حسم محافظ بنك الجزائر محمد لوكال في مطالب ورثها عن سابقه محمد لكصاسي، تتعلق خصوصا برفع منحة السفر وفتح مكاتب صرف رسمية لمكافحة السوق الموازية للعملة الأجنبية، فلا زيادة في منحة السفر لأن «المسألة غير واردة تماما حاليا بالنظر إلى الوضع المالي للبلاد»، ولا فتح لمكاتب صرف، «لأنها لن تحل ظاهرة السوق السوداء». وهكذا، فإن النواب «القلائل» الذين كلّفوا أنفسهم عناء حضور جلسة عرض البيان السنوي حول التطور الاقتصادي والمالي للبلاد لطرح انشغالات المواطنين بهذا الخصوص، سيورثون نفس المطالب لزملائهم الجدد في البرلمان المقبل. محافظ البنك المركزي رد أمس، على أسئلة نواب المجلس الشعبي الوطني في جلسة ترأسها السيد العربي ولد خليفة رئيس المجلس، وتميزت بحضور محتشم لممثلي الشعب الذين لايبدو أن حالة البلاد المالية تعنيهم كثيرا، وهم في آخر أيام عهدتهم النيابية. مع ذلك، فإن الحاضرين جددوا طرح انشغالات قديمة تكررت كل سنة حين برمجة مثل هذا العرض. ولعل من أهمها المطالبة برفع منحة السفر، وكذا المطالبة بمكافحة سوق الصرف الموازية بإنشاء مكاتب صرف رسمية، فضلا عن التساؤل حول «فعالية» القروض الممنوحة للقطاع الخاص وأسباب غياب المنتجات المصرفية الإسلامية. وفضل السيد لوكال الذي يقوم بهذا العرض لأول مرة منذ توليه مسؤولية بنك الجزائر، لغة الصراحة في عرض الأوضاع الراهنة، ومن تم فقد وضع حدا لمسألة رفع منحة السفر عندما أكد أنها لن تتم حاليا، معتبرا أنه لايجب مقارنة وضعنا بوضع جيراننا لأن هؤلاء يملكون «موارد من السياحة» في حين لا تأتي موارد الجزائر إلا من المحروقات التي تراجعت أسعارها ومعها إيرادات البلاد. وقال في هذا السياق «إن الايرادات خارج البترول ضعيفة، ولانملك خاتم سليمان، كما أن الاصلاحات تتطلب وقتا وهيكلة ووسائل»، مضيفا أن إعطاء منحة سفر بحجم تلك الممنوحة في تونس أو المغرب مشروط بتطوير قطاع السياحة، مثله مثل فتح مكاتب صرف. حيث تساءل «لمن نفتح مكاتب صرف في غياب السياح؟» موضحا أن مكاتب الصرف المنصوص عليها في القانون تقوم باقتناء العملة الأجنبية ولا تبيعها للمواطنين الجزائريين، مثلما هو الحال في السوق السوداء وبالتالي فإنها لن تعالج ولن تكافح الظاهرة. ولم يتردد في القول بأن «وجود سوق الصرف الموازية مرتبط أساسا بالاختلالات الهيكلية للاقتصاد التي أدت إلى وجود سوق موازية وتهرب جبائي التي تستدعي تكفلا تدريجيا ومستمرا لمعالجتها». بنك الجزائر لا يموّل عجز الخزينة وتطرق المحافظ في رده، إلى جملة من المسائل أهمها دور البنك المركزي الذي ذكر أن علاقته مع الخزينة العمومية يحددها قانون النقد والقرض الذي يمنع البنك من تمويل عجز الميزانية العامة، مذكرا بأهم الأدوار التي يلعبها وعلى رأسها التحكم في التضخم والإشراف على سياسة صرف العملة. وبخصوص ندرة القطع النقدية، وعد بتعزيز قدرات البنك لتوفيرها لاسيما بعد كثرة الشكاوى من قلتها في السوق، مؤكدا الاستمرار في تحسين نوعية العملة الوطنية. من جانب آخر، وعن القروض الممنوحة، أكد أنها بلغت 8000 مليار دج في ديسمبر 2016، مشيرا إلى أن 74 بالمائة منها عبارة عن قروض متوسطة وطويلة الأمد، وهو ما يعني أنها «وجهت للاستثمار المنتج». وأكد أن المشاريع تخص القطاعين العام والخاص وأن نتائجها ستظهر مع الوقت، مشددا على أن المؤشرات المالية تؤكد أن الحكومة تجسد اتجاهها في تنويع الاقتصاد الوطني، مذكرا بالمشاريع الكبيرة في مجال الصناعات الميكانيكية والتي ستنعش قطاع المناولة. ورغم أنه لم يعط أي رقم بشأنها، فإن السيد لوكال تحدث عن «انخفاض محسوس» في القروض غير الناجعة، مؤكدا أنه في ظل الأزمة الراهنة، فإن البنوك تطبّق رقابة صارمة في منح القروض. وبخصوص القرض السندي الذي شكل محور تساؤلات العديد من النواب، اكتفى محافظ البنك المركزي بإعطاء رقم «158.7 مليار دج» الذي يمثل اكتتابات البنوك العمومية في هذا القرض، محيلا النواب لوزير المالية من أجل تفاصيل أكبر عن باقي الاكتتابات. أما عن المنتجات المصرفية الإسلامية، فذكر أنها حاليا متوفرة لدى بعض البنوك العاملة بالجزائر مثل «السلام» و»البركة»، مؤكدا أنه «لا يوجد أي عائق قانوني لعرض هذا النوع من المنتجات»، وأنها مدعوة للتطور. وعكس العرض الذي قدمه المحافظ أمس «وضعا متأزما» حسب الأرقام التي تضمنها التقرير المسلم للنواب والعبارات المستخدمة من طرف السيد لوكال، الذي تحدث عن «استمرار الصدمة الخارجية» و»ظرف يتسم بهشاشة اقتصادية ومالية». وضعية خارجية مريحة نسبيا رغم هشاشة الوضع ولخص الوضع في قوله «عرف العجز في الميزانية والحساب الخارجي الجاري تفاقما كبيرا مؤديا إلى تآكل شبه كلي لموارد صندوق ضبط الايرادات وانخفاض ملحوظ في احتياطات الصرف، مقابل محافظة النشاط الاقتصادي على نفس الوتيرة، مدعوما بإبقاء النفقات العمومية عند مستوى عال رغم التوسع النقدي البسيط جدا وبقاء السياسة النقدية جد حذرة. أما التضخم، فأخذ توجها تصاعديا من جديد، عاكسا استمرار الاختلالات على مستوى بعض الأسواق. وفي المجال النقدي، أدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط إلى تقلّص تدريجي لفائض السيولة المصرفية وبالتالي لجوء أقل لامتصاصها من طرف البنك المركزي، وواصل تمويل الاقتصاد توسعه بوتيرة قوية وبقي النشاط المصرفي مربحا والنظام المصرفي مستقرا وصلبا وصامدا. واستمرت مرونة سعر صرف الدينار أمام التحركات الحادة في انخفاض العملة الوطنية مقابل الدولار وبدرجة أقل الأورو». وبالأرقام، كشف أن احتياطات الصرف تراجعت إلى 114.1 مليار دولار في ديسمبر 2016، بعدما كانت تقدر ب121.9 مليار دولار في سبتمبر، فيما بلغت المديونية الخارجية 3.3 مليار دولار. وهما الرقمان اللذان جعلا المحافظ يقول بلغة مطمئنة إن «الوضعية المالية الخارجية للجزائر تبقى صلبة ومريحة نسبيا»، لأن احتياطي الصرف «مازال معتبرا رغم انخفاضه القوي»، فضلا عن نمو إجمالي الناتج الداخلي الخام بنسبة 7ر3 بالمائة عند نهاية السداسي الأول من 2016. وبخصوص وضعية ميزان المدفوعات خلال الأشهر التسعة الأولى من 2016، أشار السيد لوكال إلى أن متوسط سعر النفط الذي تراجع بنسبة 1ر47 بالمائة في 2015، نجم عنه تقلص في إيرادات صادرات المحروقات ب 4ر19 مليار دولار. وبلغ مستوى الإيرادات الكلية خلال التسعة أشهر الأولى من 2016 ما يقارب 38ر20 مليار دولار، في حين بلغ مستوى الواردات 20ر37 مليار دولار وبذلك سجل الميزان التجاري عجزا بلغ 82ر16 مليار دولار، في حين سجل الحساب عجزا بلغ 24ر22 مليار دولار مقابل عجز بقيمة 42ر21 مليار دولار بالنسبة لميزان المدفوعات. السيولة تتراجع في البنوك والدينار في حالة استقرار نسبية أما فيما يخص سعر صرف الدينار الجزائري مقابل أهم العملات الأجنبية، فقد تم تسجيل انخفاض لقيمة الدينار بنسبة 94ر2 بالمائة مقابل الدولار إلا أنه سجل ارتفاعا مقابل الأورو ب64ر4 بالمائة خلال السداسي الأول من 2016. أما في الثلاثي الأخير من السنة الماضية، فيلاحظ استقرار في سعر الدينار مقابل الدولار، بانتقاله من 110.6 دج للدولار في ماي إلى 110.5 دج للدولار في ديسمبر. وعرف تحسنا مقابل الأورو إذ انتقل من 124.1 دج للأورو في أفريل إلى 116.3 دج للأورو في ديسمبر 2016. وبلغت النفقات العمومية 5.474 مليار دج عند نهاية شهر سبتمبر 2016، فيما بلغت إيرادات الجباية النفطية 1.314 مليار دج. ووصل صندوق ضبط الإيرادات إلى مستواه الأدنى، أي 740 مليار دج نهاية فيفري 2016. وبالنسبة للوضعية النقدية، فأشار إلى أن الكتلة النقدية عرفت نموا جد بسيط خلال الأشهر التسعة الأولى من 2016 بمعدل 52ر2 بالمائة في «تعارض كلي مع الفترة الممتدة ما بين 2010 و2014 حيث بلغ المتوسط السنوي لنموها 8ر13 بالمائة». وتقلصت ودائع قطاع المحروقات بقوة (-24ر14 بالمائة) وتباطأ نمو الودائع خارج قطاع المحروقات (14ر3 بالمائة)». وانتقلت سيولة البنوك من 1.833 مليار دج نهاية ديسمبر 2015 إلى 992 مليار دج نهاية سبتمبر 2016، وهو ما أدى ببنك الجزائر إلى التوقف تماما عن عمليات امتصاص السيولة في الثلاثي الثالث من 2016 كما قام بتخفيض معدل الاحتياطات الاجبارية من 12 إلى 8 بالمائة. وسجلت القروض الموجهة للاقتصاد نموا بنسبة 80ر14 بالمائة خلال الأشهر التسعة الأولى من 2016 ، حيث تمثل القروض الموجهة للمؤسسات الكبيرة خاصة العمومية والمختلطة 7ر52 بالمائة من إجمالي هذه القروض. وسجلت القروض الموجهة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ارتفاعا بنسبة 8ر6 بالمائة نهاية سبتمبر 2016، في حين ارتفعت القروض الموجهة للأسر خاصة القروض الرهنية ب66ر10 بالمائة نهاية سبتمبر 2016.