حبهم لفرقهم يفوق كل الحدود، مناصرتهم تتعدى كل التصورات، هم مناصرون ليسوا كالآخرين، فهم لا يتركون لا صغيرة ولا كبيرة تفوتهم، يتابعون كل لقاءات فرقهم ونتائجها وكل المعلومات الخاصة بها، هؤلاء مشجعون لمختلف الأندية، وكل منهم لديه فريقه المفضل (الحاج اسماعيل)، (عمي عثمان)، (بوعلام. ق)، (رشيد. أ)، (زهير. ب)، (زينو) و(محمد. س).. عينة من هؤلاء "المهلوسين" بكرة القدم وبأندية تعد بالنسبة لهم، أكثر من مجرد فرق رياضية. هؤلاء لا يعترفون لا بالمخاطر ولا بالحدود، ولا يمنعهم أي شيء عن متابعة مباريات الفرق التي يحبونها، فهم يتنقلون الى أبعد الأماكن ويشجعون أنديتهم بكل إمكانياتهم، المادية والبدنية، حتى وإن تطلب الامر المخاطرة بحياتهم في بعض الاحيان أو خسارة الكثير من المال.. ليس هناك أي موضوع يستهويهم أو يثير اهتماماتهم سوى الحديث عن الفريق الذي يحبونه، حتى أصبح العديد منهم يلقبون بأسماء أنديتهم التي يناصرونها، كمراد JSK، موح مولودية، سليم "بوريسيا"، سمير USMA فريد RCK.. إلخ... الحاج إسماعيل أحد هؤلاء، فهو من بين المناصرين الأوفياء لفريق شبيبة القبائل، رغم أنه من سكان حي سوسطارة المعروف بمناصرته لاتحاد العاصمة، وفاؤه لألوان الفريق القبائلي يجعله فريدا في هذا الحي، لقب بالحاج لأنه زار البقاع المقدسة يقول: "صدقوني لا يمكنني أبدا أن أضيع أي لقاء تجريه شبيبة القبائل، فكما ترون أنا على استعداد الآن للذهاب الى البليدة".. كان ذلك صبيحة لقاء اتحاد البليدة - ش. القبائل، ليضيف الحاج اسماعيل: "اليوم لن أذهب الى العمل، فالشبيبة ستعلب وبالتالي لابد أن أتابع هذا اللقاء في المعلب"، ليروي لنا قصته مع انصار اتحاد البليدة الذين ألحوا عليه بالمجيء : "لقد تلقيت عدة مكالمات من مناصري اتحاد البليدة، الذين ألحوا علي لحضور هذه المباراة، تصوروا أنه سبق لي وأن تشابكت مع هؤلاء في الماضي، والآن أصبحوا اصدقاء لي". وعادة ما يرافق الحاج أحد الشبان الذي هو الآخر "مهلوس" بفريق الشبيبة (زهير. ل)، الذي لديه قصة غير عادية، حيث طرد من المدرسة وترك مقاعد الدراسة، لا لشيء، سوى لأنه لا يريد تضييع أي لقاء يلعبه فريقه المفضل، فالغيابات المتكررة لهذا الفتى يومي الإثنين والخميس كلفته غاليا، وجلعته يحول الى الحياة العملية، لكن رغم هذا فإن زهير غير قلق.. مؤكدا أنه يبقى يتابع دائما فريقه، وأنه سيتنقل الى تيزي وزو لمتابعة المباريات، كلما سمحت له الظروف. "كرة القدم أفيون الشعوب".. هذه المقولة تنطبق فعلا على المناصرين في الجزائر، الذين يبقى همهم الوحيد ما تحققه فرقهم وأخبار لاعبيها، ومن سيلعب اليوم ومن قام الفريق بجلبه لتدعيم الصفوف ومن سيقوم بجلبه خلال "الميركاتو" أو في نهاية الموسم الرياضي، هذه هي المواضيع التي تدور حولها النقاشات عند هؤلاء المناصرين المنتشرين في معظم الاحياء، والذين لا يتكلمون عن أي شيء آخر، سوى كرة القدم، فهم يتصفحون كل الجزائد المتخصصة أو غيرها، باحثين عن أية صغيرة أو كبيرة تخص ناديهم المفضل، ومنهم أيضا من لا يكتفي بالتنقل الى المعلب لمتابعة المباريات فقط، بل يصل الامر بهم الى حد متابعة مختلف الحصص التدريبية لفريقهم المفضل، هذا حال الفتى (سمير. ن) الذي لا يتعدى سنه 14 سنة، والذي هو الآخر ترك مقعد الدراسة، فهو دائم الحضور في ملعب أول نوفمبر بتيزي وزو، هذا الشاب اصبح محبوب اللاعبين، وكان لاعبه المفضل سليمان رحو لما كان في شبيبة القبائل وارتبط حبه للفريق بحبه لهذا اللاعب، والغريب أن هذا الشاب، تحولت مناصرته لشبيبة القبائل، الى فريق وفاق سطيف بعد تنقل رحو الى تشكيلة "الكحلة".
مخدرات وشجارات... يوميات المناصرين الحب الكبير للفريق جعل بعض المناصرين، يقومون بتصرفات غير شعورية، مثلما هو حال بعض أنصار مولودية الجزائر أو اتحاد الحراش، الذين يمارسون طقوسا خاصة بهم عند كل مباراة بين فريقيهما، مما يجعل تصرفاتهم غير عادية... كما أعدوا لفرقهم اغاني خاصة وشعارات مشجعة، يرددونها في مختلف الملاعب، وعلى ذكر مناصري هذين الفريقين، فالتطاحن الموجود بينهم والتشاحن الكبير، يجعلهم يشاركون في كل مرة عندما يتقابل الفريقان، "زينو" أحد مناصري مولودية الجزائر، معروف في محيط الفريق، يقول: " لقد كنت عرضة لاعتداء بالملعب في احدى المباريات التي لعبتها المولودية، سبب لي ذلك جروحا بليغة".. لكن رغم ما يتعرض له هؤلاء في العديد من المناسبات من الاعتداءات أو المرض احيانا أخرى مثل حال عمي عثمان من باش جراح، إلا أن وفاءهم يبقى كبيرا لأنديتهم، فعمي عثمان الذي يتعدى سنة 64 سنة، من المناصرين الذين يغمى عليهم عندما يخسر فريقه مولودية الجزائر، فهو يعاني من ارتفاع ضغط الدم ومن داء السكري وفي احدى المرات وعند انهزام فريقه المحبوب ارتفعت نسبة السكر في دمه الى 4.5 غرامات، الشيء الذي أدخله في غيبوبة ونقل الى المستشفى على وجه السرعة يقول: "عندما تلعب المولودية فإنني لا ارى، لا أسمع ولا اتحرك حتى ينتهي اللقاء، تركيزي يبقى فقط على المباراة، ورغم ما يصيبني في كل مرة لدى انهزام الفريق الا أن دمي اخضر واحمر لوني المولودية ولا يمكنني أبدأ أن اتراجع". أما (بوعلام. ق) الذي يناصر اتحاد العاصمة بكل جوارحه، فإنه عند انهزام الفريق، لا يجب لأي كان في البيت الحديث معه، لأنه سيفرع شحنة غضبه في عائلته، وطالما قام بضرب زوجته لأن الاتحاد انهزم، لكن مزاجه يتغير عندما يفوز فريقه، حيث يدخل على زوجته وأولاده دائما بعلبة حلويات أو أي شيء آخر يفرح به أهل البيت.
الفوز فرحة.. والانهزام نكسة الفوز يصنع الفرحة والانهزام يعد نكسة، هذا ما تعيشه معظم ملاعبنا في الجزائر، ف"المهلوسون" بنواديهم لا يعترفون أبدا بالحدود ولا بالقوانين، فكثيرا ما تسببوا في معاقبة فرقهم بحرمانهم من حضور المباريات، وبتغريم الفرق بغرامات مالية كبيرة، تنعكس سلبا على هذه الاندية فكثيرا ما اعتدى الانصار على لاعبين أومدرب أو رئيس الفريق وحتى حكم المباراة، والأمثلة على ذلك كثيرة لأن عدم تقبلهم انهزام ناديهم يجعلهم يتصرفون بعنف دون تفكير في العواقب "نحن لا نتسامح إن انهزم الفريق، خاصة اذا كان ذلك داخل قواعدنا وأمام فرق ضعيفة، فاللاعبون يتقاضون أموالا ضخمة ولا ينقصهم أي شيء، لهذا عليهم أن يبللوا اقمصتهم فنحن نعاني حتى ندخل الملعب وهناك منا من لا يستطيع دفع ثمن التذكرة، لهذا لا نتقبل الانهزام".. يقول مجموعة من مناصري اتحاد الحراش، الذين صادفناهم. ويصل الأمر ببعض المناصرين الى قطع مئات الكيلومترات وحتى الآلاف أيضا، عندما يلعب الفريق خارج الوطن من أجل تشجيعه، وهذا بدفع كل التكاليف، ففي احدى خرجاتنا مع فريق شبيبة القبائل الى الكاميرون تنقل مع الوفد عدد لا بأس به من المناصرين الذين نظموا انفسهم ليقوموا بهذه السفرية، دافعين من جيوبهم كل التكاليف الخاصة بالإيواء... والأمثلة على تنقلات هؤلاء المناصرين كثيرة، كالأوفياء لوفاق سطيف الذين تنقلوا مع فريقهم في عدة مناسبات وبقوة في مختلف المباريات التي لعبها في كأس رابطة ابطال العرب.. وبالحديث عن "المهلوسين" بألوان "الكحلة"، نتطرق الى (محمد. س) أحد المغتربين في فرنسا، فعند تواجدنا هناك لتغطية تربص وفاق سطيف في مدينة فيشي، وجدناه ينتظر الفريق قادما من باريس، قاطعا مئات الكيلومترات، تاركا زوجته الفرنسية التي رفضت هذا الوضع وأدى الامر بهما الى الطلاق: "أموت على الكحلة، فحتى هنا في فرنسا أتابع كل صغيرة وكبيرة عن فريقي، واعرف كل اللاعبين ولا يهمني أي شيء آخر" يقول محمد، الذي بقي طيلة التربص لمدة 21 يوما في فيشي، دافعا كل التكاليف من جيبه تاركا عمله أيضا. ويبقى الملعب وكرة القدم، متنفسا لهؤلاء المناصرين، الذين يعاني الكثير منهم من مشاكل كبيرة، في ظل ما يعيشه المجتمع الجزائري من تناقضات، وينتظر هؤلاء الشبان وحتى الشيوخ مقابلات فرقهم ويتابعون أخبارها بشغف كبير، فليس لهؤلاء ملجأ آخر سوى الملعب لإخراج مكبوتاتهم.