قدم الأستاذ محمد بوعزارة، أول أمس، بالمكتبة الوطنية، كتابه الجديد "تأمّلات في الثقافة والحياة" عرض في جزئيه عصارة تجربته الإعلامية كصحفي زاول مهنة المتاعب لمدة 40 عاما، وكبرلماني دخل مجال العمل السياسي وعرف عن قرب دواليبه·بوعزارة دافع في هذا اللقاء عن آرائه متحمسا في ذلك لكل ماهو طرح راق وموضوعي بعيد عن الرداءة والببغائية "تأملات في الثقافة والحياة" في جزئين، الأول بعنوان "تأملات في الثقافة والحياة - لصوص التاريخ" والثاني "تأملات في الثقافة والحياة - التجربة والحصاد" وكلا الجزئين يتضمنان مقالات وآراء ومواقف عاشها الكاتب، منها مثلا فكرة الجزء الأول "لصوص التاريخ" التي استوحاها من حادثة اختطاف الرهائن الألمان بالصحراء الجزائرية، والتي أشار الى كونها حادثا مفتعلا لضرب سمعة السياحة واستقرار الجزائر، إذ تبين بعدها أن هؤلاء السيّاح لم يكونوا رهائن بل كانوا مختفين بمحض إرادتهم بعد أن سرقوا قطعا أثرية من الجزائر· وقدّم الدكتور أحمد عظيمي عرضا عن الكتاب متوقفا عند فكرة فصل الجانب الثقافي عن الجانب السياسي في هذا الكتاب وكلا الجزئين امتداد للآخر وكلاهما يتناول قضايا الثقافة والإعلام والسياسة وتصب كلها في إطار الاتصال بمفهومه الشامل· في "التجربة والحصاد" يقدم المؤلف تجربته في الحياة وهي تجربة شيقة، بدأت منذ ولادة الكاتب تحت وطأة الاستعمار في سنة 1949 بحي "بلكور" الشعبي الذي كان يعيش زخما في هذه الفترة· وبعد مرور شهر على ولادة بوعزارة انتقلت عائلته الى بادية الأغواط ولم تعد منها إلا بعد مرور 12 سنة، ليقرر الوالد إدخال ابنه الى مدرسة ببلكور ويسخر منه مديرها قائلا له "ابنك أصبح شيخا" ليلتحق الطفل بالتعليم الحر الى أن أتم دراسته العليا ويلتحق بالعمل الإعلامي في الإذاعة الوطنية والتلفزيون وفي العمل الحزبي كمناضل في الأفلان· يصف الأستاذ بوعزارة تجربة جيله "بفن غير الممكن" والتي بنيت على الإرادة وحدها في غياب كل الإمكانيات ولم يفشل هذا الجيل لأنه استطاع فرض سيادة الجزائر المستقلة بعدما فرضتها دماء الشهداء قبل 1962· يصف الكاتب هذه المرحلة من الاستقلال ب "الصعود الى العظمة"، ويصف العشرية السوداء ب "النزول الى الظلامية"· يقف الكاتب عند هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الجزائر وكيف أنه كان "يحلم" بالدخول الى مقهى في أي حي أو مدينة ويرتشف فنجان قهوته دون خوف، وكيف أنه كان يشتاق الى عبور حي القصبة دون رعب، ويتجول في حي بلكور مرفوع الرأس كما كان· ما يميّز الأستاذ بوعزارة تحيّزه الواضح للصحفي بداخله أكثر من تحيّزه للسياسي، وهو مقتنع بأن الصحفي عكس السياسي عليه أن لا يمسك العصا من الوسط لأن ذلك لا يمثل اعتدالا· الكتاب هو أيضا موسوعة أسماء لامعة من تاريخ الجزائر خاصة بعد الاستقلال عايشها المؤلف، علما أنه لم يتعرض بسوء لبعض الشخصيات التي يختلف معها بل ولا يذكرها بشكل صريح· "لصوص التاريخ" يوحي بفكرة كتاب "نهاية التاريخ" "لفوكو ياما" وهي سرقة لذاكرة الشعوب والأوطان وهيمنة العولمة المتوحشة، ويحرص الأستاذ بوعزارة على أن يعرض أفكاره بلغة راقية تكاد تختفي عن الوسط الصحفي، موظفا فن المقالة في أجمل صورة·للتذكير، فقد حضر اللقاء جمع من الوجوه السياسية والبرلمانية والأدبية ناقشت الكاتب في عديد القضايا· *