بالرغم من أنّ الدخول الأدبي في الجزائر كان محور اللقاء الذي دعت إليه المكتبة الوطنية الجزائرية أوّل أمس، إلاّ أنّه تشعّب فيما بعد ليصبح حديثا عن واقع النشر في الجزائر وعلاقة الناشرين بالإعلام وكذا حقيقة وجود 504 دور نشر في الجزائر، وهي مواضيع كثيرا ما طرحت لكنّها لم تجد الإجابات المقنعة وباتت من المواضيع المستهلكة التي ملّها الكثيرون، فتحوّل اللقاء إلى فضاء حاول من خلاله الناشرون إيجاد مبرّرات لم تعد تقنع أحدا. المكتبة الوطنية أرادت أن تكرّس من خلال إعلان الدخول الأدبي من منبرها تقليدا جديدا رأت أنّه من بين مهامها ولا أحد يحقّ له أن يلومها عليه، حيث أشار "أمين الزاوي" المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية إلى أنّها المرّة الأولى التي يتمّ فيها الحديث عن دخول أدبي في الجزائر وهو بمثابة خطوة للأمام للتفكير في تسويق وتداول الكتاب، وقال "فخر للمكتبة الوطنية أن تبدأ هذا التقليد، وأتمنى أن يستمر ويتوسّع هذا الاحتفال". الزاوي استأنف تدخّله بالإشارة إلى أنّ مصالح الإيداع القانوني رصدت 563 عنوانا جديدا عام 2008 من بينها 200 عنوان أدبي، واعتبر هذا الرقم مؤشّرا إيجابيا ودخول أدبي بهذا العدد من الإصدارات حالة لابدّ من دعمها لتحقيق إقلاع لصناعة الكتاب وتداوله، داعيا إلى الاستثمار في الأسماء الأدبية الجزائرية الموجودة في الشرق والغرب من أمثال آسيا جبار، أحلام مستغانمي، فضيلة الفاروق وياسمينة خضرة وقال: "كان الأجدر بهذه الأسماء أن تحتفي بالدخول الأدبي معنا في الجزائر". صاحب "وليمة الأكاذيب" أكّد في سياق حديثه أنّ الدخول الأدبي هو من يصنع القارئ الثابت في الجزائر وليس قارئ الصدفة وقال "متأكّد أنّه إذا جمعنا طيورنا المهاجرة، مع تنظيم بسيط وعمل مشترك مع مختلف المهتمين يمكن خلق دخول أدبي جاد". وأوضح مدير دار النشر "ألفا" السيد لزهاري لبتر من جهته أنّه لا وجود لدخول أدبي في الجزائر لعدة أسباب أهمّها عدم وجود صناعة حقيقية وجادة للكتاب، انعدام نظرة مستقبلية واضحة لدور وأهمية الكتاب، مضيفا أنّ صالون الجزائر الدولي للكتاب بالرغم من أهميته إلاّ أنّه لا يمكن اعتباره دخولا أدبيا، كما أعرب عن أمله في أن يحتل الكتاب الأدبي مكانة كبيرة في إنتاج الكتب وأن تنشأ جوائز أدبية أخرى لتشجيع المؤلفين والتعريف بهم. مدير "ألفا" أكّد عدم معرفته بعدد دورالنشر في الجزائر قبل أن ينقذه الزاوي برقم 504 دور، ليواصل حديثه بالتشديد على أنّ عدد دور النشر الجادة والمحترفة لا تتعدى أصابع اليدين والباقي لا تعدو مؤسّسات بسجلات تجارية لا غير، ليعرّج على نوعية القرّاء في الجزائر وقال بأنّ الجيل الجديد من الشباب الجزائري لا يقرأ ومن وجد من يقرأ فعددهم قليل للغاية مقارنة مع جيل الاستقلال والجيل الذي أتى بعده. وبعد أن نوّه بخطوة المكتبة الوطنية الجزائرية، تساءل الروائي بشير مفتي عن مشروعية طرح موضوع الدخول الأدبي في الجزائر، مردفا القول بأنّه حلم كلّ المبدعين الجزائريين والمهتمين بالمشهد الأدبي والثقافي على العموم، وأشار مفتي إلى أنّ هذا الحلم على الجهات الرسمية أن تجسّده من خلال مبادرات جادة، وقال "الرسمي مهمّته التأسيس لتقاليد ثقافية وأدبية على غرار الجوائز" معيبا عدم وجود جوائز أدبية مهمّة في الساحة الثقافية الجزائرية. بشير مفتي وهو يعبّر عن رأيه، أوضح أنّه للتأسيس لدخول أدبي لا بدّ من العودة إلى القاعدة الأساسية وهي المقروئية، وتساءل "لماذا لا نطبع أكثر من ألف نسخة عن العنوان الواحد"، ليختم بإبداء أسفه عن الوضع الثقافي الوطني غير المنظّم، داعيا الجهات الرسمية للاعتناء أكثر بالشأن الثقافي، مطالبا المثقفين الذين استقالوا وتركوا أماكنهم للطفيليين العودة وتأكيد تطلّعهم لجزائر أكثر احتراما للتعددية بمعناها الثقافي.