تم تشريع الأذان للصلاة في المساجد وبدأ العمل به في رمضان من السنة الأولى للهجرة، (623م) فقد كان من الصعب على الصحابة والمؤمنين آنذاك معرفة مواقيت الصلوات الخمس، فقد كان المسلمون يصلون خفية في شعاب مكة وقت الضعف والاضطهاد، وبعد هجرة الحبيب - صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة واستقراره بها بنى مسجده المبارك واجتمع شمل المهاجرين والأنصار وارتفع لواء الإسلام، وأصبح المسلمون يجتمعون في المسجد للصلاة، وكانوا يأتون وقت الصلاة بدون إعلام فيصلون وينصرفون. تشاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه لإيجاد شيء يُعْلِم الناس بدخول الوقت لأداء الصلاة، فقال بعضهم نرفع راية إذا حان وقت الصلاة ليراها الناس، فاعترضوا على هذا الرأي بأنه لا يفيد النائم ولا ينبه الغافل. وقال آخرون نشعل ناراً على مرتفع من الهضاب، فلم يقبل هذا الرأي أيضاً. وأشار آخرون ببوق وهو ما كانت اليهود تستعمله لصلواتهم، فكرهه الرسول - صلى الله عليه وسلم- لأنه كان يحب مخالفة أهل الكتاب في أعمالهم. وأشار بعض الصحابة باستعمال الناقوس وهو ما يستعمله النصارى فكرهه الرسول - صلى الله عليه وسلم- أيضاً، وأشار فريق آخر بالنداء، فيقوم بعض الناس إذا حانت الصلاة وينادي بها فقبل هذا الرأي. عن أبى عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: «اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع النّاس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذّن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك. قال: فذكر له القنع أو الشبور (ما ينفخ فيه لإحداث الصوت)، وقال زياد: شبور اليهود، فلم يعجبه ذلك وقال: هو من أمر اليهود. قال: فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى». ثم تشرف برؤية الأذان في المنام أحد الصحابة الأخيار، وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه ، فأقره النّبي صلى الله عليه وسلم ، وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والقصة بكاملها مروية في كتب السنّة والسيرة. فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لِهَمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأُرِىَ الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال له: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما. قال : ثم أخبر النّبي - صلى الله عليه وسلم فقال له: ما منعك أن تخبرني؟!، فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله، قال: فأذّن بلال .. }} ( أبو داود ). قال ابن حجر: «قال القرطبي وغيره: الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية: وهي تتضمن وجود الله جل جلاله وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد - صلى الله عليه وسلم-، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيداً، ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام». هذه هي قصة الأذان الذي ينطلق به صوت المؤذن خمس مرات في اليوم والليلة في أرجاء الدنيا كلها، ولا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلاَّ شهد له يوم القيامة، كما أخبرنا بذلك النّبي صلى الله عليه وسلم . وفي هذا الحدث من أحداث السيرة النّبوية عِبَر كثيرة منها: أن رؤيا المؤمن صالحة وتحمل البشرى له ولمن رؤيت له، وهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في مخالفة اليهود والنصارى ومشروعية ذلك، وبيان أن المؤذّن صاحب الصوت النّدي أولى بالأذان من غيره، وفضل بلال رضي الله عنه وأنه أول مؤذن في الإسلام.