للنقال بالطبع إيجابيات خاصة للذين لديهم موديل (الموبايل الكاميرا)، كأن تكون هناك صور تمكن من تسجيل الذكريات الجميلة مثل الولادة والأعراس والحفلات وإرسالها إلى الأحباب أو الأقارب الذين لم يتمكنوا من حضور الحفل لكونهم كانوا خارج الوطن. ويمكن الاستفادة من هذا النوع من (الموبايل) من قبل الصحفيين الذين يمكنهم التقاط صور مثيرة، والمراسلين الذين بإمكانهم إرسال مقالاتهم مصحوبة بصور الحدث. والشيء نفسه بالنسبة للصحفيين المعتمدين لدى الدول في بعض الفضائيات المرئية التي يمثلون عملها في بلدان بعيدة. وربما كانت بعض الصور التي تبث من قبل المراسل الصحفي فيها سبق صحفي. ياسمين مرزوق بالرغم أن للنقال الجانب الإيجابي ويعد من بين بعض المخترعات ''التكنولوجية''المحببة والمرحب بها بالنظر إلى اختصار المدة الزمنية والمسافة، بالإضافة إلى عدة جوانب أخرى، إلا أن للنقال أيضا جانبه السلبي الذي يهدد الأعراف الاجتماعية والتقاليد الحضارية، مما جعل الآن الجزائر كبلد إسلامي بين نارين: أولهما ضرورة مجاراة تطورات العصر، ومحاربة سيئات النقال التي تسعى لتخريب النفوس. وبقدر ما نشرت أخبار عن آخر الإبداعات والاختراعات التكنولوجية من النقال لعدة علامات عالمية تنافست وتسابقت على إضفاء آخر الإبداعات على الجوال، نشرت أيضا أخبار حول المساس بأخلاقيات المجتمعات الحضارية وسلب روحانياتها، مما جعل البعض يصف استعمال الهاتف الجوال ب(مرحلة الخطر) خاصة عندما نلاحظ أجهزة الهاتف الجوال من النوع الجديد الذي يضم آلة تصوير وتركب عليه كاميرا تكشف جوانب شخصية للإنسان وتنقل مشاهد تخدش الحياء وتسبب (الحرج) الأخلاقي لبعض الأشخاص الذين يمارسون أشياء غير مرخصة في مجتمعنا. ال سحح والبلوتوث... نقمة أم نعمة؟ لا تقتصر سلبيات الهاتف الخلوي على هذا الجانب، بل كلما تعددت تكنولوجياته كثرت مساوئه. نذكر على سبيل المثال أن النقال الحديث الذي يتوفر على المميزات والخصائص المتطورة مثل سحح والبلوتوث وغيرها... يمكن أصحابه من تحويل الصور والمقاطع الصوتية والفيديوهات فيما بينهم. وقد أدت هذه الثورة التكنولوجية إلى انتشار مقاطع الفيديو، تارة مخلة بالحياء لما تحمل من مشاهد لفتيات مع عشاقهن أو رجال مع عشيقاتهم، وتارة مقاطع مضحكة تمس حتى بشخصيات سامية، وتارة خطابات غير محتشمة يسهر الشباب بمقاهي الإنترنت على بعثها أو نقلها من شبكة الإنترنت إلى عالم الهواتف. وانتشرت في الجزائر في السنوات الأخيرة مقاطع صوتية وبصرية مثيرة وغريبة، وفي الوقت نفسه يصعب على مجتمعنا أن يتقبلها بالرغم من أنها تنتشر بشكل مثير للانتباه في النت والهواتف عبر ولايات الوطن. فمثلا انتشر مقطع فيديو لصورة فتاة تدرس بإحدى ثانويات العاصمة في مشهد مخل بالحياء.. هذا المقطع وصل إلى أبعد المناطق والأكثر عزلة. كما انتشرت سكيتشات مضحكة بها كثير من الكلام المخل بالحياء، آخرها سكيتشات يؤديه شاب قبائلي يدور حواره مع شرطي حينما تقدم الشاب لإيداع شكوى قبل أن ينطلق في سلسلة من كلام لا يقال لما يحمله من عبارات مخلة بالحياء. كما تدوالت وسط الشباب مقاطع عن فتيات نطقن بكلمات عن الجنس عندما يزعجن بمكالمة هاتفية، بشكل ساخر ولهجة مضحكة مع عبارات باعثة على الإثارة. وبالطبع فإن مثل هذه المقاطع تلقى رواجا في صفوف الناس بشكل فظيع وخاصة الشباب، وكأن هذه المقاطع تجد سهولة تامة للدخول إلى عقول الناس ونفوسهم، كون هؤلاء يتناسون الخطورة التي تسببها تلك المقاطع أثناء الانبهار بما يشاهدونه ويسمعونه... وهم يفتخرون بسماعها وترويجها وتداولها بينهم دون أي شعور بما قد تحدثه تلك التفاهة من مشاكل في المجتمع. ومن المعروف أن طبيعة النفوس تحبذ مبدأ ''كل ممنوع مرغوب''. وروي عن خطيب يحذّر الناس من جريدة تنشر صورا خليعة وقد ذكرها بالاسم، فلما خرج المصلون بيعت كل نسخ العدد من الأكشاك، ناهيك عن مقاطع تنتقل عبر البلوتوث بالمجان والذي قد نعتبره من الأشياء التي عمت بها البلوى والمصائب. أعوان للمراقبة على أبواب الحمامات قرص إباحي يتداول في المدة الأخيرة بين هواة الهواتف النقالة، أحدث ضجة كبيرة في أوساط المجتمع الجزائري المحافظ، ليس لكونه تضمن أحدث ما توصلت إليه فنيات التصوير والتركيب السمعي البصري، وليس لأن هذا الفيلم القصير نال جائزة في المحافل الثقافية الكبيرة أو الصغيرة، بقدر ما كان الاهتمام بهذا القرص الإباحي منصبا على من شاهده أو سمع به، على درجة من الدناءة والانحلال الخلقي الذي بلغته قلة قليلة من أفراد المجتمع الجزائري الأصيل، دفع بمروجيه إلى استغلال براءة النساء وسذاجتهنّ ليتم إقحامهن فيما لا تحمد عقباه، والنتيجة خراب بيوت معظم من تضمنهن هذا القرص ''القنبلة''. القرص يظهر فيه عدد كبير من مقاطع لأفلام قصيرة صورت عن طريق كاميرا الهاتف النقال. والأمر الخطير الذي يحمله هذا القرص هو احتواؤه على مقطع من 10 دقائق لمشاهد تظهر فيه نساء شبه عاريات بأحد الحمامات الموجودة بالجزائر العاصمة التي تستقطب عددا كبيرا من النساء العاصميات اللواتي لجأن إلى هذه الحمامات الشعبية لغياب غرف حمام بمساكن البعض منهنّ أو للاحتماء بحرارة هذه الحمامات الساخنة أمام جفاف الحنفيات ببيوت البعض الآخر. والنتيجة واحدة أنهن أصبحن أمام العدسات المخفية المنتشرة بين مروجي هذه الأفلام بأبخس الأثمان. وحسب المعلومات الأولية، فإن مهندسة التصوير في هذا الفيلم القصير فتاة رفقة صديقة لها، حيث وضعتا هاتفا نقالا داخل كيس نسائي مخصص لأغراض الغسل في هذا الحمام، حتى لا تلفتا نظر المتواجدات بالحمام، قبل أن يقوم فيما بعد من يقفن وراء الستار على تركيب هذا الفيلم الدنيء، والوقوف على إخراجه ثم ترويجه. وقد أحدث هذا التصوير ردود فعل كثيرة وقوية لدى العائلات الجزائرية التي استهجنت الواقعة، ودفع بالبعض منها إلى الامتناع عن الذهاب إلى هذه الحمامات الشعبية، مفضلة ''التجمد'' في بيوتهنّ الضيقة على استعراض عضلاتهن أمام اللواتي يصطدن في مياه الحمامات ''العكرة''، مثلما تقوله لنا إحدى هواة هذه الحمامات. هذه المقاطعة النسوية جعلت أصحاب الحمامات ينتفضون على هذا الوضع الذي يهدد مداخيلهم المالية، مما أدى بمالكي هذه الحمامات العمومية إلى تشغيل نساء كأعوان مراقبة داخل غرف هذه الحمامات لرصد أي حركة غريبة من طرف زبائنهنّ وهذا قبل نزع ثيابهنّ. فيما قرر البعض الآخر من أصحاب الحمامات لحماية مصالحهم المتضررة من الدخلاء والغرباء تفتيش النساء القاصدات هذه الحمامات بفرض صرامة شديدة خشية تكرار الحادثة وبالتالي تعرض حماماتهم للإغلاق والخضوع لإجراءات قضائية عقابية تصل إلى حد السجن. زينة المرأة في الأعراس... كابوس محبوس التوظيف السلبي لكاميرا الهاتف النقال لم يتوقف عند غرف الحمامات الشعبية، بل انتقلت تهديداته الاجتماعية ومخاطره الخلقية إلى داخل قاعات الحفلات، لتبث سمومه في الأعراس والأفراح بين الأهل والأحباب. فمن مفاتن النسوة المصورة في القرص الإباحي بأحد الحمامات الشعبية، تطالعنا أخبار مستغلي تكنولوجيات الاتصال الحديثة لأغراض دنيئة بأن هذه الشبكة الإجرامية راحت تستغل كاميرا ''الموبايل'' في إنتاجاتها الفنية بصورة خفية وبعيدا عن الرقابة التي تفرضها الهيئات الرسمية. حيث اقتحمت هذه الشبكة الحياة الخاصة للآخرين من خلال الولوج داخل قاعات الحفلات لحضور الولائم والأفراح ظاهريا، لكن هدفها الدنيء هو التصوير بواسطة كاميرا ''الموبايل'' فتيات وهن يؤدين رقصات متنوعة عن حسن نية على وقع ''الديسك جوكي'' أو أنغام الفرقة الفنية ب''الطبلة والمزيكا''، قبل أن يلجأ مروجو هذه الأعمال ''الساقطة'' إلى بث هذه اللقطات عبر تقنية ''البلوتوث'' على نطاق واسع من الكرة الأرضية، وما ينجر عنها من آثار نفسية واجتماعية داخل الأسرة لما ترى ابنتها أو أختها في هذا الموقف على الأنترنت. ونتذكر، في هذا السياق، قصة طلاق امرأة من زوجها المغترب بفرنسا بعد أن شاهد رقصاتها على الأنترنت خلال حضورها عرسا بإحدى قرى منطقة القبائل. هذه القصة أوردناها على سبيل الحصر، وأمثلة هذه الضحية في مجتمعنا بالمئات منهنّ من اكتشفن فضيحتها وتم سترها، ومنهنّ من تتضرع إلى الله صباح مساء عله يستر ويحفظ العواقب. وعلى خلاف تأثيرات تهريب صور النساء من داخل الحمامات الشعبية وانعكاساتها في إطار ضيق داخل الأسرة، فإن الصور المهربة في الأعراس والمناسبات كثيرا ما كانت شرارة لنشوء عداوة بين العائلات، وصلت إلى حد قطع الأرحام بسبب تبادل الاتهامات حول عملية التصوير والترويج غير البريء للصور الملتقطة. جامعيات يصرفن منحهنّ لحماية شرفهنّ الحرمان الجامعي والثانوي غير آمنين، عبارة أصبحت تردد على الألسن بكثرة هذه الأيام داخل مؤسساتنا التربوية، ليس خوفا من أحد الانتحاريين الذي قتل منذ سنة طلبة كانوا داخل حافلة للنقل الجامعي قرب مقر المجلس الدستوري، ولكنه الخوف والرهبة من المصير المجهول الذي تخبئه عدسات كاميرا الهاتف النقال والأحراش المجاورة للكليات والثانويات، كانت إلى وقت قريب مكانا لتصوير جلسات غرامية بين العشاق، قبل أن تتحول إلى ورقة يجني منها مصاصو الدماء الملايين شهريا من ضحايا لا حول ولا قوة لهم. شهادات متشابهة لعينات من هذا الوضع رصدناها لبعض الطالبات بمختلف المؤسسات الجامعية لاسيما المقيمات بالأحياء الجامعية، تعرضن لاستفزازات وصلت إلى حد المساومة والابتزاز والتهديد من طرف أشخاص لا ضمير ولا دين لهم، بعد أن اكتشف الضحايا صورهن مخزنة على الهواتف النقالة وهن في وضعية مخلة بالحياء، جعلهن فريسة بين أنياب المبتزين من العشاق أو غيرهم، الذين يفرضن عليهنّ مبالغ مالية من منحهن الجامعية أو إشباع غرائزهم الجنسية مقابل محو تلك الصور الفظيعة. ولم يسلم من أنياب أشباه البشر حتى التلميذات اللواتي يدرسن بالثانويات بعد أن حضرن حفلات عيد ميلاد وسط شلة من شباب مراهقين، التقطت لهنّ صور مع عشاقهنّ في مشاهد رومانسية أو وهن يدخن سجائر وغيرها من الصور الفظيعة التي يتسلى بها الشبان ببعثها على المستوى الوطني وحتى الدولي حملة أمنية وقضائية لمطاردة الشبكة المجهولة في وقت بادرت المملكة العربية السعودية إلى تحريم الهواتف المحمولة بميزة الكاميرا ومنع تداولها فوق ترابها، لايزال الوضع القانوني لهذه التكنولوجية الحديثة ببلادنا يراوح مكانه وينتظر التفاتة المشرع الجزائري لسد الثغرات التي عجزت الجهات القضائية لحد الآن عن التعامل مع جرائم جديدة من نوع خاص، مست هذه المرة شرف وكرامة والحياة الخاصة للإنسان، لم تكن تعرفها من قبل أروقة المحاكم. وفي غياب إحصائيات دقيقة، حول عدد القضايا المروفوعة لدى القضاء الجزائري بخصوص الترويج لأسرار الآخرين عن طريق تقنية ٍٍَّ والبلوتوت، فإن معظم المحاكم عالجت العام الفارط ومطلع السنة الجارية مئات الشكاوى الخاصة بمثل هذه القضايا، بناء على حملات مطاردة تقوم بها مصالح الشرطة القضائية للإيقاع بمصاصي الدماء ومستغلي الجنس اللطيف لتحقيق أغراضهم الدنيئة. وقد وصل تحريك هذه الدعاوى القضائية إلى حد إصدار أحكام تدين مروجي هذه الصور المخلة بالحياء بالحبس، فضلا عن فرض غرامات مالية تجبر الضرر المعنوي للضحايا. وفي تقدير رجال القانون، فإنه على المشرع التشدد بنص قانوني مع هذه الجرائم الجديدة التي تدخل في إطار الجرائم الإلكترونية، بدلا من إدخالها تحت إطار جنحة الفعل المخل بالحياء التي تكيف اليوم من قبل القضاة في تعاملهم مع هذه القضايا الجديدة.