لم تستطع السلطات الفرنسية التزام الصمت حيال التصريحات النارية التي أدلى بها الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، بخصوص المظاهرات الاحتجاجية التي يشنها "الصدريات الصفر" منذ شهر رفضا لقرار الحكومة برفع أسعار الوقود. وعكست تصريحات وزير الخارجية، جون ايف لودريان، درجة التذمر في أعلى هرم السلطة الفرنسية من تصريحات الرئيس الامريكي عندما نصحه بعدم حشر أنفه في القضايا الداخلية لفرنسا. وقال لودريان "أنصح دونالد ترامب وهو ما أكده له الرئيس ماكرون أنه بما أننا لا نتدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية،، فاتركونا لحالنا.. ونأمل أن يكون تعامل الأمريكيين معنا بالمثل". وكان الرئيس الامريكي أكد في رسالة نصية على موقع تويتر تعليقا على أحداث العاصمة باريس أنه "يوم حزين جدا بعد أن قام فرنسيون بسطاء بالتظاهر ضد سياسة الرئيس ماكرون". وجدد ترامب مطالبه بوضع حد للعمل باتفاق المناخ الموقع في باريس شهر ديسمبر سنة 2015 والذي سبق وان أعلن انسحابه منه بمجرد وصوله إلى سدة الحكم في البيت الابيض. ولم يكتف الرئيس الامريكي بذلك فقط وراح يصف ما يجري في العاصمة الفرنسية بكثير من التهويل "إن المظاهرات والمواجهات اندلعت في كل مكان من فرنسا والمتظاهرون يرفعون شعار "نريد ترامب" وختمها "أحب فرنسا". وطعن لودريان في صحة ما كتبه الرئيس الأمريكي وقال إن "الصدريات الصفر" لم يتظاهروا بالانجليزية والأكثر من ذلك فإن الصور التي كان يتحدث عنها ترامب هي في الحقيقة لمواطنين بريطانيين رفعوها خلال زيارته الأخيرة الى المملكة المتحدة قبل عدة أشهر. وجاءت تصريحات الرئيس الامريكي لصب الزيت على علاقات عرفت تدهورا كبيرا في الأشهر الأخيرة بسبب المواقف التي ما انفك يبديها الرئيس الامريكي تجاه نظيره الفرنسي بلغت في عدة مرات درجة التهكم والتقليل من قيمته في أوساط الشعب الفرنسي. وفي انتظار تطورات هذه العلاقة مازالت أحداث باريس تستقطب الاهتمام الدولي ،حيث بقي العالم طيلة نهار أمس ينتظر مضمون الخطاب والإجراءات التي سيتخذها الرئيس ماكرون بخصوص القبضة المحتدة بين حكومته و«الصدريات الصفر" الذين صعدوا مواقفهم في رابع سبت من المظاهرات الاحتجاجية التي تعرفها فرنسا من اجل إلغاء القرارات الخاصة برفع أسعار الوقود. ووجد الرئيس الفرنسي نفسه محاصرا بين ضغط المحتجين والمعارضة السياسية وعجز الميزانية العمومية التي حتمت عليه رفع أسعار الوقود مما جعله يفشل في كيفية إيجاد مخرج لهذا المأزق السياسي طيلة شهر من احتجاجات تسير في منحنى تصاعدي من أسبوع الى آخر. وهو الفشل الذي أدى الى تهاوي شعبيته في اقل من عامين منذ توليه مهامه الرئاسية بعد أن اتهمه الناخبون الفرنسيون بعدم الإيفاء بوعوده بإعادة النظر في كثير من القضايا التي تهم الشرائح الهشة في المجتمع الفرنسي. والمؤكد أن القرارات التي ينتظر أن يتخذها الرئيس ماكرون ستذهب حتما في سياق رغبته الملحة في تهدئة الوضع العام وتفادي الأسوأ إن هو أراد المحافظة على السلم الاجتماعي الذي يوشك أن ينهار في حال لم يسارع الى اتخاذ إجراءات استعجالية لتفادي الكارثة.