ينتظر أن يشرع الدبلوماسي الأمريكي جورج ميتشل خلال الأيام القليلة القادمة في جولة مكوكية إلى عواصم الشرق الأوسط في محاولة لتفعيل عملية السلام المنهارة منذ بداية الألفية الحالية. ويشرع ميتشل المطلع على خبايا واشكاليات الصراع الشرق أوسطي في مهمته وسط شلال الدم الفلسطيني الذي لم يجف بعد في قطاع غزة بسبب المذبحة الإسرائيلية وفشل التهدئة بين حركة حماس وإدارة الاحتلال وانعكاس كل ذلك على هذه المهمة الأولى من نوعها منذ عدة سنوات. كما أن أول زيارة للدبلوماسي الأمريكي تأتي تزامنا مع فشل السلطات المصرية إلى حد الآن في تمرير مبادرتها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في المنطقة والبحث عن آلية لإقامة هدنة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال. وتبدو مهمة المبعوث الأمريكي في حقل الألغام الشرق أوسطي صعبة إن لم نقل مستحيلة وسط تضارب المواقف وتشعب خيوط الصراع وتداعياته الإقليمية والدولية. وقال أوباما إن ميتشل سيتوجه على التو إلى المنطقة لمساعدة الأطراف على ضمان وقف إطلاق نار دائم. وكان الرئيس الأمريكي باراك اوباما عين ميتشل نهاية الأسبوع كمبعوث جديد لإدارته الى منطقة الشرق الأوسط في مسعى لاستشعار الأوضاع ميدانيا في ظل عملية سلام متوقفة منذ سنة 2002 بعد أن عمل ارييل شارون الوزير الأول الإسرائيلي "الحي الميت" على وأدها من خلال عقبات إقامة الجدار العازل وتوسيع المستوطنات اليهودية في قلب الضفة الغربية وعملياته المقصودة بتهويد القدسالمحتلة ورفضه كل القرارات الدولية. وقال باراك أوباما مساء الخميس بمقر وزارة الخارجية لدى تعيينه انه سيعمل بجد ودون هوادة من اجل إقامة سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين وبينها وبين العرب. ويعد جورج ميتشل البالغ من العمر 75 عاما من الدبلوماسيين الأمريكيين المخضرمين الذين عملوا على العديد من الملفات الدولية الشائكة في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية كان آخرها تسويته للأزمة السياسية في إيرلندا الشمالية. وقال متتبعون أن الإدارة الأمريكيةالجديدة أرادت أن تباشر عملها على الفور باقتحامها للملفات الساخنة في العالم وعلى رأسها قضية الصراع في المنطقة العربية وهو ما جعله يعين مبعوثا خاصا إلى المنطقة لتفعيل مفاوضات السلام بشكل جماعي على عكس الإدارة السابقة التي رفضت إقحام نفسها بشكل أكثر فعالية باستثناء عقدها لمؤتمر انابوليس العام في نوفمبر 2007 ولكن بعد فوات الأوان. ولكن هل بإمكان الموفد الأمريكي الجديد أن يتحكم بزمام المبادرة وبالجدية والإرادة اللازمة في منطقة صراع استحال إلى حد الآن حسم كل إشكالياتها أم أن واشنطن ستواصل العمل وفق تصوراتها الخاصة وبما يخدمها ويخدم المصالح الإسرائيلية وبالتالي التضحية بمصالح الدول العربية والفلسطينيين على وجه خاص. وهي إشكالية الإدارات الأمريكية إن لم نقل خطؤها في كيفية التعاطي مع أوضاع المنطقة العربية، اللهم إلا إذا كان ذلك مقصودا وأملته حسابات أمريكية خاصة. وهي الفرضية المحتملة وخاصة وأن كل الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ زرع إسرائيل في قلب العالم العربي لم تشأ إلقاء ثقلها الدبلوماسي لإنهاء الصراع مع أنها فعلت ذلك في صراعات لا تقل أهمية وكان آخرها الأزمة في منطقة البلقان في تسعينيات القرن الماضي. ويتأكد من يوم لآخر أن واشنطن بإداراتها المتعاقبة تريد الإبقاء على وضع التوتر حتى تبقي على سيطرتها وتحكمها في الوضع وإبقائه على ما هو عليه خدمة لمصالحها على الأقل الى غاية نضوب آخر قطرة من البترول محل الصراع وسبب هذه الأوضاع منذ أكثر من ستة عقود. وظهر ذلك جليا من خلال مضمون خطاب الرئيس اوباما الذي قال فيه الشيء وضده عندما أكد انه سيعمل على تغليب الحوار بين العرب واسرائيل ولكنه سارع الى التأكيد أنه سيدافع على إسرائيل وأمنها من هؤلاء العرب أنفسهم. وفي أول تصريح له تعهد جورج ميتشل انه سيعمل كل ما في وسعه من اجل التوصل الى سلام واستقرار دائم في منطقة الشرق الأوسط". وقال هذا الدبلوماسي الأمريكي المولود من أب ايرلندي وأم لبنانية وشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي أنه لا يؤمن بمقولة أن بعض "النزاعات تبقى بدون حلول وقال انه مادام المتسبب فيها بشر والواصلون عليها بشر فإنه بإمكان البشر تسويتها إذن" في إشارة إلى قدرته في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. ورحبت السلطة الفلسطينية بهذا التعيين واكدت ان ميتشل له تجربة في ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفي تسوية الكثير من النزاعات السياسية في العالم. وقال أحمد قريع كبير المفاوضين الفلسطينيين انه سبق له التعامل معه لدى صياغته للتقرير الذي حمل اسمه سنة 2001 والذي دعا من خلاله الى وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وبانسحاب جيش الاحتلال من المدن الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. وهو نفس الترحيب الذي أبدته الخارجية الإسرائيلية التي أكدت على علاقات العمل الطيبة مع ميتشل سنة 2001 وأكدت أنها ستواصل معه في نفس النهج. وأكدت إسرائيل أنها ترحب بدعوة الرئيس الأمريكي لفتح المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة ولكن في إطار الشروط الإسرائيلية. وكان الرئيس اوباما ووزيرته للخارجية هيلاري كلينتون أجريا اتصالات مع الرئيس محمود عباس والرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني والوزير الأول الإسرائيلي ايهود اولمرت.