محتالون يستهدفون المسنين لسلب أموالهم    مستحضرات التجميل تهدد سلامة الغدة الدرقية    الشروع في إنجاز سكنات "عدل 3" قريبا    الرئيس تبون جعل السكن حقّا لكل مواطن    مجلس الأمن: مجموعة "أ3+" تؤكد على ضرورة احترام سيادة سوريا وتدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار    الرابطة الأولى موبيليس - تسوية الرزنامة: شبيبة القبائل ينفرد مؤقتا بالصدارة وشباب بلوزداد يواصل سلسلة النتائج الايجابية    الوضع العالمي مؤسف.. والجزائر لا تريد زعامة ولا نفوذا في إفريقيا    تتويج مشروع إقامة 169 سكن ترقوي بتيبازة    افتتاح الملتقى الكشفي العربي السادس للأشبال بالجزائر العاصمة    عناية رئاسية لجعل المدرسة منهلا للعلوم والفكر المتوازن    شياخة: هذا ما قاله لي بيتكوفيتش واللعب مع محرز حلم تحقق    "الكاف" تواصل حقدها على كل ما هو جزائريٌّ    صيود يسجل رقما وطنيا جديدا في حوض 25 متر    رفع مذكرات إلى رئيس الجمهورية حول قضايا وطنية هامة    حملة "تخوين" شرسة ضد الحقوقي المغربي عزيز غالي    "حماس" تؤكد إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار    "الوزيعة"عادة متجذّرة بين سكان قرى سكيكدة    لقاء السنطور الفارسي بالكمان القسنطيني.. سحر الموسيقى يجمع الثقافات    تأسيس اتحاد الكاتبات الإفريقيات    حكايات عن الأمير عبد القادر ولوحاتٌ بألوان الحياة    5 مصابين في حادث مرور    دبلوماسي صحراوي: "دمقرطة المغرب" أصبحت مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    نجاح الانتخابات البلدية في ليبيا خطوة نحو استقرارها    الإطاحة بعصابة تروِّج المهلوسات والكوكايين    اليوم العالمي للغة العربية: افتتاح المعرض الوطني للخط العربي بالمتحف الوطني للزخرفة والمنمنمات وفن الخط بالعاصمة    الجزائر تتسلم رئاسة الدورة الجديدة لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب    سوناطراك: استلام مركب استخراج غاز البترول المسال بغرد الباقل خلال السداسي الأول من 2025    "اللغة العربية والتنمية" محور ملتقى دولي بالجزائر العاصمة    المالوف.. جسر نحو العالمية    مشروع جزائري يظفر بجائزة مجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب لسنة 2024    المحكمة الدستورية تكرم الفائزين في المسابقة الوطنية لأحسن الأعمال المدرسية حول الدستور والمواطنة    هيئة وسيط الجمهورية ستباشر مطلع سنة 2025 عملية استطلاع آراء المواطنين لتقييم خدماتها    ربيقة يواصل سلسة اللقاءات الدورية مع الأسرة الثورية وفعاليات المجتمع المدني    ترشيح الجزائر للسفيرة حدادي لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يهدف لخدمة الاتحاد بكل جد وإخلاص    آفاق واعدة لتطوير العاصمة    مولوجي: علينا العمل سويا لحماية أطفالنا    95 بالمائة من المغاربة ضد التطبيع    إلغاء عدّة رحلات مِن وإلى فرنسا    عطّاف يلتقي نظيره الإثيوبي    مولى: الرئيس كان صارماً    برنامج الأغذية العالمي يعلن أن مليوني شخص في غزة يعانون من جوع حاد    الاتحاد يسحق ميموزا    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    انطلاق فعاليات "المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية" : وزير الثقافة يدعو إلى ضرورة التمسك بالثقافة والهوية والترويج لهما    تصفيات مونديال 2026 : بيتكوفيتش يشرع في التحضير لتربص مارس    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    وفاة الفنان التشكيلي رزقي زرارتي    سوريا بين الاعتداءات الإسرائيلية والابتزاز الأمريكي    جزائريان بين أفضل الهدافين    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    المولودية تنهزم    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    باتنة : تنظيم يوم تحسيسي حول الداء المزمن    الصلاة تقي من المحرّمات وتحفظ الدماء والأعراض    كيف نحبب الصلاة إلى أبنائنا؟    أمنا عائشة رضي الله عنها..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطفال وأبرهة.. وأفيال
غزة بعد عام..
نشر في الشروق اليومي يوم 10 - 02 - 2010

وتعودين أخيرا من شرفة جرحك الشاهق تطلين.. كما تركناك هناك من عام.. من سنين..لا ظفيرة تلف كتف.. لا كحل في عين.. لا سوارة في معصم..لاحنّة في يدين.. مازلت كما أنت..
*
هناك حيث أنت خارج توقيتنا.. خارج مساحات دورات ساعاتنا تقيمين.. انتظرت زمنا يولد بعد حين.. انتظرت.. تنتظرين .. تأخرنا.. نحن والزمن تلعنين.. تلعنين القابعين عند بواباته.. تلعنين الداخلين منه والخارجين.. تلعنين زمننا جميعا.. أولين وآخرين!! تكفرين بنا انتماء واسماء ودماء كانت في الشرايين
*
*
تعودين أخيرا.. تأبين البكاء.. تأبين العزاء.. تأبين التّأبين..
*
تعودين تحملين بعض شواهد.. بعض سواعد وأسماء.. للذين قرروا رغم الإقصاء يعودون هذا المساء.. الشهداء وبعض صبية يقتحمون.. يحتلون الذاكرة المستقيلة.. الذاكرة الذليلة.. يحتلونها بالصلاة بالصبر والغناء..
*
تحرجيننا وأطفالك.. يحرجنا سؤالهم عنا.. وسؤالك.. تفاجئين بمجيئك الناحف.. مجيئك النازف.. نفاجأ بك.. قادمة رغم أعناق الطرقات التي قطعنا.. رغم الأنهار والأيام التي جففنا.. رغم البحر الذي هجر ضفافنا ولعنا.. رغم ذلك نفاجأ بك تأتين.. في ساحات زمننا الساقط تقفين.. نتساءل كيف أمكنك تجئين ونحن الذين كنا حريصين على تهشيمك ومحوك.. من الألسنة.. حرصنا نغسل منك الذاكرة واليدين.. ورغم ذلك كنا نخاف.. اسمك.. يطلع.. يفضح .. يفجع.. كنا للدجالين ندفع حتى اسمك لا يسطع.. لا يتقاطع معنا حتى في قراءات الأبراج والفناجين
*
هي أنت التي أنت.. درويشة كما كنت.. ومازلت.. لذلك أمعنا في المتاجرة.. في المقامرة باسمك.. أمعنا في البيانات نكذب عليك قليلا قليلا.. كان كذبنا عليك بحسب الاستطاعة إلى ذلك سبيلا نهارا.. صباحا.. مساء.. ليلا..
*
أقسمنا لك في العهدين المنفي والمنسي أنك السد في الشرايين وأنك حبر الصحائف في الدين.. قلنا لك في بيانين أنك الميسرة في قضية ذات اليمين.. قلنا لك أنك شقيقة ذات النطاقين.. قلنا لعكّة هيئي سواريك.. ارفعي أسوارك مترين, فصلاح الدين هذه المرة لن يحط الرحال مرتين .. في غزة يحط حطين.
*
*
أيّها الحجر
*
هي أنت التي أنت.. أنت التي في مجالسنا أقمت.. في القصور والسرايا.. في خطبنا وأشعارنا والحكايا.. أنت أم الشهداء أولى القضايا.. أنت التي كنت وجهنا في المرايا.. من خوفنا عليك.. خاصمناك مع آخر الحلفاء.. مع آخر الشرفاء.. خاصمناك مع الحجر.. خوفناك من غدر الحجر.. أبلغناك أن الحجر ربما.. عليك يوما يتأمر.. ربما يحاول يلغي.. ينهي زمنك الحر.. الحجر من خطرك وعينا..!! أغرينا.. منينا.. علّمناه السفر إلى وجهات جديدة,علمناه الإقامة في أحضان جديدة.. علمناه ثقافة القبل.. علّمناه السهر والقمار والسكر.. عيناه أمين سر نادي المزمار والطبل.. علّمناه الوشاية وكيف يكون نذل..
*
يا أيها الحجر.. بعد الآن غيرنا لا تستشر.. هذه وصايانا العشر.. تخلص من صلابتك.. تخلص من جيرك عند جارك الأول.. بدّل ملمس جلدك .. طعّمه ب"البودرة" المستوردة.. غيّر لون أحمر الشفاه.. غير الوطن هذا هو المنتظر.. هناك عندهم قفاز من حرير إياك ينتظر !!!
*
لا تتحمس أكثر.. فكر في أن تهاجر.. اعتزل حماقاتك القديمة.. لا تغامر.. لا تثر.. لا تكابر.. خطر أن تكبر.. تكبر يعني تكسر.. أصغر ما استطعت تتجنب الخطر.. اعتزل الحارات القديمة, اعتزل حياة الصعاليك والفقر.. إذا نوديت بعد الآن. بطاقة هويتك لا تظهر.. كل يد بعد ذلك تتطاول عليك.. تريد حملك.. رميك.. نعدك.. القواعد والسواعد ندك.. نكسر!!
*
هي أنت التي أنت.. أنت التي لم تحلمي يوما بغير بارودة وكوفية.. لم تحلمي بغير حقل زيتون وصفصافة وظل أمنية.. أنت التي لم تحلمي بغير بعض الربيع.. بغير بعض خرفان.. بغير بعض أمان من ذئاب على خيمتك والقطيع..
*
حلمك وبعد ستين عاما مازال مصنّفا في خانة من خان.. مطلوب حلمك إلى كل المخافر.. إلى كل الدوائر.. تسألين عن الموضوع.. في عريضة الاتهام.. حلمك ممنوع.. ممنوع يكون الحلم بقامة إنسان.. ممنوعة في الأحلام المتمردة الألوان.. ممنوع عليه الانتماء.. ممنوع يطال حلمك المرابع والمآذن والشطآن..
*
*
ويل السماء والأرض
*
ولذلك قررت المجاهرة بحلمك.. قررت تتجمهرين وأطفالك في الشوارع.. قررت تهجري المخادع.. تخرجين بالحلم الناصع وأنت واقفة في الزمن المضارع .. أنت التي في المفترق.. في مربع الميركافا والغجر حلمت بان يهطل أولادك كالمطر.. بين حفنة تراب بين تلّة وشجر.. يحرضون الزيتون والليمون.. على الجهاد.. لأن يكون.. بارودا ورصاصا مصون..!
*
لا عذر لمن تأخر.. يعلن أولادك حالة الإعصار.. تهطل الأخبار, تتوحّد نارك بالأقمار.. يشهد الله أن كل واحد قد خير فأختار
*
الدم على الشاشات عنوان ولون كل النّشرات.. تبتهل النّار إلى قمر.. الأطفال والأحجار طوفان في الطرقات.. في الحارات.. كما الأقدار نهار يؤخذ منهم.. يجيئون بأيام بأنهار معدودات.. وغير معدودات
*
حين حان زمن الأطفال تغيّرت اللغة, تغيّرت الأقوال..لا مجال.. غير الوقوف في وجه أبرهة والأفيال.. بالدفاتر والمآزر خرج جهاد وسناء وثائر يخوضون السجال.. يطلبون المحال.. يصدّون القذيفة بالحقيبة.. تعتقل النّور من عيونهم الألعاب النارية النهارية المريبة.. عجيبة سناء وإيمان وحبيبة اصررن.. قررن ساحات مدارسنا وحارات البيوت لا نفارق.. نحن أقوى من حلف الميركافا والأباتشي وقناصة الفيالق
*
ثم تأتي بيانات إسرائيل تقلّل من خطاب التهويل.. وتؤكد أن جندها وجدوا الدّليل.. الأطفال في هذه الأرض طيور أبابيل.. تحالفوا مع حجر من سجّيل فحقّ عليهم من السّماء ويل ومن الأرض ويل..
*
أما نحن أقوام يعرب وقحطان فلم نجتهد لا في تفسير ولا في تأويل.. أيّدنا البيان أيدنا اسرائيل.. تحالفنا مع الإنسان.. أكّدنا على تحييد الفتى المارق.. أكدنا: ألأطفال الآخرون مغررون.. مغدورون معبؤون مشحونون موزعون بين مرتزق ومنافق.. نؤكد أنهم فتية ما آمنوا بربهم.. فمنهم معتوه ومجنون ومراهق.. فحق عليهم .. القدر الساحق الماحق..
*
*
زمن الفطام
*
يا أطفال غزة هذا زمن الفطام.. فلا تقربونا بعد الآن.. نحن نقض وضوء ونقيض ضؤ.. نحن عورة وعار المكان.. يا أطفال غزة هذا زمن الفطام لا تدعوا لنا انتسابا .. لا تقربونا بعد الآن.. رجاء لا تذكروا أسماءنا.. لا تلبسواأسمالنا.. لا تأكلوا قمحنا المهجن بالنسيان ..لا تشربوا حليبنا الجبان..لا تتنفسوا هواءنا الملوث المروض المفاوض على الشرف في الكتمان..لا تقرأوا تاريخنا المصلوب على الجدران.. لا تسمعوا أخبار انتصاراتنا في حلبات التنافس بين أحصنة.. وقطعان بغال وثيران.. لا تطمحوا لا تطمعوا في إلهائنا عن معركة ملايينا المقاتلة على طاولات الروليت والقمار والرهان.
*
يا أطفال غزة اهجرونا.. انسونا.. ما اسطتعتم عنا سبيلا.. اسقطونا من قوائم الحضور.. بعد أن أسقط.. صودر منا الدور.. رجاء لا تذكرونا في دروسكم السرية.. في دروسكم القسرية..لا تذكرونا في درسكم القادم.. بعد أن خرج من صفوفنا واعتذر.. عمر وعلي وحمزة وحاتم .. يا اطفال غزة هذا رجاء أخيرا وإبراء لذمة من اعتذر عن الإذعان .. لا تجعلوا من أيامنا لكم تاريخا.. لا تجعلوا لنا فيها ذكرا أو عنوانا.. فنحن لم نكن لكم غير عصبة من لصوص وقواويد وزعران...
*
يا أطفال غزة في زمن الخديعة.. كونوا القطيعة.. كونوا الخصام مع الأقزام.. كونوا البداية بعد الختام.. انسونا بعد اليوم.. انسوا الآن أن لكم بيننا أهل.. أخوال.. أوأعمام.. كنا لكم كومة قردة وخنازير وأشباه أقوام.. كنا هشيم أمّة.. كنّا فيكم حطاما.. كنا أضغاث أحلام.. يا أطفال غزة خذوا حقكم منا بعد الآن أعيدوا كتابة أسمائكم كما تحبون.. اختاروا لون بطاقات هويتكم.. اختارواحروف لغتكم الجديدة والأرقام.
غزة بعد عام (2 / 2)
أمهات .. مشاريع الأموات
يا أطفال غزة.. يا من جربوا الممكن في المستحيل.. يا من جربوا السيوف في معركة الصلبان.. يا من جربوا السهام.. من جرّبوا القسّام.. حين كنتم على أطراف قبر في زحام.. كنا نحن أيضا في زحام صباحا نفتح مجلسا ومساء نفتح ديوان.. نحلل.. نزيد نقلل.. كل يعتقد أنه حر.. يفكر.. يقرر ما يريد.. ويريد للأشياء من مجلسه أن تكون على ما يريد.. هذا يقول مقاتل وذاك يتوقع لمن سقط انه ربما يكون شهيدا.. المشهد لم يتغيّر ونحن ما زلنا نحلل.. نفسر.. وغزة تذبح من الوليد إلى الوليد.. ونحن نخوض المعركة مع إسرائيل بآلة التحكم من بعيد...
وحين تذكر المقاومة تفتح ورشات المقاولة بين مساوم ومزايد على مقاوم ..بين مدبج لبيان.. قال، يقول، قيل.. الكلام يصرف في كل الأزمان إلا زمن المواجهة فتوقيته حرام، وذكره حرام، وفعله حرام.. حين أقسم القسام حين البيان الأول كان.. أعلننا بيانين.. في كلمتين.. لا تهنوا.. لا تحزنوا.. القسام فيكم الآن أمة وإماما..
هي أنت التي أنت .. أنت التي بغير دمك.. بغير دمعك ما أمنت.. أنت التي في منتهى الصبر.. في منتهى العمر.. في ضيق مربع الغدر.. حين جفت الصحائف.. واعتذر الحبر... وقفت في مفترق الحشر.. ترقبين منظر سماء.. تهطل بعدة القبر.. كل الوجهات.. كل الجهات من جمر.. جمر تمشين عليه وجمر تأوين إليه والسماء تطعم أطفالك من جمر..!!!
وحدك في هذا المدى وقفت.. تستصرخين ربا.. ساعدا.. قلبا.. بقايا رحم ودم.. سلتي.. سألت.. لا أحد استجارك أو استجر.. لا أحد مد ساعدا.. لا أحد رمى حجرا.. لا خير في خيبر.. في مكة لا خبر.. لا عزيز بعد الآن في مصر.. في قريش.. في أمية.. للأمة لا أثر..
اصبري يا أخت يافا.. كذبتم والخطب.. كذبت نيرانكم والحطب.. كذب تاريخكم.. كذبت أسماؤكم والنسب.. سؤالكم.. أموالكم... أقوالكم في هذا المدى قهر وعهر.. كل حسابات الأمة.. كل حسابات السّاسة والجنرالات والأئمة صفر.. صفر في الكرامة.. صفر في القامة.. وتحت العمائم والتيجان.. فاجعة.. مجاعة فكر!!!
حسبت.. الأمر حسمت.. قررت لن تستصرخي خالدا.. قررت لن تحرجي عمر.. تأكدت كلاهما في الأسر.. تقررين من مواعظنا تتحررين.. تقررين الانخراط في حلم الحجر.. في سيرة الحجر.. الراية من حجر تنحتين.. على سارية من حجر ترفعين تعلنين المجد للحجر.. حجرا توسّدت.. بحجر تيمّمت.. صلاة تقيمين فوق حجر.. سيد القضية.. والإمامة لن تكون لغير الحجر.. الوطن على مرمى حجر.. ساعد اثنان ثلاثة، أربعة أطعمتهم حجرا.. عسكر صارت السواعد.. في معركة السيد حجر.. وحده يقاتل يجاهد.. وعند هامة الشهيد شاهد.. زاهد.. قارئ كتاب تاريخ الحجر... لا ميمنة بعد الآن في معترك عكرمة لا ميسرة لسيف خالد.. سيف شارد مستقيل تائه ميت بارد.. بعدها جاء الخبر طارق اعتذر.. ومن الحين قررت تمدين الجسر حجرا بحجر.. الوطن بين جمر وجمر.. وهامش الاختيار لا يتيح أكثر من خيار.. بين خطوة إلى قبر.. أو إلى قبر
غزة تعلن البحر يقرّر هو الآخر يعلن الولاء للحجر
.. يعلن أنه على دين الحجر.. البحر لمائه يعتذر يقرر ملحه.. يعصر.. يجفف مرة وأكثر يعلن بيانه الأول هو الآخر.. هذا زمن التحول.. البحر على دين حجر يصر ينتظر قلبه يفتت يوزعه هدايا من حجر.. على أطفال.. على مشاريع شهداء فر عرس دم منتظر..
في المساء وعكس بيانات نشرات الطقس والأخبار، سقط جزء من السماء اجتهدت دور الإفتاء.. بلاء من رب العالمين.. قال بعض أئمتنا، وبعضهم اكتفى بتصنيف الأمر بالبلاء.. قالت غزة: يا أئمتنا افتوني في رؤياي.. قالت: إني رأيت جهنم تهطل من السماء وفي البحر يشتعل الماء.. قالوا: إن الساعة قادمة وإن في الأمر ربما فناء.. فاصبري يا أخت يافا ورابطي، فربما كان لنا بعدك.. بعد صلاة ودعاء، بعض احتفاء ممهور بالظفائر والحرائر لإقامة في مشروع بقاء.. مشروع بكاء..!!!
أمام الشاشات اتخذوا المواقع
.. خلفها خلقوا غرفا للعمليات تمترسوا فيها يحددون السياسات.. يحددون المواقع على الجبهات.. هذه جبهة للتنديد.. وهذه للمساندة.. وتلك للمزايدة.. وخامسة لإدارة معارك التخوين وتدوين البيانات.. لم ينسوا جبهة الخلافات.. لا تتراجعوا عن الموقف الأول.. أكدوا للجميع من الأول.. أننا من أصدر البيان الأول.. ومن دعا للاجتماع الأول، وأوّل من جيّش المتظاهرين وطبع صوره على اللافتات والرايات.. أول من احتل الساحات.. أول من أرسل المساعدات.. أول من احتج.. أول من استقبل الجرحى.. أول من رفع الأكفان رايات.. أول من رفعت لموقفه الدعوات..
في اليوم الأول تفرجوا
.. وانتظرنا
في اليوم انتظرنا
.. تفرجوا
في اليوم الثالث غيرت ألوان
(البشوت) والسترات.. تخلى بعضهم عن ربطات العنق حتى تنغرس الرؤوس في الجثث أكثر حتى الرأس والوجه لا يظهر.. حتى المواقع على الجغرافية لا تحدد.. لا تذكر.. حتى تل أبيب.. حتى واشنطن لا ترانا.. لا ترى غضبنا المستتر.. لا تبصر.. حتى العروش لا تصادر.. حتى الصور لا تغير.. حتى الجيوش لا تستثر حتى لا يدفع بها إلى بوابات القصر.. حتى الحاكم لا يعزل.. فينتحر..!!!
في اليوم الرابع
.. الحرب في غزة.. ونحن.. عيوننا على غيرها نتابع.. نتابع معركة تغيير الجلود.. قياما وقعودا.. تغير الأدوار تغيير المواقع.. كل يصرخ: أين العرب.. أين العرب؟.. العرب أنهوا المزاد أمام الأسياد.. اشتروا.. باعوا.. أضاعوا أمة وطنا أضاعوا..
خلايا إدارة المعارك
للحظة يلتبس علينا الأمر نخرج من جغرافية الشاشات، نقف على مسافة.. بين أنا وأنت.. بين أنا وأنا.. ندرك أخيرا أن حربنا بدأت.. الحرب على كل الجبهات قصف من هنا وغارة من هناك ومدفعية للميدان تفتح لمقاتلي اللغة والسّجع والبيان.. يرفعون رايات النصر.. يزرعون الوهم في الأذهان من ستين عاما وهم يهزمون إسرائيل كل يوم بالبيانات.. بالنعوت والصفات.. محتل غاصب، صهيوني عبري.. من ستين عاما وهم يصنعون لنا الانتصارات.. في 48 انتصر جيش العرب، وفي 56 هزمنا جيوش ثلاث قوات.. في 67 انتصرنا في ست ساعات، وفي 73 حرّرنا جيشنا الثالث الذي صنع المعجزات وفاوضنا لأجل راياته البيضاء في الكيلو 101 وضمنا أن كل ما بعده آت..
خلف الشاشات إذن ولضرورات الحرب تقام خلايا إدارة المعارك
.. وصناعة الانتصارات.. أولى المعارك معركة اختيار الألوان والشعارات.. المسميات أيضا قضية كبرى.. شهيد عند هؤلاء وقتيل عند الآخرين.. وآخرون يشكّكون حتى أنه مات..
في اليوم السابع
.. قضينا يوما كاملا على غزة نتفرج أخبار القاهرة نتابع... ضيوف عند المعز لاستئجار عصا موسى.. لاستعارة لسان هارون لنصرة الله في أرضه... ورفع الحظر عن سفر الله.. رفع الحظر عن حقه في الإقامة في غزة والإمامة في حاراتها.. في الشوارع والجوامع.
..
في حضرة السيد الدم
جاء البيان يعترف بالذي كان ويوفد إخوانا إلى ذات المكان للإبلاغ بالذي كان.. كأن البشر مثلكم أنتم لا يسمعون.. عميان.. تروون القصة بنفس الاستكانة.. بنفس المذلة.. بنفس المهانة في حضرة (ليفني) الشيطانة.. تسمعون الوصية الأمانة.. أمن إسرائيل عند أخينا.. فأوقفوا أذاكم ارفعوا عنا أيديكم الملوثة بدمانا...
ثم تتحركون.. خطوتين إلى الوراء تتخذون.. تتهامسون بينكم.. من صاغ هذا النص الجبان.. من اقترف هذه الخيانة.. من قال إن اليهودي ليس (أخانا).
تقررون تغيير النّص.. النار يطلقها الجانبان.. والشعب العربيد الجبان هو من اقترف الجريمة.. العهد خان..!!!
ولكن هان من هان.. يختلف بعدها الأمران.. في حضرة السيد الشهيد.. لا يؤذن لأمثالك باستعراض.. الجمل والكلمات.. تقول أم الشهيد: كنا ننتظر طائرات مدافع دبابات بوارج غواصات.. بعضا من أسلحة تعودتم إبهارنا بها في الاستعراضات.. وقلتم: إنها مرهونة ليوم آت.. حين جاء اليوم.. ونودي فيكم: أن حيّ على الجهاد.. جاء الخبر عاجلا أيضا.. تؤكده مصادر مسؤولة أن الأمة في سبات.. تؤكد أن ضميرها صلب.. سلب وزمنها.. مات...
ورغم ذلك انتظرنا نحن الأمهات .. معذورات نحن.. أن نحن أعلنا انحيازنا لمشاريع الشهداء كما يقول بعضكم.. أو لمن يصنفهم بعضكم بمجرد مشاريع أموات.. ورغم ذلك أيضا نتجاوز التصنيف المحسوب والمسميات.. ونتفق أننا ربما نحن أحفاد وورثة الأموات.. ربما تسرعنا في الأحكام.. ربما كنا قساة.. على الذين يرابطون الآن على كل الجبهات.. سمعنا أن جبهة المشرق ربما تل أبيب تحرق فخفنا على من ظل في حقولها من أولادنا.. والبنات.. خدم حقول اليهود والرعاة.. وقيل إن جبهة المغرب ربما عكا وعسقلان تضرب فخفنا.. دخانا إلينا من محارق اليهود يتسرب.. فنتيه نحن العائدين إلى فلسطين في الوجهات والطرقات..
سمعنا أنكم في الأخير اتخذتم القرار وأنكم حددتم وجهات تحرك الريح.. استدعيتم الإعصار.. أبلغتموه أنكم تهيئتهم للرد.. جهزتم المنصات.. وبدأتم العمليات.. قصف من السماء ومن البحر قصف وعلى الأرض تقيمون عرسا للدبابات.. كلنا الآن ننتظر البيان الأول بالنصر الأول.. بالمجد الأول.. حين أفقنا صباحا وجدنا أن حلمنا لم يزد عن أنه تريث قليلا ثم على قواتكم.. على قوادكم.. تروّث وتبول..
في حضرة السيد الدم
.. لن يؤذن لك اليوم لتتكلم.. انصرف بعيدا.. اصرف خطبك المسجلة وبرقياتك المسجلة ومرافعاتك المؤجلة.. اصرفها وجبنك بعيدا.. فلا يقف في حضرة الدم.. الا واهب الدم اليوم الشارع سيد.. والمستند فيه الى بقايا جسد سيد.. الحجر سيد.. الزمن فيه سيد.. البرد فيه سيد والظلام.. في حضرة الدم يا سيدي.. لن يؤذن لك لتتكلم عنه بالفيديو كونفيرانس وعبر الأقمار الصناعية بعد إشارة عاجل.. تقدمك لنا مذيعتك الجميلة المطيعة الخليعة.. أمام هول وفظاعة ما يجري في غزة.. فخامته يحدثكم عن الموقف ويعلنه أمامكم، انطلاقا من موقع المسؤولية والأمانة التاريخية..
الساعد الشهيد
وتبدأ أنت بالحديث فينا عن الجهد والإمكانيات والدور والزعامة والإمامة.. عن معركة الكرامة.. ودون تردد تعلن لنا أول الانتصارات.. تؤكد أنها تحققت يقينا.. تقول وعلى يسارك ويمينك عشرات المستشارين:
أوفدنا طائرة مكيفة لنقل رضيعة وقد وصلت..
تتحدث وتنظر إلينا والى الآخرين.. المحيطين.. المؤكدين لكلامك.. المؤيدين..
تقول لقد جهّزنا لها المستشفى الأهلي.. المجاور للنادي الليلي حتى لا أحد يزورها فجرا وعصرا قبلي..
قلت إنها تحدثت إليك وشكرتك وباست يديك وقلت إن أمها كانت تدعو لي.. دون أن تدري أننا ندري: أن أمها.. يسرا وأبوها ياسر وأخوها يسري.. صاروا في قبرك وقبري.. يصنعون فخرك وفخري.. وما زلت تعتقد.. أنه بإمكانك تزايد على الدم.. بهتانا تسوق البيان تلو البيان.. تدخل بها سوق الشرف تبيع فيه دما وتشتري.. لا أدري إن كنت تدري أو لا تدري، فغدا دم حجري فيك يسري.. غدا يخرج إلى الشارع يجر تهمه العشر.. تهمه الفخر.. يرفع هامته فوق هامتكم جميعا.. قوس نصري
غزة تطعم جوعها ثديها ولا تسأل.. تطعم ساعدها حجرا.. تطلقه في الحارة.. جسدا يجر.. دبابة يتسول.. يصر الموعد مع الحياة لا يؤجل.. تمر الدبابة يهطل.. غزة حالة عند الله لا تصرف إلا في الممنوع.. عهد غزة عند الله أنها لا تمهل ولا تهمل..
يلتقط أول العابرين بقايا الساعد الشهيد يلوح به من بعيد.. ينتظر مددا.. ينتظره... ينتظر أن يزيد.. ثم يدرك أخيرا أنه وحيد هذا المدى وحيد.. في لحظة يمحو تاريخكم ويستعيد.. يستعيد الساعد الآخر ليبدأ والتاريخ والحجر دورة من جديد
في غزة الساعد الصاعد.. لا يعتقل..لا يكبل.. لا يذبح لا يؤكل.. عهد غزة الأول.. والمؤجل لبحرها.. لرملها.. لنخلها.. لزيتونها.. لليمونها.. من خيمتها لا تخرج.. لا ترحل.. غزة عن يومها لا تفاوض.. لا تقايض.. لا تبيع فيه.. لا تشتري.. باب بيتها لا يحول.. غزة تستعجل يومها.. يومها تعيش.. تسجل.. تصر على الانتظار حين يجيء الصباح، تعصر ضياءها في عينيه.. الضياء في عينيها تعتقل.. ومساء غزة طفلا يجيء على استحياء.. تعمده في بحرها في خدرها تدلل.. لحظة منه لا تؤجل.. حتى الله يبارك المدينة في أهلها بينهم ينزل..
غزة حبها لا تخفي لا تؤجل.. أطفالها تغازل رغم تهمهم الفاجرة.. تظل بهم مفاخرة.. أطفالي: مقاتل.. مشاغب وشهيد ومجنون وعاقل.. آخر أطفالي تقول غزة: يطعم الوطن حلما من ليمون من زيتون وسفرجل.. ويدعوه إلى الثبات في الجغرافية.. الخارطة لا يغادر.. يدعوه لأن لا يثبت على وجوه المصاحف والمحابر والدفاتر..
عرايا بلا أوطان
الرب الليلة في المدينة رغم حظر التجول.. الارواح أيضا تخترق الحظر.. في الشوارع تتجول.. تلقى الله.. تسأل.. أين ولاة الأمر.. وهل ما يحدث قرار أم قدر..!! السؤال يطور.. مطلبا يصر.. يرفع.. ينشر رسالة إلى من يهمه الأمر..
إلى أصحاب المعالي والسمو والفخامة:
باسمكم الليلة جميعا.. موقفا نثبت نذيع.. نشهد القادمين بعدنا.. قبل الطريق من خطانا تضيع.. نعرف الآن أنكم تخوضون حروبكم بلحمنا.. بملحنا.. بدمنا.. خوضوا بنا أشرف حروبكم.. اصنعوا منا قضاياكم.. اعرضوا قضايانا على الولاية والولايا.. وانتظروا الرد.. أنتم اليوم وغدا حتما لا أحد، أنتم لا رد. لا مدد.. أنتم الآن من الرجال أشباه بقايا.. على بطاقات هوياتكم، في بلاطاتكم أنتم أشباه عبيد وسبايا.. لحراسكم.. لولاة عروشكم.. لولاة قروشكم.. لولاة فروجكم.. لولاة كروشكم.. أخيرا لو نظرتم في المرايا تجدون أنفسكم مجرد ولايا.. عرايا بلا أوطان.. بلا صولجان.. بلا حدود.. بلا زنود بلا راية بلا بنطلونات.. بلا عباية.. كنتم تفاخرون بالبطولة في الفحولة.. أنتم الآن (.......) حفاة عراة.. تلعنكم العزة واللاة..
نعرف أنكم ستظلون حيث أنتم
.. واقفون تطلون علينا من خلال مناظيركم الاصطناعية.. تعتبرون ما يحصل لنا بلية في شر رعية.. تتساءلون.. مجانين كيف الرب يعصون.. يخاصمون!؟.. سيلقون منه غيا.. كيف يجرؤون.. يتطاولون والسماء تسقط بمشيئته والأرض تصعد بمشيئته والريح والمطر الأرواح يصعدون إليه سويا!؟.. لقد حلّت عليهم اللّعنة تقولون.. اللّعنة تخشون.. تخشون راداراتهم يكشفون على أي جنب تنامون.. من تضاجعون؟.. فتدكّون مع البقية.. تخافون على العمارات والسيارات.. تخافون على المجالس الدواوين والديوانيات.. تخافون على السهر والرقص والسكر والبنات.. تخافون ينقرض.. يتهشم وقتكم في الساعات.. تخافونه يخرج عن مواقيتكم.. يخلف مواعيد هروبكم على أول الطائرات.. تخافونه يخالف منطق السفر.. إن كان ولا بد يصير الأمر.. بلا عودة تصير كل الرحلات.. لا تهم الوجهات.. يصير الوطن حيث تقيم الأرقام والمفاتيح السرية للحسابات..
ونظل نحن حيث نحن
.. ندور في خروج بلا عودة وعودة بلا خروج.. أطفالنا أقرب إلى اشتهاء الصاروخ من أحضاننا. ونساؤنا أقرب إلى المقابر من المعابر وزمننا المقطوع.. الممنوع لا يهرب.. ولا يقرب توقيته كله على زمن قذيفة وأضعف الإيمان فيه رصاص قنّاص.. على خط تماس ورغم علمنا بالقرار... إنه لم يعد لنا حق في الأرض ولا في هوية.. ولا في الأسماء.. وفي الأرض ولا في السماء..
أحاديث النصر
نعرف أننا وحدنا، نخوض حربنا.. بلحمنا.. بملحنا.. بحلمنا.. حتى يكون للرب بيت بيننا.. حتى من عندنا يعرج إليه الأنبياء.. حتى تنبت بيننا زيتونة ونخلة.. حتى تحمل الساقية ببعض ماء حتى تهزم الحجارة.. الميركافا الجبارة.. حتى تهزم أسراب العصافير.. الفانتوم والميراج.. حتى تشتعل البصيرة لأصحاب العيون من زجاج.. حتى تستقيل الاباتشي والهيركل.. حتى تعتذر عن جرمها القذر.. ظلمها حساب مؤجل التسديد.. أبدا نحن والله لا نغفر
يا أخي يا محمد متى يجيء المطر يغسلنا من التاريخ بشرا وذكرا؟ أنا وأنت من ستين عاما ننتظر.. ننتصر.. هرمنا.. هزمنا في معارك جبهات الميكروفونات.. معاركنا هوامش على زاوية دفتر.. تاريخنا نصر ونصر ونصر.. حدّثنا آباؤنا.. أبناؤنا.. عن انتصار يزيد عن نصر عمر.. عن شهادة علي وعثمان عن بطولة طيب الذكر!!!
من يغسل شوارعنا من دمنا
.. من همّنا من ملح خبزنا المأجور.. من مائه الملوث بحكايات من شرفنا الاصطناعي.. من شرفنا المعلب المستورد..
متى ننتمي؟
.. بمن نحتمي بماضي ملعون.. بمستقبل مرهون.. والشعب مجنون والآن نتحدث عن أن نكون أو لا نكون.. لا كنتم ولا كان تاريخكم الموصوم؟
يا أهل غزة هناك حيث أنتم الآن
.. تهطل الشمس في أعينكم.. ونسقط نحن تحت الأقدام... لا تسألوا عن أوّلنا.. وآخرنا ربما يوما نعرف أنه لا يلام.. حين جاء زمن التصريف وضعنا جميعا في خانة الجبن في الزمن الممنوع والحرام ولذلك لم يكن غريبا أن تكتشفوا أننا كنا أبطالا في فلسفة الأسباب.. أبطال خطاب المواجهة بالغياب.. كان منا ألف مسيلمة وألف كذّاب.. كان منا ألف خفّاش وألف غراب.. نعيقنا.. نهيقنا كان من قبيل إبراء الذمة ورفع العتاب..
من طنجة إلى دار السلام .. ومن الجزائر إلى الدمّام.. كنا موتى ونحن قيام.. هل تجوز صلاة الغائب على خائب تقام؟!..
يا أهل غزة آن لكم أن تكونوا .. وحدكم تكونون.. أما نحن الممنوعون فيحضر تصريفنا.. تعريفنا حضورا كنا أو غيابا..
أسئلة الشهداء
الليلة الماضية عاد الشهداء.. عادوا إلى حارات غزة انتشروا فيها خبرا، خبرا.. يملأون حاراتها شبرا، شبرا.. عادوا يسألون.. يسالون عن الأحياء ينادون بالأسماء.. يسألون عن من حدد موقع سقوط القذيفة.. بالخطأ.. يسألون عن من تطوع خيرا، عن من أبلغ غرف الرصد وشبكات الأقمار الصناعية بحركات الشفاه ولون الجباه عن من دل على سرير أحمد وسعيد وعلي ورقية.. عن من أبلغ عن تمرد دفاتر أمينة المنسية.. من ابلغ عن الأسماء المدونة فيها للمدينة للمآذن للمخابز للصيدلية.. كل الأسماء ممنوعة من التداول.. أبدا أمينة تحاول تدافع عن حق دفاترها.. أن تقوم أو تنام.. أطعمنا أمينة لشظية جائعة.. اجتهدنا في الافتاء.. أمينة كانت لقمة.. لكن هل كانت اللقمة حلال ام حرام!!!
عاد الشهداء يسألون
.. عن من هدروا دماءهم.. عن من صادر أكفانهم حتى يرفعها الخونة في طريق العودة رايات بيضاء يسألون عن من استورد كتان الأكفان.. عن من تطوع.. بأرض المقبرة تبرع.
عند أطراف المدينة وقف الشهداء يسألون عن الذين سقطوا
.. أسقطوا!!! يسألون هل حاولتم.. هل حاولوا؟ هل تمكنوا؟ هل مكنوا!! هل قاموا؟.. يسألون عن فقهاء السياسة عن مشايخ البروتوكول والكياسة.. عن الذين أفتوا بجلد اللغة بتجريدها من (قاوموا).. عن الذين بدمائهم تاجروا بعرض القضية ساوموا.. لاموا صاروخ (غراد) عن همجيته.. عن كفره.. قالوا عنه إنه قذيفة من أحقاد.. تقضي على حلم التعايش.. تقضي على حق الأحفاد.. في أن تكون خادمة للأسياد. يسأل الشهداء عن الذين تحملوا.. تحاملوا على الحق في الحياد.. عن الذين نقضوا العهد بأن لا يدخلوا المزاد.. عن الذين خاطروا.. قامروا بالجواري والسواري والجياد.. عن الذين قرروا أخيرا تحريك جبهة الخزائن وتشغيل العداد.. مليون دولار من عمر وعشرة من خالد ومئة من زياد.. ألا يكفي غزة كل هذه التضحية، كل هذا الجهاد.. ألا يكفيها هذا الشكل من الاستشهاد.. ألا يحق لنا الآن الاعتداد.. ألا يحق لنا الآن إقامة المراسيم وتعليق النياشين وإلغاء طقوس الحداد.. يكفي غزة لأجلها غيرنا الرزنامة.. أجّلنا كثيرا من الأعراس.. كثيرا من الأعياد..
هل فهمت أخيرا؟
.. مصيبة إن لم تفهمي.. يا سيدتي إن لم تفهمي بعد، أننا حتى الآن في التاريخ جدد، وأننا بعض فصيل وقبيل وعدد.. وأننا غير مستعدين لأن تلهينا بموضوع المنفيين واللاجئين والمنسيين والأمة والدين.. فنحن مستعدون لأن نجئ بمترجمين ومنجّمين وشياطين.. يفهمونك أننا غير ملزمين، وأنّ الجامعة والمواثيق والعهد والطريق كذبات.. كذبناها أجمعين.. على الشعب وفلسطين.. فعودي إلى حجرك يا سيدتي.. حجرك الأبيض والأسود والآخرين.. من الغد اعلني حلفك أنت.. اعلني تحالف الوثنيين.. الاثنين الحجر والطين..
أما نحن.. أنا وأنت فعلى يقين.. أعرف وتعرفين أنك كل مرة تمحين هزائمنا وتبدئين...من نهاياتهم تبتدئين.. التاريخ تستدعين تشهدين على أنك ما أخلفت الوعد.. والعهد اليقين.. انك باقية هناك حيث انت في التاريخ وفي الجغرافية.. باقية فينا... إلى يوم الدين!!
أما الباقون فكلهم شهود زور.. لا ناصر فيهم بعد الآن... لا معز لا منصور... في كل منهم ينام كافور.. بلا أعيان بلا صولجان.. يبايع ويعزلبفرمان.. جبان.. مجرد طرطور..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.