توالت النداءات الشعبية ودعوات المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية المطالبة بإحالة مجرمي الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة على محكمة الجنايات الدولية للاقتصاص منهم على جرائمهم الدموية المقترفة بأحدث الأسلحة من صواريخ وقنابل فتاكة محرمة دوليا. ولم يعد العالم باستطاعته السكوت على تلك المشاهد المروعة التي فاقت في بشاعتها أحدث ما أنتجته أفلام الخيال الهوليودية من أطفال بترت أطرافهم العلوية أو السفلية وفقئت أعينهم وبحروق عجز الأطباء عن تشخيصها وأشلاء وجثث بقيت لأيام تحت الأنقاض أو على الطرقات إلى درجة التعفن من دون وجود من ينتشلها. مشاهد دفعت بعديد المنظمات الدولية الحقوقية للتحرك لأن الأمر أصبح لا يتعلق بمجازر ضد فلسطينيين أبرياء وإنما بجرائم حرب وإبادة إنسانية. وهي الحقيقة التي أكدتها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان التي دعت مجلس الأمن الدولي بأن يسمح للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيقات حول الجرائم الإسرائيلية المقترفة في قطاع غزة والتي تصنف في خانة جرائم حرب وجرائم إبادة ضد الإنسانية. وذكرت المنظمة الحقوقية بحصيلة الضحايا التي فاقت ألف شهيد وأكثر من 4500 جريح نصفهم من النساء والأطفال في ظرف ثلاثة أسابيع من القصف البري والبحري والجوي الصهيوني الذي لم يستثن أي شيء يتحرك في قطاع غزة من دون التفريق بين الأهداف المدنية والعسكرية. وقالت في رسالتها التي وجهتها أمس إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي أن الهجمات الإسرائيلية المكثفة والمنتظمة على سكان قطاع غزة يجب أن تصنف في خانة جرائم حرب إذا لم تكن أصلا جرائم ضد الإنسانية بسبب العدد المخيف من الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين الذين يسقطون تباعا في سلسلة مجازر مروعة يعجز اللسان عن وصفها. وتأتي هذه الدعوة في وقت بلغ فيه الوضع الإنساني والصحي والبيئي في قطاع غزة درجة "الكارثية" التي تستدعي تحركا جديا وعاجلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المدنيين بعدما تحول القطاع إلى منطقة منكوبة بكل المقاييس اختلطت فيها دماء الجرحى برائحة الموت المنبعثة من كل ركن وشبر في غزة وأشلاء وجثث الشهداء المتناثرة تحت الأنقاض وعلى أرصفة الطرقات لأيام ودخان المباني المنهارة وخراب الطرقات المقصوفة والتي غمرتها مياه الصرف بعدما تضررت من القصف الإسرائيلي العشوائي. وضعٌ وصفه رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كلينبرغر الذي أجرى زيارة تفقدية أول أمس لمستشفى الشفاء بقطاع غزة ب"المأساوي". وأبدى المسؤول الدولي الإنساني أسفه الشديد للمشاهد المروعة التي صادفته في مستشفى الشفاء الرئيسي في قطاع غزة والذي لم يعد قادرا على استيعاب المزيد من الجرحى وسط انعدام الأدوية وحتى المستلزمات الطبية الضرورية لإجراء الإسعافات الأولية. والوصف نفسه أطلقه رئيس البرلمان التركي كوكسال توبتان على ما يحدث في قطاع غزة. وقال في كلمة ألقاها خلال افتتاح الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية لاتحاد برلمانات الدول الإسلامية أمس مأساة إنسانية تؤذي الضمير ويجب أن تتوقف على الفور. وأضاف المسؤول التركي أن الاتحاد سيعلن موقفه من مأساة غزة للعالم كله بعد اختتام الاجتماع. يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الإحصاء الفلسطيني لؤى شبانة قطاع غزة منطقة منكوبة من جميع النواحي الإنسانية والاقتصادية والصحية والاجتماعية جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل للأسبوع الثالث على التوالي. وقال المسؤول الفلسطيني في تقرير رصد فيه الأوضاع المأساوية بالقطاع أنه بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي تجاوزت الف شهيدا وأكثر من 4500 جريح معظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين العزل إلى جانب 26 ألف مشرد فلسطيني يقيمون في ملاجئ للطوارئ فقد تعرض 20 ألف مبنى للدمار الجزئي أو الكلي بحيث بلغ اجمالي الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تدمير المباني والبنية التحتية لقطاع الخدمات العامة والمؤسسات والممتلكات الخاصة بأكثر من 1.5 مليار دولار. واستبعد رئيس الإحصاء الفلسطيني أن يتحسن الوضع قريبا وذلك بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالشبكة الكهربائية مبرزا أن تقديرات القائمين على محطة غزة لتوزيع الكهرباء تشير إلى الحاجة للعمل لأسابيع ولكمية كبيرة من قطع الغيار من أجل إصلاح الأضرار. كما أشار إلى أن المستشفيات ما زالت تعمل بواسطة المولدات وأن احتياطات الوقود لديها لا تكفي سوى لمدة ثلاثة أيام على أكثر تقدير مثلما هو الحال لمستشفى "الشفاء" و "غزة" للأطفال. وأمام هذه الوضعية المتفاقمة طالبت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية الحقوقية إسرائيل بالسماح للمنظمات الإنسانية الدخول إلى قطاع غزة بشكل فوري وإخراج الجرحى منها لتخفيف المعاناة عن السكان المدنيين. وتتفاقم مآسي سكان غزة بوتيرة متسارعة مع سقوط كل قذيفة صاروخية أو قنبلة فتاكة تدفع بالعشرات إن لم يكن المئات من العائلات الفلسطينية إلى ترك منازلهم والفرار إلى أماكن تكون أقل خطورة. وبدء عدد النازحين الفلسطينيين يتضاعف مع مرور كل يوم من هذه الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ ال27 ديسمبر الماضي. وشهدت مدينة رفح عبر الحدود المصرية فرار العديد من العائلات الذين قصفت منازلهم ودمرت عن آخرها ولم تجد مكانا آمنا تأوي إليه وسط استمرار القصف الإسرائيلي على كل ركن في قطاع غزة المنكوب.