يعد الخبز المادة الغذائية الأكثر استهلاكا في الجزائر، وهو أيضا من الملفات الحساسة التي تتكفل بها الحكومة وحدها. كما أن الخبز مدعم من طرف الدولة، شأنه شأن الحليب، إلى جانب عدد من المواد واسعة الاستهلاك، لكن هل لهذا الخبز المواصفات الصحية اللازمة للمواطن الجزائري؟ التقت «المساء» ببعض المواطنين، وكلهم أجمعوا على تناولهم الخبز بشكل يومي، حتى وإن كان عشاؤهم أو غذاؤهم عجائن، وهي وجبات غير معقولة، فرضتها العادة السيئة التي تربى عليها المجتمع، وورثها من الاستعمار الذي نكله بالفقر والجوع. فالخبز غالبا ما كان مرادفا للحاجة، وألهم روائع أدبية، على غرار مسرحية «الخبزة» لعبد القادر علولة، ورواية «البؤساء» للفرنسي فيكتور هيجو، ورواية «الخبز الحافي» للمغربي محمد شكري، كلها إسقاطات لحساسية الخبز، قد تبدو بسيطة على رأي ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر التي تنسب لها مقولة شهيرة «إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء.. دعهم يأكلون كعكا»، خلال الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. يبدو من خلال هذا المدخل، أنّ الخبز ظاهرة عالمية ولا يختلف اثنان عاقلان بأن الجزائريين يفرطون في أكل الخبز ومبذرون جدا كذلك، إذ سجلت إحصائيات مفادها أن الجزائريين يرمون 12 مليون قطعة خبز في اليوم، غير أن الموضوع هنا ليست له علاقة بالتبذير، لكن يتعلق بجودة هذه المادة. الخبز الكامل بديل صحي أكد يوسف قلفاط رئيس لجنة الخبازين الجزائريين التابع للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، في حديث ل«المساء»، أن الخبز المستهلك في الجزائر يشبع، لكنّه غير صحي، العادة الجزائرية في أكل الخبز مع كل الوجبات، يستلزم أن يكون صحيا ونافعا، مشيرا إلى أن هذا الخبز غال مقارنة بالخبز العادي، وهو غير صحي، والخبز النافع يصل ثمنه إلى ما بين 15 دج و70 دج فأكثر، حسب النوعية. في هذا الشأن، اقترحت لجنة الخبازين منذ سنة، صنع الخبز بالفرينة الصحية التي تعطي خبزا صحيا، في لقاءات مع وزير التجارة السابق المرحوم بختي بلعايب، حيث شرح له أهمية «الفرينة» الصحية وأقنعه بأهميتها، والأكثر من ذلك أنها لا تكلف، وتسمى ب«الفرينة» الكاملة التي تجنب أكلها آلام المعدة والكولون. وكشف المتحدث عن أن «الفرينة» الحالية المسماة «الفرينة العادية» يتم نزع قشرة القمح عنها في المطاحن وتباع لمربي الماشية كأعلاف، بمعنى أن الفوائد الحقيقية يستهلكها الحيوان، وصاحب المطحنة يقوم بذلك لدواعي الربح، ذلك أنها تكلف كثيرا مقارنة ب«الفرينة» التي توجه لصنع الخبز. وأفاد قلفاط أنّه اقترح أن يطحن القمح المستورد كما هو دون نزع قشرته كونه كنز (صحي) لا يجب التفريط فيه، مثلما كان المجتمع الجزائري يصنع خبزه في الماضي، وعندما توافق الحكومة على هذا المقترح، يصبح هناك نوعان من «الفرينة» الأولى مخصصة للخبز وهي «الفرينة» الكاملة، والثانية مخصصة للمواد الأخرى على غرار الحلويات والبيتزا، وهي «الفرينة» العادية. ودعا الحكومة إلى مواصلة دعم «الفرينة» الكاملة، وهي المادة التي لا يمكن لصانعي البيتزا والحلويات استعمالها، بالتالي وقف استغلال دعم الدولة، فضلا عن ربح صحة المواطنين في استهلاك مادة غذائية كاملة. وأكد المتحدث أن الوزير السابق رحب بالفكرة، بعد أن تم تجريبها في 12 مخبزة من نواحي الوطن، وأعطى موافقته وتم إيداع دراسة حول تكلفة الخبز الكامل. ويمكن بيع هذا الخبز بنفس ثمن الخبز العادي بفضل دعم الدولة حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن، وانتقل الملف إلى طاولة الوزير الأول حتى يتم تمريره على مجلس الوزراء، بعد ذلك يصدر مرسوما تنفيذيا يرسل إلى مخابز الوطن، لكن للأسف، إلى حد الآن لم يصل أي رد بخصوص الموضوع، حسبما أكده قلفاط. الخبز بتنوعاته له رواده يقول أحد المواطنين ممن سألتهم «المساء»، بأن الخبز هو طعم الحياة، وهو يقصد بذلك الخبز التقليدي الذي يحملا سحرا خاصا تنتفض به الذكريات، على رأي الشاعر الفلسطيني محمود درويش «أحن إلى خبز أمي..». ويضيف أن أحسن خبز هو المعد في البيت سواء تمثل في «الكسرة» أو «المطوع» أو باقي الأنواع الأخرى التي يزخر به التراث الجزائري. أما الخبز الفرنسي الأكثر انتشارا فيضعه في مراتب أدنى ولا يتناوله إلا إن تحتم الأمر. تقول مواطنة بأن قصتها مع الخبز مثيرة، ولا تصبر عليه في كل وجباتها، وروت ل«المساء» حجم معاناتها لما تسافر إلى الخارج، خاصة لما ذهبت إلى بريطانيا، حيث واجهت الجوع بحكم أن المجتمع الإنجليزي وجبته تفتقر للخبز غالبا، وتؤكد أنها لا تستطيع تناول طعامها دون خبز، والخبز الفرنسي بالتحديد، ولا يهمها باقي أنواع الخبز الأخرى. قصدت «المساء» أحد المحلات المختصة في بيع مختلف ألوان الخبز التقليدية والعصرية بقلب الجزائر العاصمة، وفي سؤالنا لبائع في المحل عن نوع الزبائن المترددين على المحل، قال «يأتون من مختلف الأعمار وأكثرهم النساء العاملات اللواتي خانهن الوقت في إعداد الخبز، أو اللواتي يفضلن الحياة السهلة». وذكر المتحدث أن الرجال أيضا يشتهون بعض الأنواع التي لا تصنعها المخابز الأخرى، لا سيما الخبز الكامل، وأضاف أيضا أن الخبز المصنوع من الشعير مطلوب بشدة، نظرا لتعدد فوائده الصحية، وهو موجه أكثر للراغبين في الحمية، والمصابين بآلام المعدة والكولون، فضلا عن وجود أذواق عديدة من الخبز. لكن أغلب الناس المتردّدين على شراء الخبز العادي يجهلون افتقاره للمنافع الصحية، وهمهم الوحيد سعره المدعم، لكن للأسف لم يفكروا في أن الصحة تتفوق على المال. اتحاد التجار والحرفيين: المنتجات المقلدة الأجنبية تضر بالصحة حمّل اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين السلطات الوصية على قطاع التجارة مسؤولية منع تسويق المنتجات التي تضر بصحة المستهلك، وإدماج ثقافة الاستهلاك في المدارس، لأن 30 بالمائة من الأطفال هم من يشترون ضروريات العائلة من السوق. أكد مصدر موثوق ل«المساء»، أنّ مصالح وزارة التجارة مطالبة بتطبيق صلاحياتها في مجال المراقبة للنشاط المنظم، وأن مصالح وزارتي الداخلية والجماعات المحلية والمالية مطالبتان بمحاربة النشاط الموازي عن طريق تكثيف دور البلديات والضرائب والجمارك. أشار نفس المصدر إلى أن غياب ثقافة الاستهلاك سواء عند المواطنين أو حتى عند بعض المؤسسات، جعل ثلثي الجزائريين يقتنون حاجاتهم من السوق الموازية، مضيفا أن الغذاء المستهلك وسط الجزائريين؛ 12 بالمائة منه إما منتهي الصلاحية أو مقلد، حيث أفاد أن العديد من التجار يؤكدون أن أغلبية الزبائن لا يسألون عن مدة صلاحية المنتوج أو مصدر صناعته، ويكتفون بالسؤال عن السعر وتحديد المنتوج باللون. وفي نفس السياق، اعتبر المتحدث أن عدم تثمين دور جمعيات حماية المستهلك ساهم في تردي الوضع والثقافة الاستهلاكية، مؤكدا أن أغلب دول العالم تنتشر فيها المواد المقلدة والمهربة، موضحا أن خطورته في الجزائر أكبر بسبب تراجع عمل الجمعيات المنددة بالوضع. ففي أغلب الدول جمعية المستهلك كلامها مسموع ويومي ويعارض أي منتوج مخالف، ولا يحدث الكلام عندنا إلا في حالة موت شخص أو حالات تسمم. وأشار إلى تصنيع بعض المؤسسات الأجنبية مواد مقلدة خصيصا للسوق الجزائرية، مستدلا بمقولة مسؤول بالسفارة الصينية في الجزائر، بوجود جزائريين يذهبون إلى الصين ويطلبون منتجات مقلدة، موضحا أن السوق الموازية تشجع إنتاج المواد المقلدة الأجنبية بنسبة 90 بالمائة، معتبرا أن القضاء على السوق الموازية يساعد على القضاء على المنتجات المقلدة. واتهم مصدرنا بعض المسؤولين بتشجيع السوق الموازية، لأنهم يرونه علاجا مؤقتا للفوضى وظرفيا لظاهرة البطالة، في حين أن السوق الموازية تشجع الإنتاج الأجنبي، وعليه المؤسسات المحلية «غير قادرة» على التوسع ولا تفتح مناصب شغل إضافية، كما أن السوق الموازية هي التي تعرقل برامج التشغيل وإنشاء مناصب شغل جديدة.