❊ الوضع المالي للبلاد وإن كان صعبا فإنه غير قاتل ❊ لا استدانة خارجية والسيادة الوطنية محفوظة ❊ الاعتماد شبه الكلي للاقتصاد الوطني على المحروقات هو وضع قاتل للذكاء والمبادرة كشف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون أمس، عن أهم معالم خطة الانعاش الاقتصادي، في خطاب دام لأكثر من ساعة، وتضمن إجراءات وقرارات عملية كلف الحكومة بالعمل على تجسيدها، بهدف تعزيز الاستثمار وخلق القيمة المضافة ومناصب العمل. والمبتغى هو استرجاع الطمأنينة لدى المواطنين والقطيعة مع ممارسات كادت أن تودي بالبلاد إلى "الهاوية"، مشددا بالقول: لنا وطن واحد والوطن مستهدف..ولسنا من تسبب في الأزمة. وشملت القرارات التي أعلن عنها الرئيس تبون مجالات شكلت محل انتقادات واسعة من طرف المتعاملين الاقتصاديين والخبراء، في وقت سابق، لاسيما القطاع المالي والتجارة الخارجية، إضافة إلى مجال اللوجستيك والنقل. ووصف رئيس الجمهورية اللقاء الذي جمع الحكومة أمس، بشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين وبثلة من خيرة الخبراء من داخل وخارج البلاد، ب«اللقاء الهام الذي يأتي في ظرف استثنائي"، موضحا أن الجزائر تواجه اليوم "أزمة مزدوجة" ذات بعدين، الأول متعلق بتداعيات تفشي وباء كورونا، والثاني التراجع في أسعار المحروقات الذي أدى إلى تراجع مداخيل البلاد. لكنه اعتبر أن الوضع المالي للبلاد وإن كان صعبا، فإنه "غير قاتل"، وخاطب الحاضرين قائلا إن الجزائر "يمكنها أن تصمد في انتظار استثماراتكم لإعادة انعاش الاقتصاد"، وأنها لن ترهن سيادتها بالاستدانة الخارجية، مذكرا أن "الهرولة بحثا عن الربح السريع على حساب الاقتصاد الوطني أدى بنا إلى الوقوع اليوم في وضع كادت أن تذهب فيه ريحنا. ولولا لطف من الله وتوقف هذه الممارسات لاستنفذت احتياطات الصرف ولكنا اليوم نذل أمام المؤسسات المالية العالمية، وحينها لن يبقى حديث لا عن حرية تعبير ولا حرية المواقف". الجزائر على وشك تجاوز الأزمة الصحية وفي الوقت الذي طمأن فيه الحاضرين بخصوص الأزمة الصحية، التي أكد أن الجزائر "على وشك تجاوزها"، فإن الرئيس تبون أفرد جزءا هاما من خطابه إلى إشكالية الاقتصاد الريعي وكيفية الخروج من التبعية للمحروقات وبناء اقتصاد متنوع يسمح بتعزيز الصادرات خارج المحروقات. وشدد على أن الأمر لن يبقى "مجرد شعار" مثلما حدث منذ الاستقلال، وإنما سيتحول إلى واقع في "الاقتصاد الجديد" الذي قال إن "كل الجزائريين سيستفيدون منه في ظل دولة تمنح فيها فرصا متساوية لجميع المواطنين بدون تمييز". وبالنسبة للرئيس، فإن ما تم طيلة عقود من "أخطاء" أدت إلى الاعتماد شبه الكلي للاقتصاد الوطني على المحروقات، هو وضع "قاتل للذكاء والمبادرة"، معبرا عن اقتناعه بأنه من الواجب اليوم "الاستفادة من أخطاء هذا الخيار لتخفيف الاعتماد على هذه الثروة". والأمر لا يتعلق بالاستمرار في تكرار "هذا الشعار الذي طالما تردد ولم يطبق ولو جزئيا"، مثلما شدد عليه، معتبرا أن تحقيق ذلك ممكن بتجند الجميع، والدليل كما جاء في خطاب الرئيس هو أن مداخيل الإنتاج الفلاحي تفوقت لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة على مداخيل النفط للسنة الجارية. ففي حين بلغت الأولى 25 مليار دولار، فإن الثانية يتوقع أن تصل على أقصى تقدير إلى 24 مليار دولار. يجب تصدير 5 ملايير دولار على الأقل ما جعل رئيس الجمهورية يراهن على قدرة الجزائر في تقليص اعتمادها على مداخيل المحروقات من 98 بالمائة حاليا إلى 80 بالمائة في نهاية السنة المقبلة، ما يعني تصدير ما قيمته 5 ملايير دولار على الأقل من خارج المحروقات في نهاية 2021، بدل الملياري دولار المسجلة سنويا. وهو الهدف الذي دعا الجميع، حكومة ومتعاملين اقتصاديين، إلى العمل على تجسيده ميدانيا، لاسيما في ظل توفر "الإرادة السياسية القوية والرؤية الاقتصادية الواضحة تمام الوضوح". فلا مجال اليوم كما أضاف - أن يبقى الاقتصاد الجزائري "بين أيد غير جزائرية" تتحكم في أسعار النفط، بينما يمكن للجزائر أن تعيش" ليس بدون نفط، ولكن ليس بالاتكال عليه فقط والتفكير طول الوقت في سعر البرميل". وللقطاع الخاص دور يلعبه في هذه المعادلة وهو الذي يمثل مثلما ذكر به الرئيس 80 بالمائة من الاقتصاد الوطني. وإذ شدد على أن السياسة التي ينتهجها لا تفرق بين قطاع عمومي وخاص، فإنه بالمقابل اعتبر أنه من غير المقبول الاستمرار في وضع يشير إلى أن القطاع الخاص مسير بنسبة 85 بالمائة من القروض البنكية العمومية، متسائلا "أين هي الأموال التي جناها هذا القطاع؟ ولماذا لا تستثمر في البلاد؟ عشرات الملايير من الدولارات تم إقراضها وأعطت مردودا، فأين هذا المردود؟ أم أنها ذهبت إلى مدريد وبرشلونة؟". فتح قطاعات النقل الجوي والبحري والبنوك للخواص تساؤلات لم تمنع الرئيس من الإشادة بتجارب لاستثمارات خاصة في عدة مجالات، استطاعت أن تجد طريقا لها حتى في الأسواق الخارجية، مسجلا أنه لا يمكن إدانة الجميع، ومعلنا في السياق عن فتح قطاعات هامة كالنقل الجوي والنقل البحري والبنوك للخواص، الذين عليهم أن يتميزوا بطموح أكبر، مثلما قال. وعلى المؤسسات والهيئات التابعة للدولة هي الأخرى لعب دورها في بناء الاقتصاد الجديد. حيث شدد الرئيس على أهمية الدور الذي يلعبه المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والوكالات الوطنية لليقظة ومعهد الاستشراف وكل الهيئات المماثلة، بهدف ما وصفه ب«إعادة الطمأنينة في قلب المواطنين". الرقمنة لتجاوز الضبابية المفتعلة في كل القطاعات ولدى تطرقه لموضوع الرقمنة، انتقد الرئيس تبون ما وصفه ب«الضبابية المفتعلة" التي يعرفها هذا المجال في كل القطاعات، خاصا بالذكر المالية والضرائب. وانتفض الرئيس غضبا وهو يتحدث عن الصناعات الإلكترومنزلية، لافتا إلى أنه من غير المعقول أن لا تنتج الجزائر في 2020 ثلاجة 100 بالمائة جزائرية، ومن خلال ذلك تطرق إلى أهمية الإدماج، بالقول إن الاستثمارات التي تنتظرها الدولة هي التي تسمح بتحقيق نسب إدماج تتراوح بين 40 و50 بالمائة على الأقل في البداية. وتنتظر الدولة كذلك من المستثمرين الاستعانة بمواد أولية وطنية، عوض استيرادها، معتبرا أنه لا يمكن الاستمرار في استيراد المعدات والمواد الأولية لإنتاج قد لا يجد سوقا له. لذا فإن التعويل كما أشار إليه سيكون أكثر نحو الصناعات التحويلية سواء تلك التي تخص الفلاحة أو الصناعة. حيث قال إنه لابد من استغلال الثروات التي تملكها البلاد عبر استثمارات تهدف إلى تقليل الاستيراد، عبر التركيز على إنشاء مؤسسات صغيرة والابتعاد عن الاستثمارات الثقيلة التي تكلف مئات الملايين من الدولارات. ويعد التصدير هدفا للاستثمارات المنتظرة لاسيما وأن البلاد تحصي تجارب نموذجية، ذكر الرئيس بعضها وقال إنه من الواجب تشجيع من يقومون بعمليات تصديرية حتى ولو كانت صغيرة الحجم، لأن كثافتها يمكن أن ترفع حجم الصادرات وهو المطلوب بالنسبة للاقتصاد الوطني. لذا دعا إلى تشجيع كل عملية في هذا الاتجاه، لأنها تساهم في جلب العملة الأجنبية لبلادنا، لكن بعيدا عن "نموذج تصدير السيارات" الذي قال إنه في حقيقة الأمر "تصدير للهواء الذي تنفخ به العجلات"، كما دعا إلى التركيز على "غزو الأسواق الإفريقية" وطالب بمرافقة قوية للممثليات الدبلوماسية في الخارج للمصدرين، عبر المرور إلى "الدبلوماسية الاقتصادية". للإشارة، تختتم اليوم أشغال الندوة حول "مخطط الإنعاش الاقتصادي من أجل اقتصاد جديد"، بقراءة التوصيات التي ستصدر عن ال11 ورشة التي شكلت لدراسة محاور تتعلق ب«التنمية الفلاحية"، "التنمية الصناعية"، "التطوير المنجمي"، "تطوير الموارد الطاقوية"،"تمويل التنمية"، "كيفيات تسهيل الاستثمار"، "المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة"، "تطوير قطاعات الدعم"، التحكم في التجارة الخارجية"، الصناعة الصيدلانية"، "فرع نشاط البناء والأشغال العمومية والري".