أخذت ظاهرة التسول خلال الآونة الأخيرة، مظاهر ومنحنيات عديدة، عمادها الاستعطاف لاستمالة أصحاب القلوب الرقيقة واستنزاف جيوبهم، حيث يلعب بعضهم على وتر البعد عن الأهل أو القدوم من مناطق بعيدة والرغبة في العودة إلى البيت في غياب المال. والغريب في الأمر أن هناك من يمتهن هذه الحرفة مع أفراد عائلته لجعل درجة الاستعطاف عالية، ومنه جني أكبر قدر من المال. ابتكر المتسولون طرقا وحيلا جديدة لاستعطاف الناس، بهدف جمع المال بكل سهولة وأريحية، كذرف دموع أو تغيير نبرات الصوت وجعل الأنين يغلب عليه، وهي سلوكات يلجأ إليها البعض لجعل المنظر أكثر واقعية وإثارة إلى أن يتمكن من أخذ ما يريده متنقلا من شخص لآخر. طرق مبتكرة في هذا الشأن، توجهت "المساء" إلى بعض الأحياء لرصد آراء المواطنين في الموضوع، فكانت الوجهة شارع "ديدوش مراد" بالعاصمة، الذي اتّخذه كثير من الانتهازيين مساحة لاستغلال "ضحاياهم". أكدت الشابة العشرينية هاجر أنها تعرضت لهذا الموقف، حيث استوقفتها فتاة ترتدي ثيابا أنيقة مدعية أنها تائهة ولا تملك المال للعودة إلى بيتها، وقد تفاجأت عند رؤيتها في اليوم التالي بنفس المكان مرددة نفس العبارات، تقول محدثتنا: "لكنني ذكّرتها بما صدر منها بالأمس؛ ألم تعودي إلى بيتك؟ وماذا عن المبلغ الذي أخذته البارحة؟". وتواصل هاجر ساردة ما وقع حينها: "احمرّ وجهها خجلا من الموقف الذي وضعت نفسها فيه". من جهته، قال الشاب عادل إنها طريقة جديدة ابتكرها بعض الأشخاص من أجل الحصول على المال، حيث يتوقفون في الأماكن التي تعج بالمارة خاصة بمحطات المسافرين، مشيرا إلى أن هذه الطريقة المستحدثة في التسول لم تقتصر على النساء بل أصبحت سيناريو تكرّره بعض الأسر كاملة الأفراد؛ إذ صار الأبناء يبدعون فيها أيضا. أما السيدة عائشة فقد أشارت في معرض حديثها إلى أنه صعب عليها التفريق بين المخادع والمحتاج، مضيفة: "أصبحنا نقع ضحايا هؤلاء المتصنعين وأقاويلهم الدرامية، فهناك جزائريات يقلّدن السوريات في اللباس واللهجة بغية الحصول على الصدقة. وكلنا يعرف أن إخواننا السوريين أحق بهذه الصدقة من المنتحلين المتحايلين". الرضّع والأطفال لتجاوب أكبر أشار بعض المواطنين في حديثهم مع "المساء"، إلى أن المتسولين يستعملون أداة ضغط فعالة على القلوب، وهي الرضّع لاستمالة الرهيفة منها والحانية للتصدق، حيث تردد المتسولات اللواتي يحملن بين أذرعهن رضّعا أو أطفالا صغارا، يردّدن على مسامع المارة الحاجة إلى شراء الحفاظات والحليب، ليرقّ قلب الشخص على الصغير؛ يقول فؤاد: "لاحظت أن بعض المتسولات يغيّرن الأطفال؛ مما يؤكد أنهم ليسوا أبناءهن". التراويح فرصة من ذهب في نفس السياق، أكد بعض المواطنين في معرض حديثهم أن من بين الأماكن التي ينتشر فيها المتسولون بكثرة خلال شهر رمضان، أبواب المساجد والطرقات المؤدية إليها، خاصة أثناء صلاة التراويح بعدما كانت مقتصرة طوال السنة على يوم الجمعة فقط، مشيرين إلى أن هناك ما يدعو إلى الشك في نية المتسولين، خاصة أن بعضهم يمتلك هواتف نقالة حديثة وباهظة الثمن ولا يمكن لذوي الدخل المتوسط امتلاكها. وأشار أمين إلى أن أغلب المتسولين يرفضون أن يقدَّم لهم الطعام ويطالبون دوما بالنقود، مستعملين حجة المرض وحاجاتهم إلى شراء الدواء من خلال حملهم وصفات طبية بالية. على صعيد متصل، أكد الأستاذ محمد فركوس شاكر، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الخروبة، أن الإسلام رفض التسوّل، وفرض على الأغنياء الزكاة والصدقات لرعاية الفقراء، مشيرا إلى أن ما نراه في شوارعنا خاصة أمام المساجد والأماكن المقدسة من احتراف البعض مهنة التسول، يُعدّ مخالفا للشريعة، حيث قال إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد توعّد من يتسوّل دون حاجة، بنزع لحم وجهه يوم القيامة، مشيرا إلى أن أموال الصدقة والزكاة تُعطى للمحتاجين حتى لو كانوا متسولين، أما من يمتهن مهنة التسول فيجب أن لا نشجعه على أكل أموال الناس بالباطل، وهذا ما يستدعي ضرورة تنظيم العلاقة بين الغني والفقير.