* email * facebook * twitter * google+ حقق الحراك الشعبي أول مطلب له بعد تقديم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، استقالته وهو ما جعله يحتل صدارة الأخبار عبر كل القنوات الإعلامية الدولية، وتحول إلى موضوع نقاش بالمعاهد المتخصصة في العلاقات الدولية، فلا أحد كان يتوقع أن تلك الدردشات و الدعوات للخروج في احتجاجات عبر صفحات "الفايسبوك" ستتحول إلى سيل من المواطنين حولوا شوارع العاصمة وعدد من المدن الكبرى إلى حشود بشرية، رافعين الراية الوطنية ومطالب موحدة تخص رفض ترشح الرئيس للعهدة الخامسة وتغيير النظام السياسي، محاسبة المفسدين، تحسين الأوضاع المهنية و الاجتماعية للمواطنين. دخل الحراك الجزائري سجل التاريخ، وهو المنظم و المؤطر عبر شبكات التواصل الاجتماعي من طرف فئة من الطلبة ليتحول إلى مسيرات حاشدة بتاريخ 22 فيفري الفارط، وهي أول جمعة خرج خلالها المواطنون بطريقة سلمية وحضارية لرفع مطالبهم للسلطات العليا في البلاد. الكل يتذكر سيارات الشرطة التي اصطفت على طول الشوارع الرئيسية و الأعداد الهائلة من أعوان حفظ النظام الذين خرجوا للشارع بهدف ضبط و تنظيم مسار مسيرة كانت منظمة من طرف المواطنين أنفسهم، فرغم محاولات بعض الشباب المتهور الإخلال بالنظام العام و محاولة نشر البلبلة وسط المتظاهرين كان لهم باقي المواطنين العقلاء بالمرصاد، وهناك حتى من وقف ما بين هؤلاء الشباب وأعوان الشرطة لضمان عدم حدوث مشادات، وهي الصورة التي استقطبت أنظار العالم وكانت مؤرخة عبر فيديوهات وصور التقطها المتظاهرون بهواتفهم النقالة. ومثلما كانت صفحات "الفايسبوك" الشعلة الأولى لجمع المتظاهرين، كانت الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي نقلت الأحداث بالصوت والصورة، وهو ما جعل باقي القنوات الإعلامية الوطنية والأجنبية تتسابق إلى الشارع لنقل المسيرات ورفع مطالب المتظاهرين. هو نفس السباق الذي دخلت فيه العديد من الشخصيات السياسية لمحاولة "ركوب موج الحراك"، ومن منطلق أن المسيرات نظمت وضبطت من طرف المواطنين فقد تم رفض مشاركة كل الشخصيات والأحزاب السياسية، سواء المعارضة منها أو الموالاة، وفضّل المتظاهرون أخذ زمام الأمور بأيديهم والاطلاع على محتوى الدستور لتكون مطالبهم مؤسسة، من خلال الحرص على تنفيذ مطلب تطبيق المادة 102 من الدستور للإعلان عن شغور منصب الرئيس. العلامة الكاملة لأعوان حفظ الأمن والشرطة الصورة التي ستبقى في ذاكرة كل مواطن جزائري، وجعلت القنوات التلفزيونية العالمية تسارع لإرسال مراسليها لنقل أحداث الحراك، هي احتفالات أعوان الأمن بسلمية المسيرة في الجمعة الثالثة، وذلك للرد على شعارات المتظاهرين التي أبكت عددا من أعوان الشرطة ودفعت البعض منهم إلى رفع شعارات مطالب التغيير " الشعب والجيش خاوة خاوة"، "نحي الكاسكيطا و أرواح معانا"، وهي الشعارات التي جعلت أعوان الأمن يشاركون بطريقتهم الخاصة في الحراك من خلال التعبير عن فرحتهم خلال نهاية كل مسيرة عبر الهتاف بحرية وعظمة الشعب الجزائري. على صعيد آخر، كان أعوان الشرطة بالمرصاد لكل محاولات السرقة وتخريب الممتلكات خاصة بعد تسجيل حالات منفردة لعملية حرق السيارات و سرقة خزنة لوكالة بنكية، بالإضافة إلى تخريب محتويات متحف للآثار التاريخية ومدرسة ابتدائية، ليتم توقيف المتسببين في هذه الأحداث في وقت قياسي، وهو ما جعل الحراك يعرف سلمية و تنظيما محكما، مع العلم أن الاحتجاجات لم تنحصر في مسيرات يوم الجمعة فقط، بل نظم العديد من العمال و إطارات الدولة، الطلبة و الأطباء، الصحفيين التابعين للقطاعين العام والخاص، وقفات ومسيرات سلمية طوال أيام الأسبوع لرفع نفس المطالب، مع إضافة مطلب "حرية التعبير" و« فتح المجال للصحافة للتعبير هي الأخرى على مطلب التغيير". الاحتفال باليوم العالمي للمرأة بورود لرجال الأمن المرأة هي الأخرى تركت طابعها بهذا الحراك من خلال مشاركتها إلى جانب أخيها الرجل للمطالبة بتحسين أوضاع البلاد و تغيير النظام، وفي عيدهن العالمي المصادف ل8 مارس من كل سنة والذي تزامن مع الجمعة الثالثة للحراك، أهدت النساء المشاركات في الحراك ومن مختلف الأعمار الورود لأعوان حفظ النظام مخلدات الذكرى في صور تناقلتها كل القنوات العالمية للحديث عن "شعب أراد الحياة فحقق المعجزات". وهناك من النساء من ساهمنّ في تحضير أطباق شعبية للمتظاهرين مع وضع طاولات في الشارع و دعوة المواطنين لتناول وجبة الغذاء في جو عائلي، و هناك من فتحت مساكنهم المطلة على الشوارع الرئيسية لكل القنوات التلفزيونية والمصورين لنقل مجريات الحراك عبر صور أبهرت العالم. 6 جمعات متتالية كانت كافية لخلط حسابات من كان ينوى زرع البلبلة وسط المتظاهرين والتشكيك في قدرات الشعب، الكل كان ينتظر انتشار بوادر الفوضى والتخريب، وهناك من توقع برودة الحراك في أيامه الأولى، لكن إصرار المواطنين على ضبط النفوس وتنظيم المسيرات، مع إشراك الأطباء والممرضين من الطلبة لتقديم الإسعافات الأولية في حالة تسجيل إصابات وسط المحتجين بسبب التطابع والإبقاء على حركة سير السيارات بشكل عادي وسط المتظاهرين و فتح الطريق لسيارات الاسعاف، كلها حالات أعطت نفسا جديدا للمسيرات التي أبهرت العالم، وساهمت في إظهار الجزائريين لصورتهم الحقيقية، فعندما يتعلق الأمر بالوطن والوطنية الكل يقول "أنا جزائري وافتخر"، والكل كان ينتظر وصول يوم الجمعة لإثبات سلمية وحضارية المسيرات التي ميزت العديد من المدن الكبرى. أبناء الجالية بالمهجر يختارون الأحد للمشاركة في الحراك موجة الحراك الشعبي لم تنحصر بالجزائر فقط، أبناء الجالية في المهجر هم كذلك شاركوا بطريقتهم الخاصة في إظهار سلمية الحراك، ونظرا لاختلاف أيام عطلة نهاية الأسبوع فقد قرروا اختيار يوم الأحد للخروج عبر عدد من المدن الأوروبية والأمريكية وكندا للتعبير هم كذلك عن مطالب تغيير النظام، وبنفس التنظيم نظمت وقفات احتجاجية و مسيرات سلمية عبر العديد من الشوارع، وهي الاحتجاجات التي استقطبت العديد من الأنظار وأبهرت أعوان الأمن الذين كانوا هم كذلك من المتفرجين دون تسجيل تجاوزات تذكر. وسائل إعلام فرنسية استغربت سلمية وحضارية الاحتجاجات الجزائرية، في الوقت الذي تعرف فيه فرنسا احتجاجات " السترات الصفراء" في جو طبع عليه الفوضى و التخريب والاعتقالات بالجملة، وهناك من المذيعين من طالب بالاقتداء بالحراك الجزائري للوصول إلى تنفيذ مطالب اجتماعية ومهنية. الحراك كان شعبيا، وقائمة المطالب لم تنفذ كلها، الكل ينتظر مصيره خلال الأيام المقبلة، وهناك من يتساءل إلى غاية اليوم عن الجهة التي كانت وراءه، لكن النتيجة هي أنه كان شعبيا وحافظ على شعبيته بعيدا عن كل التأويلات السياسية، ودفع بجميع الأطياف و الشخصيات إلى مساندته حتى أولئك الذي شككوا في مواصلته وسلميته. وحتى عمليات رفض مشاركة بعض السياسيين و عدد من وسائل الإعلام في الحراك تمت بطريقة حضارية دون إحداث أعمال شغب، كما أن المحلات التجارية التي تعودت على غلق أبوابها في عطلة نهاية الأسبوع فتحتها وعرضت خدماتها على زبائنها من المتظاهرين، والصورة التي تبقى مخلدة هي لمقهي وسط العاصمة يقدم خدماته لزبائنه في الساحة المحاذية للمحل في الوقت الذي يسير فيه المتظاهرون بشكل سلمي في نفس الشارع.