"لاشك أنّ الفضائيات العربية أصبحت تشكّل جزءا أساسيا من مكوّنات النسيج الثقافي للمجتمعات العربية، تتفاعل وتؤثّر في الوجدان ومفاهيم القيم، وتستنفد بما تقدّمه على مدار الساعة من برامج ومواد درامية، مساحة كبيرة من وقت وانشغال الجمهور الواسع، وتستقطب انتباههم، خاصة الشباب والناشئة" . بهذه النظرة المتعمّقة يفتتح الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة "العربي" مواد العدد الجديد من المجلة (602 يناير 2009)، حيث يطرح قضية مؤثّرة في الشارع العربي الآن تحت عنوان "الفضائيات العربية بين التغييب والمسؤولية"، طارحا سؤالا بحثيا مهما يقول "ما الذي تقدّمه الأغلبية العظمى من تلك الفضائيات العربية، وما هو جوهر مضمون المواد التي تبثها، وتشغل بها الأذهان على مدى ساعات اليوم؟" مشيرا إلى الفجوة الواسعة بين ما تقدّمه هذه القنوات، وبين الطموح العربي اليوم في تحقيق التنمية وبناء أجيال من الشباب الواعي المثقف المسلح بالمعارف والعلوم الحديثة. ويرى العسكري أنّ هذه القنوات لا تقدّم في المضمون سوى مواد هزيلة تتّسم بالسطحية واستلاب المشاهد بعيدا عن واقعه ومشكلاته ومصالحه، ثم يتوقّف عند محاولات التغييب العقلي للشباب والنشء، والغياب الفادح للبرامج الثقافية بين البرامج التي تقدّمها تلك الفضائيات، وأهمية أن تسهم أجهزة الإعلام في نقد السلبيات في الذهنية العربية السائدة. ويشير العسكري إلى ضرورة إنشاء قناة فضائية ثقافية عربية، وهو ما سيطلقه قريبا من الكويت وزير الإعلام الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح باسم قناة "العربي"، ويعرِّج العسكري في هذا الصدد على "منتدى الفضائيات والتحدي القيمي والأخلاقي الذي يواجه الشباب الخليجي" الذي عُقد في الدوحة في شهر نوفمبر الماضي وشهده حشد من العاملين في مجال الإعلام العربي والخليجي، وأصدر مجموعة من التوصيات المهمة في شأن تفعيل فكرة اتسام الإعلام الفضائي بالمسؤولية. ومن الإعلام إلى الاقتصاد حيث تشهد الكويت قمة اقتصادية عربية خلال يومي 19 و20 من الشهر الجاري تحت عنوان "القمة العربية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية"، وفي هذه المناسبة يكتب الدكتور عبدالله تركماني عن آفاق الشراكة الاقتصادية العربية، مشيرا إلى ملامح من الواقع الاقتصادي والاجتماعي العربي، وأهمية قيام السوق العربية المشتركة والبعد عن الذات القطرية، والانفتاح على الدائرة العربية، ويكتب الدكتور أحمد جمال الدين موسى عن اقتصاد المستقبل والإصلاح المؤسسي الذي يبدأ بالإصلاح السياسي. وفي باب "مستقبليات" يقول العالم الدكتور أحمد أبو زيد "قد يكون من الصعب التنبؤ في الوقت الحالي بمستقبل الثقافة في أيّ مجتمع، وذلك بعكس ما كان عليه الوضع حتى عهد غير بعيد، وذلك نظرا لسرعة التغيّرات وكثافة الاتصالات بين الشعوب والثقافات وازدياد عمليات الاستعارة الثقافية والتأثير الثقافي المتبادل"، وعلى ذلك يتساءل أبو زيد "هل تقوم ثقافة كوكبية موحّدة" في مواجهة التباين الثقافي؟ ويتوقّف أشرف أبو اليزيد عند أوزبكستان متنقّلا بين المزارات والبازارات مستطلعا أحوال تلك البلاد، متكئا على عدسة سليمان حيدر في إبراز جمال الواحة الغنَّاء في قلب طشقند وبخارى وشهرسبد وسمرقند، مشيرا إلى زلزال الأبجديات، وذاكرة الحضارة الإسلامية، وقرآن مسجد لانغار آتا، والبيروني، وجنَّات سمرقند، والزواج على الطريقة التيمورية. وتتوالى موضوعات العدد الجديد من مجلة "العربي" فيكتب مسعود ضاهر عن رؤوف عباس حامد المؤرّخ والرائد في الدراسات اليابانية، ويحاور حلمي النمنم الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري والمرشح العربي لليونسكو والذي يصرح بأنّ "تصالح الأديان والثقافات هو قضيتي الأولى"، ويكتب الدكتور جابر عصفور عن الكاتب الصحفي الراحل كامل زهيري "آخر الموسوعيين العظام" . ويتوقّف الكاتب مصطفى عبد الله عند تكريم اتّحاد المؤرّخين العرب في القاهرة للدكتور سليمان العسكري في مستهل ندوة "تاريخ الوطن العربي عبر العصور .. التاريخ الثقافي"، وذلك تقديرا لمكانة العسكري ودوره في خدمة الثقافة العربية وتأسيس الاتحاد في القاهرة، كما أكد المؤرخ د. حسنين ربيع رئيس الاتحاد، وتقدّم "العربي" ملفا عن الكاتب الفرنسي جان ماري جوستاف لوكليزو الفائز بجائزة نوبل في الآداب 2008 والذي يقول "كم هو جميل أن تتوقف الحرب"، وغير ذلك من موضوعات أدبية وثقافية وفكرية وعلمية يحفل بها العدد الجديد من مجلة "العربي" التي احتفلت في أوائل العام الماضي بعيدها الذهبي بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيسها، أمّا عن "العربي العلمي" وهو الملحق الذي يوزّع مجانا مع "العربي" الأمّ، وكأنّه مجلة علمية مصغّرة، فقد توقّف عند الروبوتات التي تغزو شاشات السينما، ويكتب عبد الرحمن حمادي عن أفلام ذات دلالة علمية ودرامية مهمة مثل "المتحوّلون" من إخراج مايكل باي، الذي لا يزال متصدّرا لشبابيك التذاكر في الولايات المتّحدة والعالم، وفيلم الرسوم المتحركة "وول أي" الذي أنتجه وموَّله سبيلبرغ، وفيلم "رجل المائتي عام" من إخراج كريس كولومبس وبطولة روبن وليامز الذي لعب دور رجل آلي يسعى لأن يكون إنسانا فيبدي مشاعر إنسانية تجاه الأسرة التي تملكه، وغير ذلك من موضوعات علمية جذّابة حفل بها "العربي العلمي"، مثل الدراما العلمية، واستعمار المريخ، وغدا سيعود الزهايمر، وواقع الطبّ وأوهامه في الدراما الطبية، ولماذا تجذبنا وجوه الأطفال الرضع عند رؤيتهم؟.