التقت «المساء» بالشاعر العراقي المقيم في وهران، الدكتور المتخصص في الفيزياء النووية، عبد الكاظم العبودي، على هامش مشاركته مؤخرا في الملتقى الدولي للشعر بالبليدة، وأجرت معه حوارا، ركزت فيه على علاقته الوطيدة بالجزائر وعلى إعلانه الوشيك عن تنظيم جائزة دولية حول أفضل الأعمال الإبداعية التي تتناول التجارب النووية في رقان، فكان هذا الحوار: ❊ أولا، كيف حال العراق الجريح؟ — سعيد بحديثي إلى جريدة «المساء»، خاصة أنني الأمين العام للجبهة الوطنية العراقية، أي جبهة التحرير. أما عن المأساة التاريخية التي يعيشها شعبنا، أقول إن ذلك ناجم عن إرادة دولية كبرى عملت على عرقلة مجهود بلد كاد أن يكون عظيما، وجربت كل وسائل الجريمة من قتل وافتعال معارك جانبية وحصار، ثم غزو وقتل. لا أعتقد أن ثمة مأساة على الأرض مورست على شعب من الشعوب بقدر ما يتعرض له شعبنا، لكن قدر العراق أن يكون مقاوما، فليست هي الغزوة الأولى ولا الأخيرة، وأعتقد أن في داخل كل عراقي مورثة أو «جينة»، بأنه رجل حضارة وشعب تواق في أن يعيد الاعتبار لثقافته وتاريخه عبر كل العصور. شعبنا اليوم يمر أيضا بمرحلة صعبة، لكن إرادة المقاومة تتجسد في كل عناصر الحياة، خصوصا أن الذين جاء بهم المحتل بعد عام 2003 قدموا نموذجا سيئا ليس للعراقيين فحسب، وإنما للإنسانية جمعاء. وبعد 14سنة، تجسد فعلا ما يسمى بالفوضى الخلاقة التي وضعتها الإدارة الأمريكية. هذا واقع العراق، لكن رغم كل الآلام، نقول في العراق «الشجاعة وجع ساعة» والساعة في العراق ليست قصيرة، ربما عشرات السنوات، لأن تاريخ العراق الحضاري يمتد إلى أكثر من عشرة آلاف سنة حضورا، من الكتابة والإبداع والقوة وبناء الإمبراطوريات الضخمة، فأربعة عشر سنة هي عبارة عن ومضة تاريخية قصيرة. ❊ كيف يُعبر الإبداع عن معاناة العراق؟ — في داخل كل منا شجن عراقي، هناك كتابات كثيرة وجيل إبداعي وشعري وتشكيلي تمكن من التقاط الحالة، وعبّر عن حالة التوتر إبداعيا. لا أتمكن من أن أحصي عدد الأصوات الشاعرية العراقية، بقدر ما كانت للعراق الريادة في الكثير من مجالات الثقافة والإبداع، أذكر قمم الشعر؛ الزهاوي والرصافي والجواهري وحافظ جميل، وأسماء أخرى من القصيدة العمودية، ومنه امتداد لنازك الملائكة وسعد يوسف وعبد الوهاب البياتي. كما أعتقد أن حضورا واحدا من القامات العراقية وهو الأستاذ حميد سعيد في هذا الملتقى، دليل على ذلك. الدكتور غنى للجزائر وسبق أن زارها سبع مرات. إضافة إلى مشاركة شعراء آخرين من بينهم محمد نصيف وأنا المتحدث ، كلنا عبارة عن عينة بسيطة جدا بحكم الظروف وإمكانيات الملتقى، لكن سدد الفراغ شعراء جزائريون من خلال تقديم قصائد نيابة عن الشعراء العراقيين، حتى في الملتقى السابق كان الحضور عراقيا بامتياز، نعم قلب الأمة العربية يعيش بين رئتين هما العراقوالجزائر. ❊ هل يعود الشعر بقوة حينما تكثر المآسي؟ — أنا دكتور متخصص في الفيزياء النووية، اشتغلت على نظرية الكم، في الحال العام، هناك مستوى طاقوي ينفعل بالإجهاد، أقصد أن ما يعيشه الشعب العراقي عبارة عن ضغوط كبيرة جدا، لو كانت على شعب غير واع لأدت به إلى الجنون، فالواقع لا يمكن العيش معه بالعقل السليم. هكذا واقع العراق يُعبر عنه بأشكال كثيرة، لهذا أعتقد أن الحركة الثقافة العراقية رغم محاولة الاحتلال ومسخها بطريقة أو بأخرى، عبرّت بجهودها عن الواقع. أقول أيضا إنه على مستوى الجبهة العراقية الوطنية، لدينا هيئة للكتاب والفنانين والشعراء والإعلاميين. حقيقة، أجد في هذه الهيئات ما يذكرني بجبهة التحرير الوطني من 1954 إلى 1962، فقد كانت تصنع بانتصاراتها حافزا للغناء والزهو. ❊ حدثنا عن مسارك في عالم الشعر، وبالأخص اهتمامك العميق بالشعر الجزائري؟ — كتبت 12 ديوانا شعريا، إلا أنني لا أجد أفضل مما أصدرته سنة 1994، والمتعلق بأول بيبلوغرافية الشعر الجزائري، حيث جمعت كل القصائد التي قيلت في حق العراق إثر العدوان الثلاثيني على العراق سنة 1992، واعتبر كتابي «أم المعارك في ديوان الشعر الجزائري»، أحد المراجع الأساسية في دراسة الوجدان الجزائري حتى في الولاياتالمتحدة. وعن هذا الكتاب، أكثر من ست أطروحات دكتوراه وأكثر من 12 أطروحة ماجيستير، وهو عبارة عن عربون محبة لشعراء الجزائر والبلد، كذلك قدمته تقديما علميا، بيوغرافيا، زائد مقدمة خاصة، لماذا قال الشاعر الجزائري قولته هذه، والديوان «أم المعارك»، هو مقابل جميل آخر لشعراء العراق الذين كتبوا عن الثورة الجزائرية وجمع القصائد الأستاذ الدكتور عثمان سعدي في كتاب وأطروحاته للدكتوراه، بعنوان «الثورة الجزائرية في الشعر العراقي الحديث»، وقد تحصل بفضل عمله هذا على دكتوراه سنة 1976 في جامعة دمشق. إذن جميع الشعراء العرب ساهموا وكتبوا وغنوا للثورة الجزائرية، في المقابل أقول إن جميع الأصوات الشعرية الجزائرية التي نسمعها من التسعينات إلى اليوم، كتبت عن العراق، وحتى في هذا الملتقى، كان الوجدان الجزائري موجودا. ❊ علاقتك بالجزائر تتعدى الشعر والتدريس فيها، حدثنا عن نضالك في قضية التجارب النووية في منطقة رقان؟ — أنا متحصل على دكتوراه دولة اختصاص فيزياء نووية، والشعب الجزائري يعرفني جيدا لأنني أكتب منذ 25 سنة عن رقان، حيث كشفت النقاب عن 58 انفجارا نوويا في الصحراء الجزائرية، وأتابع هذا الملف على المستوى العالمي. وليّ الفخر أن أكون الخبير النووي رقم واحد في العالم الذي كتب عن مأساة رقان وتمنراست، وفي هذا السياق، أعلن عبر منبر جريدة «المساء» عن تنظيمي لجائزة دولية باسمي حول أفضل الأعمال الإبداعية شعرا أو تشكيلا أو سينما تخلد المأساة التي عاشها الجزائري، وهو يعاني من التجارب الكيمياوية والنووية وجرائم الاستعمار. فكما تحتفي هيروشيما برصيدها الغزير من الكتابات العالمية التي خلدت المأساة وأدانت الحرب والعدوان والمخزونة في مكتبة، أريد أن يكون للجزائر نفس الشيء، لهذا أدعو كل الفنانين التشكيليين والسينمائيين والُكتاب إلى المشاركة في هذه المسابقة لتخليد هذه المأساة، وإدانة الحرب النووية والكيماوية والبيولوجية. ❊ هل تأسيسك للجائزة مرده أيضا الكتابات الإبداعية القليلة عنه؟ — زرت هيروشيما، وأكثر ما شدني فيها كما ذكرت سابقا الأعمال التي خلدت الواقعة، في حين أن الأعمال التي وصفت رقان قليلة جدا. أذكر رواية «اسكرام» لوزير الثقافة السيد عز الدين ميهوبي، تناول فيها الجانب النووي، إلى جانب ترجمة سعيد بوطاجين لعمل رائع تحت عنوان «رقان حبيبتي»، إضافة إلى بيت أو بيتين للشاعر الكبير محمد العيد آل خليفة، وحتى مفدي زكريا. ومع ذلك، الشعر الجزائري لم يتناول لا مأساة رقان ولا تمنراست ولا وادي الناموس ولا غيرها، بالتالي سأرد الجميل للجزائريين، من خلال إشراك المجتمع المدني والعالمي في هذه المسابقة التي أريدها أن تكون ذات طابع إنساني عالمي، يشارك فيها علماء وفنانون وكُتاب. نعم أستنكر بشدة السياسة الفرنسية الاحتلالية التي لم تتردد عن ضرب الجزائر نوويا، نعم 50 انفجارا نوويا على مدار سبع سنوات ونتائجه تدوم طويلا جدا، هل تعلمين أن أول من استعمل كلمة «هولوكوست» المستعمر الفرنسي قبل النازية بمائة سنة، حينما أحرقت قبيلة أولاد رياح التي تقع في العشعاشة بمستغانم بأكملها، فقد كتب العقيد بيليسي تقريرا للجنرال بيجو، يقول له فيه بأن ما قاموا به هو «هولوكست»، وهكذا وردت في ثنايا أول تقرير فرنسي إجرامي. أما الكيميائي فاستمر للأسف إلى سنة 1976 في وادي الناموس، وفي هذا السياق كتبت ستة مؤلفات عن النووي، من بينها «ربيع رقان الجرائم الفرنسية في الصحراء الجزائرية» الذي يعتبر مرجعا عالميا. كما أعلن عن أنه سيصدر قريبا أول كتاب إلكتروني سيكون في متناول كل القراء، ليتحول بعدها إلى ورقي، وهو عن «المحرقة النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية». لهذا أدعو الكتاب والفنانين والنقاد إلى الاهتمام بكتابة مأساة الإنسان الجزائري المقيم في هذه المناطق. هل تعلمين أن 150 ألفا منهم يحملون في جيناتهم مستوى الهندسة الوراثية مورثات قابلة للتسرطن والموت والتشوهات الخلقية والشيخوخة؟... الجريمة الفرنسية مستمرة إلى ال24 ألف سنة القادمة.