احتضنت مدينة دبي، الأسبوع الماضي، منتدى الإعلام العربي التاسع بحضور عدد كبير من مسؤولي المؤسسات الإعلامية والإعلاميين والأكاديميين العرب والأجانب لمناقشة شؤون وشجون الإعلام العربي والتحديات التي تواجهه في العصر الرقمي وعصر الثورة الاتصالية. شمل برنامج المنتدى ثلاث ورش عمل وثماني جلسات ركزت كلها على قضايا وإشكاليات جوهرية تصب في صميم القضايا الإعلامية التي تهم العمل الإعلامي في العالم العربي. شمل البرنامج صحافة المواطنة والإعلام الكويتي وإعلام الكوارث وصعود آسيا وحراك القوى الإعلامية، والإعلام بلغة الآخر، وتجسير الفضاء بين المغرب العربي ومشرقه. كما تناولت جلسات المنتدى إشكالية تنظيم وتقنين الفضاء الإعلامي العربي، وهل هو محاولة لعودة مقص الرقيب، وفرص الصحافة في العصر الرقمي، والأشكال والأنماط الجديدة لوسائل الإعلام، وآمال وفرص محتوى الإعلام العربي المحلي، و"الفضاء الرياضي... ضغوط العولمة والاقتصاد" وأخيرا لا تقاطعني!... لباقة الحوار وفضيلة الإنصات". في الافتتاح الرسمي للمنتدى تكلم العالم أحمد زويل بخلفية الباحث والمتخصص في مجال العلوم الدقيقة والتطبيقية عن غياب المقاربة العلمية في الإعلام العربي، وسيطرة الكم على الكيف، وغياب التفسير والتحليل، وضعف استغلال الخبر وتوظيفه بطريقة منهجية وعلمية، فالخبر بدون رأي المختص والخبير يبقى مجرد خبر. أي طرح وجهات نظر ومقاربات مختلفة حول الخبر، بمعنى أن الصحفي ملزم بالغوص في القضايا المطروحة ومعالجتها وتليلها بطريقة معمقة وعلمية ومنهجية. كما أشار العالم أحمد زويل إلى ضعف الثقافة العلمية في الإعلام العربي، وهذا يعني ضعف الإعلام المتخصص، كما أشار إلى التوظيف غير الأخلاقي وغير العلمي وغير المنهجي للدين ولمصطلحات ومفاهيم كثيرة. ومن الإشكاليات التي طُرحت في المنتدى مخاطبة الآخر بلغته، وما هي العبر والدروس المستخلصة من تجربة الجزيرة انترناشيونال. وهنا نلاحظ أن المنظومة الإعلامية العربية تعاني نقصا كبيرا في المؤسسات الإعلامية التي تخاطب الآخر بلغته، وهذا يعني وجود فجوة كبيرة في تصحيح الصور النمطية والأفكار المسبقة وحملات التشويه والتزييف والتضليل التي يعاني منها العرب والمسلمون. فهناك خلل كبير جدا بين ما يستقبله العرب وما يرسلوه من مواد ومنتجات إعلامية وثقافية، وهذا يعني أن تدفق المعلومات والأخبار والرسائل والصور ما زال في اتجاه واحد من الشمال إلى الجنوب وبخلفية ورؤية وأيديولوجيةالشمال بطبيعة الحال. وما زال العرب يعتمدون على الاستهلاك فقط والتعرض لما ينتجه الآخر بدون ما ينتجون هم مضمامين ورسائل لتقديمها للأخر. وهذا يعني أن هناك عجز كبير في تدليل المعادلة وتصحيحها. وحتى استغلال الخبر وتوظيفيه بطريقة ذكية ومنهجية وعلمية ما زال يعاني الكثير، حيث نلاحظ في معظم الأحيان تقديم الخبر أو اختيار نفس الصور ونفس التعليقات كما وردت من المصدر وهذا يعتبر ضعف مهني وحرفي كبير جدا. وفي الجلسة الرابعة من برنامج المنتدى والتي كانت بعنوان "هل يصل مقص الرقيب إلى الفضاء؟" طُرحت إشكالية تقنين وتنظيم الإعلام الفضائي العربي. وهنا يجب الإشارة إلى الخطورة التي وصل إليها الإعلام الفضائي العربي وإلى تلوث هذا الفضاء وانتشار عدد كبير من الفضائيات الإباحية التي فاقت المئة. فهنام عدد كبير من الفضائيات نجده خرج عن العرف والتقاليد والقيم وأخلاقيات المهنة، حيث أصبح هذا الإعلام يبث سموما تلوث عقول الناس والبشر، وخاصة فئة الشباب، ففي الفضاء الإعلامي العربي اليوم أكثر من 696 فضائية منها فضائيات الشعوذة والدجل و"ستار اكاديمي" وتلفزيون الواقع وفضائيات "الغزل على الهواء" والفتاوى والعيادات الطبية... الخ. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من المسؤول عن تنظيم هذه الفوضى؟ وكيف؟ وما هي الآليات؟ ففي فبراير من سنة 2008 صدرت وثيقة عن جامعة الدول العربية لتنظيم البث الفضائي العربي، وكانت النتيجة جدال كبير واستياء من قبل الصحفيين والمؤسسات الإعلامية التي لم تُستشر ولم يسؤل رأيها في الموضوع على الإطلاق، ما جعل الجامعة تسكت عن الموضوع وتركز على مبدأ أن الوثيقة ليست إلزامية وهي للاسترشاد فقط ممكن الاستفادة منها أو تجاهلها. وفي عام 2009 ظهرت مبادرة جديدة من قبل اللجنة الإعلامية بجامعة الدول العربية بمسمى جديد وهو "مفوضية الإعلام العربي". يجب الاعتراف هنا أن الإعلام الفضائي العربي يعاني من مشاكل أخلاقية ومهنية وقيمية. والموضوع يتعلق بالدرجة الأولى بالتزام الصحافي ومالك القناة الفضائية ومالك القمر الصناعي بالمبادئ الأساسية للقيم الإنسانية وأخلاقيات المهنة. فالمجتمع المدني له دور كبير في مراقبة هذه الفوضى والضغط على المتسببين فيها لاحترام الأداب العامة وأخلاقيات مهنة الإعلام. من جهة أخرى نلاحظ أن النقابات والاتحادات الإعلامية والصحفية في العالم العربي تتفرج على هذه الفوضى العارمة والتلوث الثقافي الخطير من دون تحريك ساكن ولا إجراء عملي لصيانة مهنة شريفة من مخالب تجار لا علاقة لهم بالإعلام ولا بالثقافة ولا بالمسؤولية الاجتماعية والنسيج القيمي والأخلاقي للمجتمع، فغريب أمر النقابات الصحفية في الوطن العربي التي لا تتدخل ولا تقوم بأي مبادرة عندما تقوم مجموعة من المتطفلين على الإعلام و"أشباه الإعلاميين" بالشتم والقذف والتجريح والمساس بكرامة وشرف بلد بكامله. تنظيم الإعلام الفضائي العربي ليس من صلاحيات جامعة الدول العربية ولا الحكومات ووزارات الإعلام بقدر ما هو مسؤولية الصحافي نفسه وصاحب القناة الفضائية وصاحب القمر الصناعي. فالصحافي الذي يجرؤ على التحريض على القتل على الهواء والذي يقوم بالشتم والتجريح في حق شعب وأمة يجب أن يعاقب، وتسحب منه البطاقة المهنية، ويمنع من ممارسة العمل الإعلامي مدى الحياة. كما ناقش المنتدى في جلسة مقص الرقيب طلب مجلس النواب الأمريكي باتخاذ إجراءات عقابية ضد بعض الفضائيات ومالكي الأقمار الصناعة، بحجة أنهم يحرضون على الإرهاب. والإشكال المطروح هنا هو: ما هو الإرهاب؟ وهل هناك تعريف دولي متفق عليه للإرهاب؟ وعلى أي أساس تصنف أمريكا القنوات الفضائية والأقمار الصناعية بأنها تشجع على الإرهاب وأنها ممولة من قبل إرهابيين؟ وماذا عن ما تبثه قناة "فوكس نيوز" مثلا؟ وبأي حق تنّصب أمريكا نفسها رقيبا ومسؤولا دوليا على الأقمار الصناعية وما تبثه وسائل الإعلام في العالم؟ وماذا عن الآلة الإعلامية الأمريكية؟ هل ما تقدمه أمريكا للعالم من خلال صناعاتها الإعلامية والثقافية منتجا ملتزما وموضوعيا وتراعى فيه قيم وأخلاق الشعوب الأخرى. محاولات أمريكا لتكميم وإسكات الأصوات المناهضة لسياستها ولرؤيتها للعالم لا طائل من ورائها حيث أنها تكلل بالفشل مثلما فشلت عندما أرادت أن تكسب الرأي العام العربي من خلال "الدبلوماسية العامة" وإعلامها الخارجي الذي لاقى فشلا ذريعا في استقطاب الجمهور العربي. من المواضيع المثيرة للجدل والتي ناقشها منتدى الإعلام العربي التاسع إشكالية البرامج الحوارية وخروجها عن الإيتيكيت وأدبيات الحوار واحترام الضيف والمشاهد. وهنا نلاحظ فوضى أخرى يعاني منها الإعلام العربي تتمثل في أن عددا من البرامج الحوارية ما هي إلا مجرد صراع ديكة لا فائدة من ورائها حيث لا يستطيع المشاهد الخروج بفائدة تذكر، وحتى الأسئلة التي يطرحها الصحفي في بداية البرنامج لا تجد إجابة لها خلال ساعة وأكثر من المد والجزر بين الضيوف ومنشط البرنامج. والسؤال هنا هو ما الغرض من مثل هذه البرامج أهو "الشوبيز" والتمظهر والفرجة والفلكلور الإعلامي، والحماس والإثارة؟ أم أنه البحث على الحقيقة وإبصار الجمهور بأمور كانت غائبة عنه.