التحول الاقتصادي المسطر في إطار النموذج الجديد للنمو الممتد إلى سنة 2019، مع الحفاظ على الدعم الاجتماعي للدولة للفئات المعوزة.