أنشئت مؤسسة بوداود للنشر والتوزيع مع بداية الستينيات وبالضبط بعد عام من حصولنا على السيادة الوطنية 1963 - وبذلك كانت أول دار نشر في الجزائر تعنى وتهتم بنشر الكتب باللغة العربية، وما زاد في عراقة هذه الدار كون مؤسسها الشيخ المرحوم بوداود عبد القادر أحد خريجي جامعة الأزهر في تلك المرحلة. وقد عرف بنهمه للعلوم وحبه الكبير لنشر المعرفة عبر الكتب ما دفعه مباشرة بعد استكماله مشواره العلمي لإنشاء دار نشر مختصة في طباعة ونشر كتاب اللغة العربية. والهدف الاساسي من ذلك كما افادنا ابن مؤسسها يتمثل في الحفاظ عليها بصفتها لغة القرآن والمساهمة في نفض الغبار الذي اعتلاها ردحا من الزمن ونشرها في أوساط القراء الجزائريين، وتمكنت هذه الدار من قطع أشواط هامة في حقل النشر، ومازالت تواصل مهامها النبيلة تحت إشراف ابن الشيخ الذي رحل سنة 1986 حيث آثر عالم الكتاب على المحاماة التي تخصص فيها وبذل قصارى جهده للمحافظة على هذا الإرث الثقافي بمعية إخوته وتمكن من جعلها قطبا معرفيا بفروع موزعة على اغلب ولايات الوطن. ولمعرفة المزيد عن هذه المؤسسة النشيطة كانت لنا جلسة حوار مع صاحبها محمد بوداود، وهو أحد الفاعلين في اتحاد الناشرين الجزائريين الذي اطلعنا على اهم محطات ومنجزات هذه الدار وكذا عن حركة النشر في الجزائر.. 45 سنة هو عمر مسيرة مؤسسة بوداود في ميدان النشر والتوزيع ماذا حققت الدار خلال هذه الفترة؟ - الحمد لله لقد استطاعت المؤسسة منذ إنشائها نشر أمهات الكتب باللغة العربية وعملت على استعادة الذات العربية إلى نفسية الجزائري، وواكبت المسيرة الثقافية في مراحلها الثلاث التي مرت بها الجزائر وهي مرحلة الاستقلال وهي الفترة العصيبة التي عاشها الشعب الجزائري وتتمثل في ارتفاع نسبة الأمية بصفة ملفتة للنظر ومرعبة في نفس الوقت، لكن رغم ذلك أغلب الجزائريين الذين يتمتعون بمستوى معين من الثقافة تجدهم عاكفون على قراءة الجرائد أو روايات أو أي شيء يقرأ خاصة باللغة الفرنسية، أما المرحلة الثانية وبدأت مع بداية الثمانينيات وبالضبط سنة 1981 حيث حصلت القطيعة بين الجيل السابق والجيل اللاحق، وخلال هذه الفترة بدأت اللغة العربية تأخذ مجراها الطبيعي وانتشر الكتاب الديني بسرعة فائقة واستمر الوضع على حاله إلى غاية 1999 ، ومع حلول الألفية الثالثة بدأنا نلاحظ عودة الحياة الثقافية بصفة تدريجية إلى الساحة الفكرية الجزائرية وظهرت كتب تثقيفية ولو بشكل طفيف وعادت الحياة الثقافية لا نقل كليا إنما بصورة جزئية. ما هي الكتب التي تقوم المؤسسة بنشرها؟ - بعد تسلمي مهام المكتبة سنة 86 كما أشرت سابقا ونظرا لضيق حال حركة الكتب في الجزائر، فقد عكفت على تكثيف عمليات نشر الكتب في مختلف الاختصاصات والفروع منها العلمية والتربوية والبحثية والقانون والكتب الدينية وشبه المدرسية وكذا كتب فنون الطهي والطبخ، أما في عهد الوالد فكل الكتب التي نشرتها الدار كانت من أصل أمهات الكتب العلمية في مختلف التخصصات والفروع وباللغة العربية مما جعلها تحتل الصدارة في عالم الكتاب في الجزائر. على ذكر الكتب شبه المدرسية لماذا نرى أغلب دور نشر في الآونة الأخيرة تعمد إلى إنتاج مثل هذه الكتب على حساب العناوين الأخرى؟ - صحيح لقد أصبح الناشر الجزائري يتهافت على نشر وتوزيع الكتب شبه المدرسية وهذا ناتج عن غياب ثقافة صناعة الكتاب في الجزائر ولأسباب تجارية وأيضا نظرا للرواج الكبير المتولد عن الحاجة الملحة التي يتطلبها السوق لمثل هذه الكتب، وعليه يسعى أغلب الناشرين في الجزائر إلى نشر وتوزيع مثل هذه الكتب إلى جانب كتب الطبخ، أما بقية الكتب فأغلبها مستورد من البلدان العربية خاصة مصر ولبنان وسوريا. هناك إشكالية فادحة لاحظناها عند تصفحنا لبعض الكتب خاصة تلك المتعلقة بشبه المدرسية وتتمثل في أخطاء لغوية نحوية وحتى في حلول التمارينات الرياضية والفيزيائية وغيرها؟ - في الدول المتقدمة التي لها باع طويل في ميدان النشر،نجد أصحابها يتوفرون على قدر كاف من الشهادات والمؤهلات العلمية الكبيرة، فمنهم أساتذة وأدباء ودكاترة، لكن عندنا في الجزائر وحتى في بعض دول عربية اخرى نجد الامر مختلفا فكل من هب ودب بإمكانه فتح دار نشر والتعامل مع الكتاب والمعرفة كأصحاب الاختصاص ولا ضير ان كان صاحب الدار غير مؤهل لاستيعاب محتوى الكتاب الذي هو بصدد نشره، والربحية هنا هي الهاجس الأساسي الذي يحرك عملية نشر وتوزيع الكتب، مما يؤدي أحيانا إلى التشكك في نشر توزيع بعض العناوين وذلك يسبب لنا خسارة إذن فقبولنا لكتب ضعيفة التداول في السوق هي ضرب من المغامرة ونتائجها الوخيمة يتحملها الناشر لوحده ولا يتقاسمها مع أحد، مع أن صناعة الكتاب كما كان يردد والدي ''يلزمها صبر أيوب ومال قارون'' لذلك يجب على الناشر ألا يدخل قرشا واحدا في سبيل إخراج الكتاب في طبعة جيدة، وفي بعض الأحيان تتدارك تلك الأخطاء بتعدد الطبعات، إضافة إلى هذا كله فالكاتب أوالأستاذ حين يقدم عمله يؤكد للناشر أنه لا يحتوي على الأخطاء وأنه منقح ومضبوط اللغة. ألا توجد لجنة خاصة لهذا الغرض؟ - للأسف الشديد دور النشر الجزائرية تفتقر إلى مثل هذه اللجان، وفيما يتعلق بالمؤسسة فهي تغطي العجز بتشكيل لجنة تابعة لها تتكون من أساتذة ودكاترة في اختصاصات مختلفة حتى لا تقع في مطبات تعود عليها بالسلب وتفقد مصداقيتها في السوق، لأن الأستاذ حين يتقدم إلى دار نشر ويسلم مؤلفاته مرفقة بإمضاء منه يؤكد فيه أن الكتاب لا يتضمن أخطاء من أي نوع نحوي أو تركيبي أو لغوي، وأمام انعدام وجود أكاديمية أو على الأقل لجنة القراءة على مستوى كل دار نشر يجب على الناشر خلق لجنة خاصة به حتى يتدارك الإشكالية. هذا يعني أن الناشر لا يهتم بمحتوى الكتاب بقدر ما يفكر في هامش الربح؟ - دعيني أوضح لك هذه الفكرة، كل واحد منا يسعى إلى كسب قوت يومه ولا ننسى أن من يمارس النشاط التجاري تتعقبه دوما هيئة الضرائب التي تطالبه دوما بدفع مستحقات الدولة، ونحن إن لم نتأكد من السير الحسن للكتاب في قنوات معينة لا نغامر بطبعه، أنا مثلا سبق وأن طبعت كتبا في العلوم السياسية وفي التاريخ وكتاب عن المولودية كنت أحسب أنها ستقيم الدنيا وتقعدها وإذا بها تنتكس انتكاسة غير متوقعة، وفي بعض الأحيان العنوان يفرض نفسه خاصة إذا كان صاحبه ذا صيت عال ومعروف في الساحة الأدبية مثل ياسمينة خضرة وأحلام مستغانمي فبمجرد أن يصدر لهم عمل مهما كان تجد القراء يتسابقون إليه وينفد من على رفوف المكتبات، أقول وأعيد الكتاب يبيع نفسه بنفسه في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى ننتظر لشهور أو ربما لسنة ثم تباع تلك الكتب الراكدة في المخازن ليس لردآنفا فشئنا أم أبينا فهو لا يتعدى 20 بالمائة حتى نتقاسم تسعيرة الكتاب مع القارئ الذي يشكو في أوقات كثيرة من غلاء الكتب في الجزائر، ونحن بطبيعة الحال نسعى بكل قوانا إلى توفير الكتاب بسعر معقول مسايرة للقدرة الشرائية للقارئ.