اعترف، السيد حميد حداج، رئيس الفاف المنتهية ولايته، بأنه اصطدم بعدة عراقيل حالت دون تجسيد البرنامج الطموح الذي دخل به مبنى دالي ابراهيم، لكن هذا لا يعني ان عهدته كانت سلبية على طول الخط مثلما يحاول البعض إشاعته، مشيرا إلى أن ما تم انجازه على مستوى التكوين القاعدي لا يمكن نكرانه أوالقفز عليه، والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة أبرزها وأهمها أكاديمية كرة القدم، التي تعد قطبا بارزا وتجربة رائدة غير مسبوقة في مجال الاهتمام والتكفل بالمواهب الشابة لصنع أبطال على قواعد سليمة، ومن شأنها أن تساهم في بناء فريق وطني قوي في المستقبل قادر على إعادة أمجاد الكرة الجزائرية التي فقدت بريقها في السنوات الأخيرة. ورغم أن هذا المشروع كان لوقت قريب حلم راود الكثيرين وطالبت به الأسرة الكروية منذ سنوات خلت، إلا أنه لم ير النور إلا مطلع عام 2007 حينما تم التفكير في ضرورة إعداد فريق وطني تنافسي قادر على تمثيل الألوان الوطنية على أحسن وجه في كأس إفريقيا لأقل من 17 عاما المقررة في مارس المقبل بالجزائر. وعن فكرة إنشاء الأكاديمية، أوضح المدرب االأول للفريق، السيد عثمان إبرير، قائلا: "بعد معاينة وإنتقاء اللاعبين في التربصين الأولين في فيفري 2007، لتكوين فريق وطني وتحضيره لكأس إفريقيا لأقل من 17 عاما المقررة في مارس 2009 بالجزائر، كان لزاما تحضير فريق تنافسي قادر على تحقيق نتائج جيدة وإفتكاك واحدة من بطاقات التأهل الأربعة لكأس العالم المقررة في سبتمبر 2009 بنيجيريا". وأضاف في نفس السياق: "أخذنا نفكر ونتساءل عن الطريقة المثلى للوصول بهذا الفريق إلى المستوى التنافسي الذي تتطلبه البطولة الإفريقية التي تشمل أحسن المنتخبات كنيجيريا (بطلة العالم في هذه الفئة) وغانا (صاحبة المركز الثالث في المونديال السابق). وفي الأخير هدانا تفكيرنا لضرورة إبقاء هذه المجموعة في تجمع دائم ومن هنا إنطلقت فكرة إنشاء أول أكاديمية تابعة للاتحادية الجزائرية لكرة القدم". فبعد إنتقاء 20 لاعبا من بين 200 مترشحا لولوج بيت الفريق الوطني دخلت التشكيلة الجزائرية في المرحلة الثانية الخاصة بالتحضيرات لتتبع بالمرحلة الثالثة المتعلقة بالجانب التنافسي بداية من أوت الماضي حيث تم إجراء 29 مباراة دولية ودية.
انضباط في أجواء مرحة الزائر للأكاديمية سرعان ما يقف على الأجواء المريحة التي يصنعها لاعبون في سن المراهقة في رواق فندق 5 جويلية، مقر إقامتهم، مكان يعج بالنشاط والحركة في كل الاتجاهات. فهذا حامل لمنشفة وذاك لسجادة وقهقهات وأصوات تتعالى من بعض الغرف ومن مطعم الفندق الذي كانوا يستعدون للخروج منه بعد تناول وجبة الغذاء قبل أن ينضبط الجميع بمجرد رؤية المسير الإداري للفريق الذي خاطبهم بلطف لإلتزام الهدوء. فلا البعد عن ذويهم وأصدقائهم ولا كثافة برنامجهم الإعدادي والدراسي أثر -على ما يبدو- سلبا على مزاجهم وسلوكهم، حيث ما هي إلا لحظات حتى خيم السكون على المكان وكأن لا أحد متواجد في الفندق إذ إلتحق كل لاعب بغرفته لأخذ قسط من الراحة قبل مباشرة التدريبات التي تنطلق حسب البرنامج اليومي المسطر على الساعة الثالثة. وبعد مرور ساعة من الزمن ومع إقتراب عقارب الساعة من موعد الالتحاق بملحق 5 جويلية بدأت حركة دؤوبة تملأ رواق الفندق فشرع اللاعبون يلتحقون بقاعة الإنتظار، الواحد تلو الآخر مرتدين زيا موحدا مؤلف من بدله رياضة رمادية وسترة واقية من الأمطار باللون الأخضر. ليلتحق الجميع وهم محملين بلوازم التدريب. وفي لقاء مع مجموعة من اللاعبين سرد كل واحد منهم تجربة إلتحاقه بالأكاديمية وكيفية تعايشه مع هذا المحيط الجديد الذي يجعله في عزلة عن الحياة الاجتماعية والعائلية التي ألفها قبل أن "ينخرط" في فضاء تحكمه قواعد صارمة وعمل جاد والتزام ببرنامج توقيت صارم علقت نسخة منه على الواجهة الخارجية لباب إحدى الغرف المطلية باللون البنفسجي.
تزاوج الموهبة الرياضية بالتفوق الدراسي وكان ابراهيم بيكاكشي، قائد الفريق، أول الذين تحدث عن تجربته وعلامات الحياء تعلو محياه ليخاطب بصوت هادئ قائلا "جئت من وفاق سطيف الذي شجعني مسؤولوه على خوض تجربة المشاركة في الاختبارات الانتقائية ليتم اختياري للمشاركة في المهرجان الوطني في مارس 2007، الذي حضرته كل التشكيلات الجهوية. وتكلل هذا المجهود باستدائي لتربصات الفريق الوطني، فكنت بعدها عضوا في الأكاديمية التي أنشأت فيما بعد. وها أنا أزاول دراستي في الثانوية الرياضية بالدرارية بالتزامن مع ممارسة الرياضة". ويعتبر بيكاكشي، مثال الطالب المجد والمتفوق في دراسته والرياضي المثابر بشهادة مدربه عثمان إبرير الذي أثنى عليه كثيرا وإمتدح أخلاقه وحسن سلوكه وموهبته الفذة في لعب كرة القدم. كما نال بيكاكشي، الذي يدرس في السنة الثانية ثانوي ثناء رفقائه الذين تحدثوا كثيرا عن قدرته في التوفيق بين الدراسة والرياضة، في ظل صمته حيث إكتفى برسم إبتسامة خفيفة على وجهه قبل أن يعلق "هذا ما لدينا: الدراسة والرياضة فقط". وتحدث هذا اللاعب الذي يشغل منصب مدافع حر في الفريق الوطني عن العلاقات "الأخوية" التي تجمع بين عناصر المنتخب وعن التحسن الملحوظ الذي طرأ على أداء التشكيلة منذ دخولها للأكاديمية وعن أهمية مشاركتهم في منافسات البطولة الوطنية للأواسط (-19 عاما) كنادي. وتطرق زميله في الفريق، شرشار محمد إلياس، القادم من نادي جمعية الشلف إلى الصعوبات التي يلاقيها اللاعب في بداية الأمر عند ولوجه الأكاديمية "كل شيء يتبدل على اللاعب. نشعر في البداية أن أمورا كثيرة تنقصنا كالعائلة والأصدقاء والبرامج الترفيهية كمشاهدة التلفزيون مثلا. لكلنا بعد مدة نضطر للتأقلم والتعود فلا خيار لدينا". ويرى شرشار المتأثر بطريقة لعب المدافع السابق للمنتخب الوطني، فضيل مغارية، أن الفريق "يسير في الاتجاه السليم ولاينقصه سوى تحسين بعض الأمور ليكون جاهزا للمشاركة في كأس افريقيا المقبلة بالجزائر". وإذا كان اللاعبون الذين إلتحقوا بالأكاديمية منذ سنتين قد تأقلموا مع محيطهم الجديد فإن البعض لا يزال في البداية على غرار عثماني وليد الذي لم يمر على وجوده في الأكاديمية سوى سبعة أشهر. فبالرغم من أن إختيار الطاقم الفني الوطني لم يقع عليه في المهرجان الوطني الأول، إلا أن الحظ إبتسم له في المرة الثانية "بفضل العمل والمجهود الذي بذلته. فعدم إختياري في البداية لم ينل من عزيمتي بل دفعني لإعطاء المزيد بتشجيع من مدربي لألتحق في الأخير بالأكاديمية" مثلما أوضحه اللاعب.
من أجل الاحتراف ...كل شيئ يهون ويخضع المتربصون في الأكاديمية إلى نظام جد صارم. فكل خطوة في حياتهم اليومية محسوبة وخاضعة لبرمجة مسبقة. فالإستيقاظ حدد على الساعة السادسة والنصف صباحا والفطور الصباحي على الساعة السابعة لتنطلق الدروس على الساعة الثامنة وإلى غاية الواحدة زولا. وبعد الغذاء يستعد اللاعبون لمباشرة التدريبات بداية من الساعة الثالثة والنصف مساء بملحق 5 جويلية إلى غاية الخامسة. وبعد التدريبات يتلقى اللاعبون المتمدرسون دروسا تدعيمية لمساعدتهم في التحصيل العلمي والرفع من مستواهم في حين يفضل البقية الذين لا يزوالون الدراسة ويتابعون تربصا في التكوين المهني (واحد في الإعلام الآلي وأربعة في صنع الحلويات) قضاء هذا الوقت في تبادل أطراف الحديث فيما بينهم أومتابعة التلفزيون في إنتظار تقديم وجبة العشاء والإلتحاق بغرفهم قبل العاشرة ليلا للإستسلام للنوم بعد يوم مضن وشاق. ورغم هذه الصرامة، إلا أن اللاعبين لا يرون فيها ضيرا مادام أن هذا المنهاج وحده الكفيل بمساعدتهم على تحقيق هدفهم المتمثل في الاحتراف في أوروبا وهو الحلم الذي تحدث عنه الجميع. وعن علاقة الطاقم الفني الوطني المؤلف من سبعة أعضاء (مدربين وإداريين وطبيب ومدلك) مع اللاعبين الذين "اقتلعوا" من بيئتهم قال السيد إبرير بأنها تجمع بين الصرامة واللين، حيث قال: "أنا أب وصديق وعدو لهم أيضا. فالصرامة ضرورية لدفعم أكثر لتحسين مستواهم وجعلهم من رياضيي النخبة ولنزرع فيهم بعض القيم الاجتماعية بإعتبار أننا لسنا فنيين فقط بل مربون أيضا. أما اللين في التعامل فهو أمر مطلوب لأن اللاعبين لا يزالون في سن المراهقة وبعدين عن ذويهم ومحيطهم وهو ما يتطلب رعاية أكثر ومعاملتهم كأبناء لنا". حتى وإن كان ثمن ولوج رياضة النخبة كلفهم غاليا، إذ حرمهم من أن يحيوا حياة اجتماعية طبيعية على غرار أقرانهم في مثل هذا السن إلا أن بيكاكشي وشرشار وعثماني وآخرين لا يولون للأمر أهمية قصوى مادام الطريق "للنجومية " وتحقيق حلم الإحتراف بأوروبا الذي يراودهم جميعا يمر بالنسبة إليهم عبر هذه الأكاديمية.