الطلقة كانت تصدر من البندقية الصادقة التي تأبى أن تخوض معارك الأعراس وترقص على تراب مازال يصرخ من الإذلال والأغلال، بندقية لم يكن في أجندتها سوى المقاومة وساعد مجاهد يحرّرها من الصمت الذي نسج عليها خيوط الوهن والإذعان، ونزع من لسانها صرخات العودة، وحوّل قضيتها إلى سرك عالمي يتفرّج على مأساتها ويدفع لها أجر الإمتاع والمؤانسة، هي ذي البندقية اختتمت نشيد العودة على رقصة تعدّدت إيقاعاتها رغم أنّ الأقنعة التي تخفي وجوه الراقصين تحوّلت إلى أحذية تلطم كلّ الوجوه التي طلاها الذلّ وألبسها كلّ مخازيه. مازال صوت البندقية الفلسطينية جرسه يدق في أذني "صوت الثورة الفلسطينية، الكلمة الحرّة المعبّرة عن الطلقة الشجاعة، لتحرير فلسطين، كلّ فلسطين"، لم أكن أعلم حينها أنّها مجرّد كلمات تنطلق برصاص مطاطي يثير فرقعة فارغة، وترحل الرصاصة لتسكن الضفّة وغزّة، ترتفع الأغاني والأناشيد التي اعتقدناها عبورا للرصاصة المعبّرة. وها نحن اليوم نشيّع جنازة الرصاصة والبندقية على أشلاء أطفالنا وأمهاتنا ونسخر من عبثية الرصاصة التي أصبحت بالفعل تعبر وتصحّح طريق العودة رغم الحصار والسخرية التي تتعرّض لها من ألسنة ألفت تصريحات الفنادق عن فصاحة وشرعية البنادق.اليوم فقط أدركت ما كانت تعنيه فيروز في أنشودتها الخالدة "الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان" فقط البكاء، لأنّ المقطع الثاني من الأنشودة ما تزال محاولة محوه من الذاكرة جارية، وهو المقطع الذي تتحوّل فيه فيروز إلى غضب ساطع آت بجيوش الرهبة حتى تكون النهاية "البيت لنا والقدس لنا". هل يصدق أطفال غزّة أنّ مصّاصة الدماء تسيبي ليفني، ستتحوّل ذات يوم من أمّنا الغولة إلى أمّ حنون لا تدفعهم لأحضان الدبابات ولا تسقط على رؤوسهم الهدايا الحارقة بمناسبة أعياد الميلاد ؟، لم تعد إسرائيل تحسن عزف السلام الذي نال به أحد مجرميها جائزة نوبل للسلام، ولم تعد تنطلي على أحد أنّ فرقة الدبابات والطائرات والبوارج البحرية تحمل أغذية وأدوية لأطفال غزّة. السرك العالمي الذي كان يذرف مهرّجوه دموع الغدر من أجل استبكاء العالم على المحرقة التي ارتكبها النازيّون في حقّ اليهود لم تعد تثير اهتمام أحد بعد أن شهد العالم على المباشر ما فعلته الوزيرة الإسرائيلية الباكية بأطفال غزّة وأمهاتهم، وهذا ما يجعل أطفال غزّة لا يؤمنون إلاّ بالطلقة العابرة والمعبّرة.