طالب الباحث في الأدب الشعبي عبد الحميد بورايو، بتأسيس أرشيف للثقافة الشعبية، وهو ما تفتقره الجزائر، مضيفا أن الدولة تجاهلت هذا الموروث بعد الاستقلال ولم تبرمجه في المناهج التعليمية ولا حتى في الأنشطة الثقافية على مستوى المدارس، وهو ما اعتبره الباحث خطأ كبيرا. نزل الباحث الدكتور بورايو أمس، ضيفا على نادي أمحمد بن قطاف بالمسرح الوطني الجزائري، وقدّم مداخلة تحت عنوان: «الشعر الملحون: من الغزل الوجداني إلى الدعوة للمقاومة»، أكد فيها وجود قطيعة بين المواطن الجزائري والتراث الشعبي بفعل قلة أو حتى عدم اهتمام الدولة بهذا الموروث الشعبي غداة الاستقلال، سواء الموروث بالعامية الجزائرية أو حتى باللغة الأمازيغية، مضيفا أن تأسيس أرشيف لهذه الثقافة الشعبية، أمر في غاية الضرورة خاصة ونحن نعيش عصر العولمة. وأضاف الباحث أن الصراع اللغوي على مستوى الطبقة المثقفة الجزائرية المنحصر بين المدافعين عن اللغة العربية والمتأثرين بروح جمعية العلماء المسلمين من جهة والفرنكفونيين من جهة أخرى، تم على هامش الاهتمام بالتراث الشعبي، علاوة على تغير محيط الفرد الجزائري، الذي كان في فترة الاستعمار متأثرا بمحيطه المشكَّل من المنطقة التي يقيم فيها، وكذا كل ما يدور حولها مثل الأسواق الشعبية وأجوائها، ليجد نفسه بعد الاستقلال منحصرا بين البيت والمدرسة، مما أبعده كثيرا عن الموروث الذي طالما تغذى به. كما أشار الباحث إلى تجاهل التراث من طرف السلطات، معتبرا أن تنامي البعد القومي الإسلامي في فترة الاحتلال، كان مفهوما، ولكن تجاهل التراث بعد الاستقلال خطأ كبير، حيث لم تدمجه في المناهج التعليمية، واعتمدت على الأدب المشرقي الذي طعّمته لاحقا ببعض النصوص الجزائرية. كما لم تعتمد على تدريسه في الجامعات، حتى إنها أقصته في جانب النشاطات التعليمية على مستوى المدارس، وهو ما أفشلها؛ باعتبار أن نجاحها يعتمد على الموروث واستعمالها اللهجات المحلية. وفي هذا السياق، طالب الباحث بضرورة تكييف مقوماتنا وموروثنا الثقافي حسب متطلبات العصر، وهو ما يمكن تحقيقه؛ إذ من الواجب الاحتفاظ بروحنا وهويتنا واستغلال كل ما هو معاصر خاصة من ناحية التكنولوجيات، مشيرا إلى أن الدولة أقصت علوما كانت تحمل صبغة استعمارية مثل الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا رغم أنه كان بالإمكان إلباسها حلة جزائرية محضة. واعتبر الباحث أن اهتمام المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ والإنسان والتاريخ وكذا مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بالثقافة الشعبية، أمر مهم لكن غير كاف حسب المتحدث؛ باعتبار أنه يتطلب بحوثا ميدانية معمقة، بدورها تحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة، ليضيف أن غياب هذا الأرشيف لا يمكننا من الاطلاع على تراثنا في الشعر الملحون والأمثال والقصص الشعبية أيضا. ومثّل الباحث بالفنانة التشكيلية باية التي انطلقت شهرتها من خلال اهتمامها بالرموز الشعبية، ليدعو إلى اهتمام كل الفنون بموروثنا الشعبي الثري، مضيفا أننا في عصر العولمة؛ حيث الكل يريد أن يحافظ على ثقافته المحلية ويحميها من الاندثار. بالمقابل، قال الدكتور إن المواطن الجزائري لم يعد بعد الاستقلال يهتم كثيرا بالموروث الشعبي الذي كان في الغالب يحمل روحا من الحزن والمأساة، بل أصبح يحبّذ القصص الطريفة والسعيدة، وهو ما قابله ممارسو هذا الفن بكل صدر رحب، حيث تحولت أعمالهم سواء القصائد أو القصص إلى ما يميل إليه المتلقي بدون التخلي عن المغزى الذي يصاحب نماذج من هذا الموروث. كما تطرق الباحث لعلاقة الملحون بالمسرح، ممثلا بالفنان الراحل كاكي، الذي تأثر كثيرا بالموروث الشعبي وكان يجالس شعراء الملحون في مقاهي بمستغانم ووهران، ليعكس ما سمعه في نصوصه المسرحية، مضيفا أن هذا الفنان قدّم مسرحية «قراب الصالحين» بتراكيب لغوية تعكس تأثر الفنان بالشعر الملحون، إضافة إلى اهتمامه بمسرح براخت من حيث موضوع العمل. كما قدّم مسرح العملة مؤخرا نفس المسرحية لكن بروح جديدة.