من المفترض أن تكون مصالح الاستعجالات الطبية مرادفة لاسمها، وأن تكون وفق ذلك مجهزة بالعتاد الطبي اللازم للاستجابة للحالات الطارئة التي تتردد عليها أطراف النهار والليل على السواء، إلا أن هذا الأمر يبدو بعيدا كل البعد عن الاستعجالات الطبية بأكبر مستشفيات العاصمة، فالصورة التي وقفنا عليها مؤخرا ليلا باستعجالات طب الأطفال بمستشفى "مايو" بباب الوادي بالعاصمة، تعكس حالة اللامبالاة والاستخفاف بالمواطن الذي يجد نفسه بين مطرقة "ماكاش" التي يتلفظ بها الأطباء أو الممرضون، وسندان الحالة المرضية لابنه أو والدته أو أحد مقربيه، فتراه يتبع خطوات صاحب المئزر الأبيض، لعل ذلك يشفع له فيرأف بحاله وحالة مريضه، وإذا سألت أين الخلل يقال لك "اتجه بسؤالك إلى المسؤولين الكبار"، وكأن هذا الوضع الكارثي المتسبب فيه هؤلاء فقط، والحقيقة أنه من المفترض أن يكون كلّ مسؤولا على نفسه وفي عمله، وحالة الاستهتار واللامبالاة، كل له باع فيها، ولكن في ميدان مثل الطب، الخطأ فيه يساوي أرواحا. أذكر أن رئيس عمادة مجلس أخلاقيات الطب، الدكتور بقاط بركاني، كان قد صرح لي في حديث سابق، أن أزمة الطب في مجتمعنا وراءها عدة أسباب، لعل أهمها على الإطلاق، تدني المستوى التكويني للطبيب بكليات الطب ثم انعدام الدورات التكوينية بعد التخرج، ما يعني أن الطبيب لا ينال من تخرجه سوى الشهادة، فكيف توضع بيده أرواح الناس؟ سؤال ورد إلى ذهني وانأ أرى بأم عيني استهتار الأطباء بالمرضى باستعجالات طب الأطفال بمايو.. حشد كبير من الأطباء الشباب بمآزرهم البيضاء بأروقة الاستعجالات دون جدوى، وإذا سألتهم ضرورة معاينة مريض من ذويك يجيبونك " انتظروا.. الطبيب المقيم غائب حاليا". إحدى الأمهات حملت ابنتها الصغيرة إلى تلك المصلحة ليلا لقطع الشك باليقين أنها غير مصابة بالتهاب السحايا، ورغم أن التحاليل أثبتت عدم الإصابة بهذا الداء وتطلب من الطبيب إجراء فحص كامل مع تحاليل دم، إلا أن الطبيبة سألت الأم عن الأدوية التي توصف للطفلة في حالة الحمى أو التهاب اللوزتين، ومن بعدها وصفت نفس الأدوية دون إجراء أي فحص، وإلى غاية منتصف الليل والطبيب المقيم لم يلتحق بالمصلحة، واتضح أن ذلك الكم من أصحاب المآزر البيضاء مجرد متربصين لا ناقة لهم ولا جمل.. وهكذا تصان صحة المواطن بمستشفيات الجزائر، والأهم، عليك برمجة نفسك وذويك حتى تمرضوا - لا قدر الله - نهارا فقط، وللحديث في هذه النقطة بالذات بقية...