لم يعد خافيا على أحد بروز مشكل توزيع الكتاب المدرسي وطفوه إلى السطح حتى صار حديث الناس وهاجس الأولياء، رغم أن وزارة التربية أكدت أنه تم طبع 65 مليون نسخة هذا العام واعتماد 800 مكتبة خاصة، فضلا عن المؤسسات التربوية المطالبة ببيع هذه الدعائم التربوية، لكن ما هو موجود في الميدان يؤكد أنه وللأسبوع الثالث لا تزال العديد من العائلات تلهث وراء البحث عن الكتب خاصة العناوين الجديدة، وصارت الطوابير أمام نقاط البيع توحي وكأن المؤسسات التربوية تراجعت فعلا عن تسيير هذه العملية. تشهد عملية بيع الكتب بولاية الجزائر، على غرار الولايات الأخرى تذبذبا ملحوظا، حيث لا يزال العديد من التلاميذ في مختلف الأطوار لا يحوزون هذه الوثائق البيداغوجية الهامة، ويقعون في حرج أمام الأساتذة الذين يطالبونهم بإحضارها مما جعل الأبناء يحاصرون أولياءهم لدفعهم نحو اقتنائها، هؤلاء اشتكوا ندرة العديد من العناوين خاصة بمراكز بيع الكتاب والمكتبات المعتمدة، وكذا المؤسسات التربوية التي بدا النقص بها واضحا، بسبب عدم سيطرة المقتصدين على تسيير العملية ونقص الإداريين المسخرين لهذه العملية. أكد لنا العديد من أولياء التلاميذ أن مشكل ندرة الكتاب صارت هاجسهم الكبير هذه الأيام، وأن التسجيلات المدرسية وأعباء الدخول من ملبس وأدوات كانت أهون من رحلة البحث عن الكتاب المدرسي حسب أحد الأولياء ببلدية الكاليتوس الذي ذكر لنا أنه وجد مشقة كبيرة هذا العام في توفير الكتاب لأبنائه، وأنه صار يتنقل من مؤسسة تربوية إلى أخرى لعله يظفر بكتاب، مفصلا بأن ابنه بمتوسطة عيسى مسعودي لم يحصل على الكتب، لكون هذه المؤسسة لم تحصل على حصتها من الكتب، كما أن ابنه الآخر في المرحلة الثانوية لم يتمكن من اقتناء كل الكتب المقررة. وكذلك الأمر بالنسبة للمرحلة الابتدائية، حيث تشهد العديد من المدارس ببلدية الكاليتوس غياب الكتاب بعد تأخر جلبه من طرف المسؤولين على «المأمَن» الذي يوزعها على عدة مؤسسات تابعة له، ويشرف على ذلك المقتصد، وكذلك الأمر بباقي بلديات العاصمة، حيث ذكرت لنا إحدى السيدات التي تقطن بالشراقة أنها اقتنت ما يلزمها من الكتب من مؤسسة تربوية بلدية الدار البيضاء، عن طريق أحد أقاربها بعد أن تعذّر عليها الحصول على ذلك بابتدائية بمنطقة بوشاوي. طوابير ومشادات بمركز التوزيع والمكتبات المعتمدة وقد لاحظنا في الميدان أن العديد من الأولياء القادمين من مختلف بلديات العاصمة، لجؤوا إلى مراكز البيع التابعة للديوان الوطني للكتب المدرسية، بعد أن افتقدوا الكتاب المدرسي بالمؤسسات التربوية لبلدياتهم، وفي زيارتنا لمركز الديوان بشارع زيغود يوسف بوسط العاصمة، وقفنا على طوابير طويلة وتدافع بين المواطنين الذين تحمّلوا حرارة الشمس والرطوبة الزائدة للوقوف لساعات بالشارع للحصول على الكتاب، خاصة النسوة اللواتي كان بعضهنّ يحملن صغارهن، وذكر لنا بعض الأولياء المنتقدين لهذه الوضعية أنهم مضطرون لشراء الكتب لأبنائهم للتخلص من هذا الهاجس الذي صار يتكرر بداية كل سنة، وقد وصلت حدة التدافع إلى حدوث مشادات وشجارات بين المواطنين مما جعل أعوان الشرطة يتدخلون لإعادة الأمور إلى مجاريها. المخزون خفّف بعض المتاعب.. أما ببلدية المحمدية، فذكر لنا أحد مديري المتوسطات أن مؤسسته لم تشهد أي نقص في هذا المجال ما عدا كتب الجيل الجديد، وأن لجوء مديرية التربية لترك مخزون الكتب الموجودة منذ العام الماضي، بالمؤسسات التربوية سهل العملية، وخلّص المؤسسة من حالة الندرة، على خلاف السنوات الأخرى التي كان خلالها مخزون الكتب يعاد إلى «المأمَن» ومنه إلى الديوان في آخر السنة، ليعاد مرة أخرى تسليمه من جديد، بعد إجراء العمليات الحسابية مما يستغرق وقتا أطول وهو ليس في صالح الأسرة التربوية خاصة المتمدرس. النقابات تعترف بالنقص وتنتقد المقتصدين ووصف مزيان مريان، رئيس النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني «سنابست» هذه الوضعية بأنها لا تطاق، مشيرا إلى أننا صرنا كل سنة نعيش نفس السيناريو، وأنه رغم أن الوزيرة قالت للنقابات في آخر اجتماع إن الكتاب تم توزيعه بنسبة 93 بالمائة إلا أننا في الميدان نجد الأولياء يعانون من عدم عثورهم على الكتاب، ويجدونه في السوق الموازية بأثمان باهظة، مؤكدا أن الحل في يد المقتصد الذي يجب عليه الحرص على بيع الكتب مثلما كان عليه الأمر في الماضي. أما محمد حميدات، الأمين العام للنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الابتدائي، فذكر لنا أن المشكل لم يعد خافيا وأن النقص موجود فعلا في الميدان، من خلال شكاوى الأساتذة والأولياء على حد سواء قائلا: «الكل في حيرة، وأن أي تهاون أو تأخر من طرف المقتصدين المقصرين، أو ضحايا نقص الأعوان المسخرين للعملية، يترتب عليه النقص في وصول الكتاب إلى «مآمن التخزين»، ومنه إلى المؤسسات التربوية». مضيفا أنه إذا كان النقص موجودا في المناطق الحضرية، فإن الأمور معقدة أكثر بالمناطق النائية التي تعاني من عدة نقائص خاصة أمام تقاسم تسيير المؤسسات الابتدائية بين مديريات التربية والبلديات التي لم تعد قادرة على التحكم في الأمور. وفي نفس السياق ذكر لنا مدير إحدى المدراس الابتدائية بغرب العاصمة، أن حتى الكمية التي تصل إلى المدارس غير كافية بالرغم من الإحصائيات التي سلّمت للمديرية في آخر السنة الدراسية، والمشكل حسب محدثنا أن قائمة الكتب الناقصة أو المطلوبة يقدمها مدير المدرسة للمقتصد الذي يقوم بدوره بتوفيرها بحكم توفر الإمكانيات لديه، غير أن المقتصد يرفض توفيرها وإيصالها للمدرسة، فيقوم المدير بنفسه وبسيارته الخاصة -إن كانت له سيارة- بجلبها في ظل تراكم المشاكل من تسجيلات وتحويلات واستقبال الأولياء. لا مجيب بديوان المطبوعات المدرسية بالعاشور لمعرفة مواقع الخلل في سلسلة التوزيع، انتقلنا إلى مقر المديرية العامة للديوان الوطني للمطبوعات المدرسية بالعاشور، لإعطائنا بعض التوضيحات، وتم استقبالنا والاطلاع على وثيقة «الأمر بمهمة» وطلبوا منا الانتظار لقرابة ساعة من الزمن، لنجد أنفسنا بعد ذلك مضطرين للعودة دون أن نجد أي مسؤول بإمكانه أن يحدثنا عن المشكل، لأن المسؤولين كان بعضهم يحولنا إلى الآخر دون جدوى، ولاحظنا خلال تواجدنا بالقرب من مطبعة الديوان أن عملية الطبع جارية دون توقف بما يوحي بأن المشكل غير موجود. الخلل إذاً في سلسة التوزيع يا ترى؟.