طالبت ثلة من القابلات اللواتي تحدثن مؤخرا ل "المساء" بضرورة تعزيز الإجراءات الأمنية أثناء تأديتهن لعملهن خاصة ليلا بسبب المضايقات الكثيرة التي يتعرضن لها من طرف أزواج وولاة أمور الحوامل اللواتي يترددن على مصالح التوليد لوضع مواليدهن، وتصل تلك المضايقات حدود الضرب واللطم، ناهيك عن الشتائم والسباب التي يقلن إنهن تعودن عليها. رغم التحسن الذي عرفه القطاع الصحي ببلادنا في العشرية الأخيرة إلا أن بعض النقائص ما تزال تسجل على بعض مصالحه الحيوية التي من المفروض أن تكون الأكثر "تهيئة" مثل مصالح وقاعات الولادة التي أشارت قابلات يعملن بها في العاصمة وضواحيها الشرقية أنها تعاني من عدة نقائص تجعل بعض ولاة أمور الحوامل يعتدون على القابلة بالسب والشتم لمجرد قول هذه الأخيرة لزوج الحامل إنه لا يوجد مثلا سرير شاغر، ولا يمكن استقبال زوجته أو القول إن وضعية الطفل معقدة ولا تملك مصلحة الولادة العتاد الطبي اللازم لمواجهة الجراحة، أو القول لا يمكننا إجلاء الحامل لمصلحة جراحية لعدم توفر سيارة إسعاف وكلها نقائص تحد من عمل مصلحة التوليد ويجعل القابلة في فوهة البركان كونها هي من تقابل الزوج للتصريح بكل تلك النقائص. تقول السيدة (م. دليلة) قابلة منذ 30 سنة بمصلحة التوليد بمدينة بومرداس شرق العاصمة إن العمل في المناطق الريفية أصعب من المناطق الحضرية، فلوقت قريب كان يسود الاعتقاد عند سكان الأرياف أن كل مصلحة صحية لابد أن تكون مجهزة بكل التجهيزات الطبية اللازمة فلا يهضمون مسألة انعدام بعض الأجهزة أو سيارة إسعاف مثلا أو حتى القول إن الطبيب الجراح غائب أو غير موجود أصلا، لذلك كنا - تقول -نعاني كثيرا مع السكان إذا تجرانا وقلنا إن هناك نقصا ما أو لا نستطيع التكفل بحالة الزوجة. "أتذكر ما حصل لي حينما كنت مناوبة ل24 ساعة وصادف ليلتها وأن حضرت حامل على وشك الولادة وكانت وضعية الطفل غير عادية إذ ظهرت أرجله بدل الرأس، ولم يكن بوسعي عمل شيء مخافة فقدان حياة الاثنين معا فقلت للوالد عليك أخذ زوجتك للمستشفى نظرا لعدم وجود جراح بالمصلحة ولانعدام وسائل الجراحة أيضا، حيث أننا لا نقبل إلا الحالات العادية والمتكررة للحمل، أي أننا لا نقبل الولادات البكر مخافة أية تعقيدات غير متوقعة، ذلك الزوج لم يستسغ كلامي فأحدث بلبلة كبيرة في المصلحة وصلت به إلى حد رفع يده علي لضربي لولا تدخل زوجته التي زادت عليها الآلام مطالبة إياه بالإسراع لأخذها للمستشفى، أما حالات السب والشتم فتكاد تكون يومية لدرجة أننا ألفناها" بالمقابل تشير السيدة خوجة سمية من القليعة غرب العاصمة والتي تعمل منذ 28 سنة كقابلة في الوسط الريفي قائلة: "إن العمل في الأرياف يسبب العديد من المشاكل لعدة أسباب منها انعدام أخصائي طب وجراحة التوليد، وإذا صادفت مناوبتها حالة ولادة حرجة تضطر إلى التصرف كيفما كانت الأحوال لإنقاذ حياة الأم وطفلها وإلا فإنها ستكون محور اللوم وربما الطرد والمتابعة القضائية إذا حدث مكروه لأحدهما". وتؤكد المتحدثة ما ذهبت إليه قابلات أخريات حين أكدن انعدام الأمن ليلا ما يجعلهن عرضة لمختلف الاعتداءات، أما أغرب حادثة تعرضت لها المتحدثة فتقول إنها وقعت قبيل سنوات حينما كانت تعمل بعيادة توليد بوسط ريفي لبلدية الرويبة حينما جاءت امرأة لتضع مولودها وكانت وضعيتها معقدة فطلبت من الزوج اخذ زوجته للمستشفى الذي لا يبعد سوى بضع كيلومترات ولكنه فاجأنا حين قال لها "دعيها تموت هناك أخريات غيرها كثيرات" ..لحسن الحظ أن احد المواطنين الذي احضر زوجته للولادة بنفس العيادة اتصل بالمستشفى لإرسال سيارة إسعاف ونقلت تلك السيدة. وتعرضت السيدة خوجة لانهيار عصبي في صيف 2005 حينما اضطرت للعمل بمفردها دون طبيب نساء أو ممرضات أو حتى عاملة نظافة لمدة 3 أشهر، اضطرت خلالها إلى تغطية العجز رغم نداءاتها المتكررة للمسؤولين من أجل سد العجز دون نتيجة، مما جعلها تتعرض لانهيار عصبي بعد أن نالت لطمة على خدها من زوج طلبت منه إجلاء زوجته إلى المستشفى لانعدام الإعانة الطبية وكذا سرير شاغر. وتؤكد المتحدثة أنها تحصلت بعد الحادثة على عجز عن العمل لمدة 5 أشهر بعد أن وصل بها المطاف إلى الشعور بالرغبة في الانتقام من الحوامل قائلة: "أصبحت كلما أرى امرة حاملا أرغب في قتلها" . ومن المعيقات الكثيرة لعمل القابلات التي تجعلهن عرضة للسب والشتم والتهديد بالضرب قلة الأسرّة وانعدام الهاتف للاتصال بالطوارئ ونقص سيارات الإسعاف، حيث يسجل ببعض عيادات التوليد ببعض المناطق الريفية والحضرية على السواء انعدام كامل لهذه السيارات، ما يجعل القابلة في خانة الاعتماد الكامل على نفسها لتنقذ الأم وطفلها في بعض الحالات الاستعجالية، وفي السياق تطالب القابلات بضرورة فتح قاعة استعجالات بالقرب من عيادات التوليد للتكفل بالحالات الطارئة. ناهيك عن تسجيل نقص في بعض التجهيزات الطبية مثل أجهزة "التصوير" لرؤية وضعية الجنين قبيل الولادة وحتى لمتابعة الحمل وكذا أجهزة "أي ار سي اف" لسماع دقات قلب الجنين، وأيضا أجهزة الولادة المساعدة لإخراج رأس الطفل حين يتعذر على الأم الدفع بوليدها. وحتى أبسط الوسائل مثل السرير المتنقل لحمل النساء لقاعة الولادة، حيث تؤكد إحدى القابلات أنه يتم تسجيل حالات ولادة داخل السيارات تضطر معها القابلة لحمل الأدوات اللازمة لإنهاء العملية كقطع الحبل السري وتنظيف الأم والطفل. إلى جانب ما سلف ذكره فإن القابلة لا تخضع لأي دورات تكوينية منذ خروجها للعمل الميداني رغم أن المهنة تسجل الجديد كل سنة. وأخيرا تؤكد المتحدثات أن المعاناة اليومية تسجل على مستوى الطرفين المواطنين والقابلات أيضا ذلك لأن القابلة لا يمكنها أن تكون الشجرة التي تغطي الغابة والمواطن يعاني من جهته من النقص الكبير المسجل في الخدمات الصحية بالمقابل فإن غلاء الأثمان في العيادات الطبية الخاصة يجعل نسبة كبيرة من المواطنين يقبلون بالخدمات التي يعرضها القطاع العام رغم نقائصها الكبيرة لذلك فإن الحبل حاليا يشّد من الجهتين في انتظار تحسين الأوضاع والأحوال.