هي أول امرأة تقتحم مجال السمعي البصري، وتُوّفق للعمل في التلفزيون في سنوات لم يكن سهلا على أي جزائرية اقتحامه، والتربع على عرش التقديم التلفزيوني في وجود مذيعات فرنسيات حاملات لأعلى الشهادات، متكونات في مجال تخصصهن كإعلاميات، إرادة فولاذية وتحد كبير جعلاها تقبل على التعلم من جديد، والإصغاء إلى نصائح، وتوجيهات من هم أوفر منها علما، وأوسع خبرة، وتبصرا··· إطلاعها الدائم أثرى ثقافتها وطور معالم إدراكها، وحسّن لغة تعبيرها، فباتت أكثر طلاقة وفصاحة، حوارنا هذه المرة هو مع شخصية عصامية بارزة، وإعلامية رائدة محنكة، كانت أحد وجوه التلفزيون البارزة·· التي اختفت منذ مدة·· إنها السيدة آمنة بلوزداد· - هل بالإمكان التسلل لأدق تفاصيل حياة السيدة آمنة بلوزداد؟ * ولدت في بلوزداد (بلكور)، نشأت في أسرة جد محافظة، ميسورة الحال، حظيت بتربية حميدة من طرف الوالد رحمه الله والوالدة التي كانت تتميز بشخصية قوية رغم أنها لم تكن متعلمة، حيث ربّتنا على أن نصبح أمهات صالحات، أنا الإبنة الرابعة ترتيبا ضمن خمسة إخوة (ثلاث بنات وذكران)، عندما كبرت شاء القدر أن أرتبط برجل بسيط (عامل بالبريد)، هو إبن عم الشهيد (محمد بلوزداد) أنجبت معه ثلاثة أطفال (ذكور)، ولأجل تعليمهم اضطررت للخروج باحثة عن عمل·· ووجدت ظالتي في التلفزيون· - من ربّة بيت عادية إلى مقدمة برامج تلفزيونية!؟ هل كنت تتوقعين حدوث تلك النقلة في تلك الفترة التي لم يكن قطعا سهلا على أي جزائرية أن تصبح إعلامية؟ * لا أخفيك أنني لم أتوقع أبدا العمل في التلفزيون، فصراحة لم تكن لدي أية فكرة عن العمل في قطاع السمعي البصري، هذا إلى جانب أني لم أكن أملك لا مذياع ولا جهاز تلفزيون يعطيني نظرة عما يبث، ومستواي التعليمي كان أقل من المتوسط، حيث تعلمت في المدرسة الفرنسية، وكنت ضعيفة باللغة العربية رغم دخولي مدرسة الشبيبة الكائنة ببلوزداد التي حرص الوالد على أن أتعلم فيها أسس اللغة العربية، منها القواعد، وكنا نلقن القرآن الكريم، ولحسن حظي أني وجدت حين عُينت بالتلفزيون زملاء أعزاء ساعدوني كثيرا وأنا مدينة لهم، وأذكر من باب الإعتراف "عبد القادر الهواري"، "أحمد تدلاوي"، "عثمان عامر"، والمرحوم "باب عمار" و "نصر الدين العاصمي"، كل هؤلاء لهم الفضل في تدرّيبي على القراءة والإلقاء من خلال تزويدي بنصائح وتوجيهات أفادتني كثيرا في مشواري المهني الذي كانت بدايته صعبة نظرا لكوني أتقن اللغة الفرنسية أكثر·· وأجد صعوبة في ترجمة النص الى العربية الذي كثيرا ما كان يفقد روحه الأصلية، لكن شيئا فشيئا تحسنت الأمور··· بتحسن المستوى··· وطبعا كانت فترة حلوة وصعبة بالنسبة لي شخصيا، حيث كنت المرأة الجزائرية الوحيدة في ذلك العهد، وتحديدا في (1958) التي تظهر كمذيعة على الشاشة· - منذ شهرين احتفلت الإذاعة والتلفزيون بذكرى استرجاع هذين الجهازين، لاشك أنك سيدتي ممن عايش الحدث، حدثينا عن وقعه في نفسيتك؟ * إنه لحدث عظيم، فلم يكن يعقل الإحتفال بالفاتح من نوفمبر والإذاعة والتلفزيون تحت سيطرة الإستعمار؟! لذا قرّر يومها عمال الإذاعة والتلفزيون استرجاع هذين القطاعين ورفع العلم على مبنى المؤسسة عاليا، وطبعا ما كان على فرنسا إلا الإذعان لهذا الحق المشروع، فلن أنسى أبدا ذلك اليوم الذي ولأول مرة أقابل فيه الجمهور الجزائري بلهفة وشرف واعتزاز وأحييه بما يلي: سيداتي·· آنساتي·· سادتي··· تلفزيون الجمهورية الجزائرية الديمقراطية يحييكم، ويقدم لكم البرنامج التالي، يا لها من لحظات سارة ومؤثرة عشتها يومها بفضل رجال ذوي عزيمة وإرادة، وأوجه بالمناسبة تحية شكر وعرفان للسيد عبد الرحمان تيباري الذي أمد التلفزيون بالكثير·· وضحّى بالكثير أيضا لأجل إرضاء المشاهد الكريم··· - ما هي النصيحة التي يمكن أن تسديها إعلامية قديرة لها وزنها كآمنة بلوزداد للإعلاميين الشباب ليكونوا خير خلف لخير سلف؟ * صراحة أنا فخورة جدا بالإعلاميين الشباب الذين تمكنوا فعلا من الوصول لأبعد الحدود، والدليل هو الكمّ الهائل من الصحفيين الجزائريين الذين وجدوا مكانتهم في فضائيات عربية وأجنبية لها وزنها، لكن مع هذا أنصح كل هؤلاء الشباب وخاصة المتخرجين من معهد الإعلام حديثا، أو من معاهد أخرى بالمطالعة وكسب ثقافة واسعة·· فلا معنى للشهادة ولا فائدة إذا انعدمت الثقافة، فمهم جدا خاصة بالنسبة للإعلامي الشاب أن يكون ملّما بالعلم والثقافة معا، وهناك نصيحة ثمينة تكمن في اجتناب الغرور، فأقول: إياكم وإياكم والغرور فهو مقبرة العظماء، ونصيحة أخرى تكون مسك الختام ألا و هي كونوا سفراء الجزائر عبر الصورة والكلمة، واعطوا أفضل ما تملكون لأجل إظهار الوطن دائما في القمة لأنه بالفعل قمة·· والجزائر عظيمة بعظمة أبنائها·