فشل أعضاء مجلس الأمن الدولي فجر أمس في التوصل إلى اتفاق بخصوص مشروع اللائحة العربية لإدانة إسرائيل بسبب الفيتو الأمريكي الذي رفضها لأنه طالب إسرائيل بوقف عدوانها. وفضلت واشنطن الانحياز إلى جانب المعتدي في تحد واضح للمجموعة الدولية ولنداءات كل شعوب العالم التي طالبت بوقف المجزرة الصهيونية ضد المدنيين في قطاع غزة. واعترضت الولاياتالمتحدة على تمرير مشروع اللائحة العربية من أجل الدعوة إلى وقف العدوان الإسرائيلي وطالبت بوقف فوري ودائم للمواجهات ولكن بتغيير جذري للوضع القائم حاليا. وتعد هذه المرة الثانية التي تعجز فيها الدول العربية من تمرير مشروع لائحتها بسبب الموقف الأمريكي الذي اعتبر المجزرة الإسرائيلية بمثابة دفاع عن النفس في انحياز مفضوح إلى جانب المعتدي على حساب الضحية وبمنطق سياسة الكيل بمكيالين. ويبدو أن الإدارة الأمريكية أرادت اللعب على عامل الوقت من اجل التمكين لإسرائيل من تدمير ما تبقى في عمليات القصف الجوي الإسرائيلي والتفاوض من موقع قوة في حال البدء أية ترتيبات للتوصل إلى اتفاق لوقف القتال. وهو ما تصر عليه إسرائيل ومعها واشنطن في محاولة للقضاء على المقاومة الفلسطينية والسعي لاجتثاثها من جذورها في رهان يصعب تحقيقه، خاصة وأن الشعب الفلسطيني تأكد أن العدوان يستهدفه هو وليس حماس ولا أي فصيل آخر. ويعد هذا الموقف الأمريكي بمثابة مؤشر على مصير كل المساعي الدبلوماسية الأخرى التي شرع فيها أو تلك التي سيشرع فيها بداية من اليوم في عواصم المنطقة العربية وإسرائيل. ويمكن القول أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تحرك في إطار مبادرة دبلوماسية تحت عنوان "إيجاد سبل السلم" في غزة سيصطدم بجدار الرفض الأمريكي الذي دعمته إسرائيل بهجماتها البرية ضد الفلسطينيين بعد أن فشلت في عملياتها الجوية التي استغرقت عشرة أيام كاملة دون أن تتمكن من تحقيق الأهداف المتوخاة منها. وعندما نعرف الموقف الإسرائيلي من كل المبادرات الأوروبية في المنطقة والتي عادة ما تنظر إليها إدارة الاحتلال بعين الريبة وتراها واشنطن بأنها مزاحمة لها في مربع تحركها الاستراتيجي يمكن الحكم مسبقا على أن مبادرة الرئيس الفرنسي ستؤول إلى الفشل المحتوم بنفس درجة الفشل التي منيت بها مساعي رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان. وقد اعترفت باريس بهذا الواقع بعد أن اعتبرت أن الهجوم البري الإسرائيلي يعتبر انزلاقا عسكريا خطيرا سيعقد من الجهود المبذولة من طرف المجموعة الدولية "لوقف العدوان الإسرائيلي وإنقاذ المدنيين الفلسطينيين. ويؤكد مثل هذا الاعتراف أن ساركوزي حكم مسبقا على مسعاه وأنه لن يحصل من الوزير الأول الإسرائيلي المقال ايهود اولمرت أي رد لوقف العدوان أما الدول العربية التي سيزورها فلن يحصل منها على أي موقف بعد أن فقدت هامش تحركها وأصبحت في موقع المتفرج على أحداث ضحيتها شعب عربي محاصر ويقتل بدم بارد. والمفارقة أن التحركات الدبلوماسية هذه تتم مع العدو الإسرائيلي وأطراف وعواصم عربية لم تعد لها أي قوة تأثير على ما يجري وتناست حركة المقاومة الإسلامية الطرف الذي يتعين على الجميع التفاوض معه وليس النظر إليه على أنه رقم يمكن تجاهله في أية ترتيبات مستقبلية في الأراضي الفلسطينية وفي كل المنطقة العربية. والمؤكد أن كل تسوية تتجاهل حركة حماس كحقيقة قائمة في قطاع غزة وفي كل الأراضي الفلسطينية تعد بمثابة سياسة هروب إلى الأمام لن تجني منها المجموعة الدولية إلا الفشل المتلاحق. وحتى لعب الورقة السورية في إطار هذه المساعي بقناعة أن دمشق هي التي تقف وراء حركة حماس يبقى تصورا مبتورا ويفتقد للواقعية ولمصداقية الأطراف الدولية التي تزعم البحث عن تسوية سلمية ولكنها في الواقع تبحث على طريقة لإرغام المقاومة الإسلامية وكل الفصائل الأخرى على الاستسلام ورفع الراية البيضاء وهو رهان لا يمكن تحقيقه بعد أن وصلت الأوضاع إلى ما وصلت اليه. وقد أكدت كل الترتيبات السلمية السابقة التي تمت برعاية أمريكية هذه الحقيقة بعد أن قفزت على الواقع الاجتماعي والسياسي في الأراضي الفلسطينية والدليل على ذلك هذه المذبحة المتواصلة في قطاع غزة منذ عشرة أيام والتي سوف لن تكون الأولى ولن تكون الأخيرة مادامت الولاياتالمتحدة تريد تغليب المصالح الإسرائيلية على حساب الحق الفلسطيني.