احتضن يوم السبت متحف المجاهد مدوحة بولاية تيزي وزو، حفلا كبيرا تخليدا واستذكارا لأرواح 475 شهيدا وأكثر من 150 مجاهدا من أبناء منطقة ماكودة، الواقعة على بعد 20 كلم شمال ولاية تيزي وزو، الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل تحرير الجزائر من أيادي الاستعمار الغاشم واسترجاع السيادة ونيل الحرية. اكتظت قاعة المحاضرات بمتحف المجاهد، بالأسرة الثورية التي حلت من كل مكان بقوة لحضور برنامج الذكرى، الذي نظمته عدة جمعيات ومنظمات ثورية تابعة لماكودة، بالتنسيق مع متحف المجاهد من أجل الوقوف على بعض محطات الثورة المجيدة واستذكار أرواح 475 شهيدا وأكثر من 150 مجاهدا سقطوا في ميدان الشرف من أجل الجزائر. افتتح برنامج الذكرى بعرض ما قبل الأول لفيلم وثائقي يحمل عنوان «منطقة ماكودة في التاريخ 1939 /1954»، يجمع شهادات لمجاهدين وأولياء الشهداء والمسبلين إبان حرب التحرير، الذين حرروا الوطن بدمائهم، حيث قام المخرج «يوسف ليماني» في هذا العمل التاريخي الذي دام التحضير له 6 أشهر، بجمع شهادات قيمة لأزيد من 15 مجاهدا، منهم من فارق الحياة، حيث انصبت شهاداتهم على أحداث ومحطات الثورة التي شهدتها منطقة ماكودة إبان الحرب، ومدى انتشار الوعي في أوساط سكان هذه المنطقة حول ضرورة التجنيد الكبير والقوي في النضال في سبيل الحرية، والتي تعود بوادرها الأولى إلى ميلاد «نجم شمال إفريقيا»، مرورا بإنشاء «حزب الشعب الجزائري»، ثم «حركة انتصار الحريات الديمقراطية»، حيث احتضنت منطقة ماكودة عدة نشاطات في إطار النشاط السياسي والثوري. وقال أحد المجاهدين في مداخلته، بأن منطقة ماكودة بدأت في عد أوائل شهدائها الذين سقطوا في ميدان الشرف في عام 1945، حيث فقدت 4 من أبنائها، ليتزايد العدد إلى أن بلغ 475 شهيدا، منهم من سقط في ميدان الشرف على مستوى الحدود الشرقية والغربية للجزائر. كما شارك أبناء ماكودة المجاهدون في إنشاء الولاية السادسة تاريخيا. وذكر المتدخلون أن نضال سكان ماكودة إبان الثورة أزعج كثيرا فرنسا، لتشن عدة عمليات إجرامية وجهنمية، حيث قامت بعملية تمشيط أولى لم تشفي غليلها، لتشن حملة ثانية سنة 1954، ومحطات مختلفة كانت محل عرض وتقديم من طرف مجاهدين ممن عايشوا الأحداث، وآخرون نقلوا شهادات عن غيرهم من رجال ونساء سقطوا إبان الثورة، والتي تركت بصمة في قلوب الشباب الذين حضروا الذكرى وعبروا عن رغبتهم الملحة في معرفة تاريخ الجزائر أكثر عبر تكثيف مثل هذه النشاطات التي تكشف عن بطولات أبناء الجزائر، وما عايشوه من ظلم وذل وألم في سبيل نيل الحرية. ودعا المشاركون في برنامج الذكرى إلى ضرورة كتابة التاريخ من أجل حفظ الذاكرة التاريخية وحمايتها من الزوال، لاسيما أن الكثير من المجاهدين فارقوا الحياة دون جمع شهاداتهم، وآخرون لم تعد لديهم القوة والصحة للإدلاء بها، مؤكدين أن جمع الشهادات في أعمال وثائقية وأخرى مكتوبة أمر حتمي وضروري حتى تتطلع الأجيال القادمة عليها. متحف ونصب تذكاري للشهيد «أرزقي لوني» قريبا بماكودة سيصبح المنزل الذي ولد فيه الشهيد أرزقي لوني الواقع ببلدية ماكودة، على بعد حوالي 20 كلم شمال تيزي وزو، قريبا متحفا ونصبا تذكاريا، حسبما علم من رئيس جمعية أصدقاء منحدر الشهيد أرزقي لوني قصبة الجزائر. أوضح لونيس آيت عودية ل«وأج»، أن هذا المنزل المهمل عقب الاستقلال، لاسيما أن الإخوة الثلاثة لوني سقطوا في ميدان الشرف خلال الثورة التحريرية المجيدة، سيشهد أشغال ترميم لتحويله إلى متحف. يتضمن هذا المشروع الذي ظهر إلى الوجود في أفريل 2010، بمناسبة يوم تذكاري حول المشوار الثوري لأرزقي لوني، أحد أبطال معركة الجزائر -الذي تم إعدامه من طرف جيش الاحتلال الفرنسي في 8 أفريل 1957 بسجن سركاجي- إنجاز نصب تذكاري تكريما للشهيد داخل نفس المنزل، وفقا لنفس المتحدث. وتم مؤخرا إنجاز مخطط إعادة تهيئة منزل أرزقي لوني، بالإضافة إلى مجسم النصب التذكاري من طرف طلبة قسم الهندسة المعمارية لجامعة مولود معمري بتيزي وزو، بتأطير من أساتذتهم. وبهدف تجسيد هذا الحلم الكبير للجمعية، شرعت السلطات المحلية لولاية تيزي وزو -خصوصا مديرية الثقافة- في الإجراءات الإدارية، معربة عن إرادتها في مرافقة والمساهمة في استكمال هذا المشروع. كما شرع مسؤولو دائرة ماكودة من جهتهم، في دراسة مخططات التهيئة ومجسم النصب والملف المتعلق ببعث الورشة في الأشهر القليلة القادمة. اعتبر لونيس آيت عودية ترميم منزل هذا الشهيد البطل الذي عرف بشجاعته واستماتته للقضية الوطنية، واجبا إزاء الذاكرة والتزاما واعترافا بهؤلاء الرجال والنساء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل تحرير البلاد. أرزقي لوني مجاهد من الرعيل الأول ... ولد أرزقي لوني في 26 أغسطس 1924، غادر ماكودة مسقط رأسه برفقة عائلته في سن الثماني سنوات ليستقر في القصبة بالجزائر العاصمة. كان يتحلى بالحس النضالي منذ صغر سنه. وعند اندلاع الثورة التحريرية في نوفمبر 1954 كان يبلغ من العمر 30 سنة، وكان قد بدأ العمل النضالي مع الحركة الوطنية منذ سنوات طويلة. حمل البطل لوني السلاح والتحق بالجبال رفقة إخوانه على مستوى منطقة الجزائر العاصمة، حسب السيد آيت عودية، مضيفا أن رفقاء كفاح الشهيد كانوا يتحدثون دائما عن شجاعته واندفاعه لتحرير الوطن. وفي سنة 1957، شارك الرجل إلى جانب رفقاء له من جبهة التحرير الوطني في معركة الجزائر، قبل أن يتم توقيفه وسجنه في سركاجي، حيث تم إعدامه في فجر 8 أفريل 1957. وعقب الاستقلال، ورغم استشهاده، إلا أن القصبة لم تنس ابنها البار الذي ضحى بنفسه من أجل استقلال الجزائر. ويبقى حي منحدر أرزقي لوني بهذه المدينة العتيقة شاهدا على اعتراف سكانها بتضحيات هذا الرجل الشجاع الذي ولد بمدينة ماكودة. منزل لوني إرث يجب المحافظة عليه ... سواء بماكودة أو بالقصبة، ورغم بعد المسافة بينهما، إلا أن تاريخ الكفاح المشترك يربط الأذهان. ولا يخفي القرويون في ماكودة فخرهم بأسلافهم الذين شاركوا في الثورة التحريرية من أجل استقلال الجزائر. وفي هذه القرية الصغيرة، لا زالت النساء المسنات يحتفظن في أذهانهن بالذكريات الأليمة ووحشية الاستعمار إزاء السكان. كما يتذكرن الإخوة الثلاثة لوني الذين لم يترددوا في هجر منزلهم العائلي للالتحاق بالثورة من أجل استرجاع الكرامة والحرية التي سلبها الفرنسيون لأكثر من قرن من الزمن. ولا يعد الشاب أرزقي الوحيد الذي التحق بالثورة في هذه العائلة البطلة سنة 1954، حيث ضحى أخواه عمار ولوناس لوني أيضا بدمائهما لتعيش الأجيال القادة في السلم على أرض أجدادها، حسب فريد لوني أحد أقرباء الشهيد. وهو ما يفسر أن الحس الثوري فطري لدى هذه العائلة، مثلما هو الأمر بالنسبة للكثير في منطقة القبائل وفي الجزائر التي دفعت الكثير خلال الثورة التحريرية. وعقب دقائق من المشي في هذه القرية، يظهر منزل قديم منهار وسط السكنات العصرية التي تم بناؤها في محيطه. ويعد هذا المنزل الوحيد الذي احتفظ بالمميزات المعمارية التقليدية للقبائل في هذه القرية. ويتعلق الأمر بمنزل لوني الذي لم يبق منه سوى الأسوار القائمة رغم آثار الزمن والإهمال. حتى وإن انهارت الأسقف تماما، إلا أن المكان يحتفظ دائما بعبق الحياة الهادئة والدفء الإنساني الذي كان يعم آنذاك. وما زالت بعض الأشياء داخل الغرف. كما نجد جرارا كبيرة كانت تملأ بالماء، إلى جانب قفف كانت تستعمل لتخزين المواد الغذائية، بالإضافة إلى أدوات منزلية أخرى ما زالت في هذا المنزل تحمل قيمة تاريخية كبيرة. وبالغرفة العليا توجد نافذة صغيرة كان يهرب منها الشهيد نحو الغابة، عندما كان يزور عائلته ويباغته جنود الاحتلال للبحث عنه، حسب فريد لوني. كما كان يلتقي في هذه الغرفة إخوانه لتبادل المعلومات وتنسيق النشاطات، حيث كانت تستعمل كمخبأ صغير للأسلحة. وفي الواقع، فإن ترميم هذا المنزل التاريخي وتحويله إلى متحف وإنجاز نصب تذكاري يعد واجبا تجاه الرجال الذين ولدوا بهذا المنزل والمكان الذي يشهد على عظمة الثورة والشعب، الذي التف حول قضية عادلة، يضيف فريد لوني الذي أشار إلى أن عائلته بماكودة أعربت عن استعدادها لمرافقة مشروع الجمعية المذكورة إلى غاية تجسيده.