يعرف مجتمعنا الجزائري منذ الأزل صراعات متكررة حول ما تسببه الأعراف والتقاليد من مشاكل، وقد يخضع البعض لهذه التقاليد في حين قد يرفضها البعض الآخر، وهو ما يثير الجدل في أغلب الأحيان. ولعل أكثر الشرائح قهرا ومعاناة في مجتمعنا، هن النساء اللواتي إلى جانب جملة من الممنوعات التي يخضعن لها بمجرد ولادتهن، على اعتبار أنهن فتيات، فإنهن يواجهن بداية قيود الأب التي تكون أحيانا منبثقة عن الخوف عليهن، وأحيانا أخرى عن الجهل أو الرغبة في التسلط، لتنتقل بحكم الاحتكاك والرغبة في التقاليد إلى الأبناء الذكور، ونجدها كذلك عند الأزواج وكأن الأمر فطري يولد مع الجنس الخشن، والواقع اليوم يطرح العديد من هذه الصور التي ارتأينا أن نكشف جانبا منها، من منطلق أنها انتشرت بشكل لافت للانتباه في الآونة الأخيرة، وهو ما يعد تناقضا مع الإنجازات التي استطاعت المرأة الجزائرية تحقيقها، الأمر يتعلق هنا بعمل المرأة بعد إنهاء تعليمها، فبعد أن تم تجاوز فكرة تعليم الذكور دون الإناث وعرفت بذلك الفتاة نقلة نوعية، فتحت لها آفاقا كبيرة للتعليم في تخصصات مختلفة، تساعدها في فهم الحياة وتمكنها من تجاوز المشاكل التي قد تصادفها، ما يزال عمل المرأة يخضع لاعتبارات، بل ولمزاج محيطها الرجالي الذي وحده يحدد الممنوع من المسموح، وفي هذا الخصوص تحدثنا كريمة ذات ال 25 ربيعا قائلة » كنت منذ الاطوار الأولى في حياتي التعليمية تلميذة مجتهدة، أتطلع دائما إلى طلب المزيد من العلم حاملة بداخلي رغبة في انهاء تعليمي لدخول عالم الشغل من أبوابه الواسعة"، وبالفعل تضيف محدثتنا "تمكنت وبجدارة من دخول الجامعة وانهاء دراستي لأبدأ بذلك رحلة البحث عن عمل يتناسب مع شهادتي أي ليسانس في المالية، ومثل غيري لم أظفر بعمل في تخصصي ولكني تمكنت على الأقل من العمل كسكرتيرة في مكتب لمحام، وللعلم فأنا مخطوبة، وفي بادئ الامر لم يكن العمل مشكلا مطروحا، ولكن بعد فترة وجيزة بدأ خطيبي يعترض بشكل كبير على العمل إلى درجة أنه خيرني بينه وبين العلم«.. تسكت محدثتنا قليلا ثم تستطرد قائلة: » لقد استغل تمسكي الشديد به ورغبتي في الارتباط ليحرمني حلم حياتي في السعي لأكون سيدة مجتمع بارزة.. مبررا موقفه بأن التعليم جيد للبنت حتى تحسن تربية أطفالها فقط".. لتختم حديثها قائلة بأسف » لم يكن لدي حل سوى التوقف عن العمل والحسرة والغيظ يملآن قلبي«. ولأن الخطيب أو الزوج المستقبلي يعد في بعض الأحيان عقبة أمام رغبة المرأة في العمل، فهناك من عزفن عن الزواج حفاظا على عملهن، لأنهن يدركن أن العمل بالنسبة للمرأة بمثابة السلاح الذي تحمي به نفسها من مكر الرجل وغدر الزمن، وفي هذا الشأن تقول (ح. أ) 30 سنة : »أنا تعلمت و بالتالي لا أمكث في البيت للقيام بالأعمال المنزلية، فعمل البيت لا ينتهي وتلزم بأدائه المرأة العاملة وغير العاملة«. مضيفة » إن السبب الذي جعلني لا أتزوج الى غاية هذا السن، هو تسلط الرجل، إذ أن كل من تقدم لخطبتي يشترط علي عدم العمل"، وهذا، تؤكد محدثتنا "ما لا يمكن أن أوافق عليه حتى ولو لم أتزوج مطلقا«. والتناقض الذي قد تواجهنا به الحياة ولا نفهمه، ذلك الاعتراض الذي يفرضه - الوالد - وحول هذا الموضوع تقول ليلى 33 سنة »أتعجب كيف تسير بعض الامور، فقد كان والدي يحثنا على وجوب تحصيل العلم، ويوفر لنا كل ما نطلبه من لوازم مدرسية حتى نتعلم، كما كان يدفعنا دائما نحو الأمام في حال الفشل«.. ولكنها تشير قائلة » بعد أن انهيت دراستي، اذ تحصلت على شهادة ليسانس في الحقوق ورغبت في ممارسة مهنة المحاماة صدمني موقف والدي الرافض وبشدة لخروج المرأة الى العمل، وعندما بحثت عن السبب وراء حثنا على وجوب التعلم، قال إن العلم بمثابة السلاح الذي تخفيه المرأة وتحتفظ به إذا ما واجهها مشكل ما في المستقبل«.. وهو الجواب تقول ليلى: »الذي لم أقتنع به وحاولت التعبير عن رفضي لهذا الوضع، إلا أن موقفي لم يجد الآذان الصاغية، والآن أنا ماكثة بالبيت شأني في ذلك شأن أي فتاة أخرى لم تتعلم". وإذا كانت ليلى تمثل تلك الفتاة التي خضعت لتسلط وتشدد الأب، فهناك أخريات أعربن عن رفضهن بطريقة أخرى وهن عموما كثيرات، ومنهن آمال التي تقول "لشدة تعلقي ورغبتي في العمل، دخلت في اضراب عن الطعام حتى أقنع والدي بأن الفكرة التي يحملها خاطئة وأن العمل بالنسبة للمرأة التي ترغب فيه مثل الضرورة الحتمية«. وتؤكد »كل ما فعلته لم يثمر ولم يأت بنتيجة حتى نشب خلاف بين أختي وزوجها وعادت الى البيت، فكان رجوعها بمثابة الصفعة التي أيقظت والدي من الأفكار التي كان يعيش فيها، وأدرك أن العمل بالنسبة للفتاة حتى ولو لم تكن متعلمة يحميها من قسوة و"حقرة" الرجل في بعض الاحيان، قد يكون حافزا لاحتفاظ الرجل بالمرأة حتى يتقاسما تكاليف الحياة التي أصبحت كثيرة«.