صادق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أمس على لائحة تبنى من خلالها تقرير القاضي الجنوب الإفريقي ريتشارد غولدستون حول الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين مما يفتح الباب واسعا أمام إمكانية ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين عبر القضاء الدولي. وتبنى مجلس حقوق الإنسان تقرير غولدستون بعد يومين من المناقشات الحادة ومحاولات التأجيل المكثفة التي قادتها حكومة الاحتلال بدعم من بعض الدول الغربية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية الحليف الدائم لإسرائيل. وتمت المصادقة على تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية حول حرب غزة بتصويت 25 صوتا مقابل رفض ستة وامتناع 11 آخرين، في حين رفضت خمس دول من بين 47 العضوة في المجلس من بينها فرنسا وبريطانيا المشاركة في عملية التصويت التي يتم بموجبها رفع التقرير إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة الأممية لمناقشته والمصادقة على توصياته. وهو أمر كان منتظرا من قبل هذه الدول التي طالبت بأن تقوم إسرائيل بفتح تحقيقات في الجرائم البشعة التي ارتكبها جنودها ضد الفلسطينيين في حرب الثلاثة أسابيع والتي أسفرت عن استشهاد ما لا يقل عن 1400 فلسطيني غالبتهم العظمى من الأطفال والنساء، وكأنها تريد من المعتدي أن يعاقب نفسه لتجنبه سياط العدالة الدولية. وإذا كانت المعركة الأولى قد حسمت لصالح الفلسطينيين داخل مجلس حقوق الإنسان فإن معركة أخرى تنتظرهم بمجلس الأمن الدولي الذي تتغير فيه حسابات التصويت من الأغلبية إلى استخدام حق الفيتو مما يعني إمكانية أن يتعرض التقرير لرفض أمريكي يجعله يدفن في أدراج مجلس الأمن. وعقد مجلس حقوق الإنسان منذ أول أمس جلسة استثنائية بطلب من السلطة الفلسطينية وبدعم من المجموعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز إضافة إلى معظم الدول الإفريقية العضوة في المجلس. ورغم أن الجلسة الطارئة كان عنوانها الظاهر بحث وضعية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس الشريف الذي يتعرض لعمليات تهويد متواصلة فإن النقاش تركز بالأساس على تقرير غولدستون الذي كان مجلس حقوق الإنسان قد قرر في دورته العادية قبل أسبوعين تأجيل النظر فيه إلى غاية الدورة المقبلة شهر مارس القادم. وهو الأمر الذي أثار زوبعة غضب عارمة سواء على مستوى الشارع الفلسطيني أو المنظمات الحقوقية والإنسانية التي اعتبرت قرار التأجيل تفريط في حقوق ضحايا المجزرة الإسرائيلية على قطاع غزة وأكثر من ذلك يساهم في تكريس سياسة اللاعقاب التي تسمح في كل مرة لمجرمي الحرب الإسرائيليين بالإفلات من العقاب. وأثارت الموافقة على التقرير ردود فعل متباينة فبينما رحبت بها كل من السلطة الوطنية والفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" وباقي الفصائل الأخرى أعربت إسرائيل عن رفضها للتقرير ووصفته ب"عدم التوازن" وأكثر من ذلك زعمت انه "يضر بجهود إحياء مفاوضات السلام" مع الجانب الفلسطيني. ورغم أن السلطة الفلسطينية كانت قد طلبت في وقت سابق تأجيل التصويت على تقرير "غولدستون" مما أثار انتقادات واسعة فقد دعا أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة إلى "متابعة تنفيذ توصياته بفعالية حتى يكون سابقة تحمي الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحقه." أما المتحدث باسم حركة حماس سامي أبو زهري فقد أكد أن الموافقة على تقرير غولدستون "خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح"، معتبرا أنها تؤكد أيضا على "صحة موقف الحركة حينما أدانت التأجيل السابق لتمريره بناء على طلب السلطة في رام الله". وتخشى إسرائيل أن يؤدي تمرير التقرير في مجلس حقوق الإنسان إلى توفير الأسس القانونية لملاحقة الضباط والقادة الإسرائيليين بتهم جرائم الحرب وهي التي كانت قد هددت رسميا بوقف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين في حال التصويت لصالح التقرير. ويتهم تقرير القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" محتملة في الحرب التي شنتها على قطاع غزة أواخر العام الماضي وبداية العام الجاري، كما يتضمن اتهامات وإن كانت محدودة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة ب"التورط في جرائم حرب عبر قصفها للمدنيين الإسرائيليين".