أفضت أول زيارة رسمية للوفد الاسرائيلي رفيع المستوى إلى المغرب برعاية أمريكية بحتة، بالتوقيع على عدة اتفاقيات تعاون أعطت إشارة الانطلاق لبدء صفحة "مخزية" من التطبيع بين الرباط والكيان العبري، الذي وجد لنفسه أخيرا موطئ قدم علني في المنطقة المغاربية من بوابة المملكة المغربية. فرغم أن الطائرة الاسرائيلية التي كان على متنها وفد مشترك اسرائيلي وأمريكي بقيادة جاريد كوشنير، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي المغادر، أقلعت من مطار تل أبيب وسط جو بهيج تسوده الفرحة والغبطة بانضمام رابع بلد عربي إلى قطار التطبيع، إلا أنها حطت في مطار الرباط دون ضجة في مشهد حزن له الشعب المغربي، الذي يعد واحدا من أكبر الشعوب العربية المدافعة عن القضية الفلسطينية. ولكنه حزن وخزي حاول العاهل المغربي محمد السادس، التغطية عليه من خلال وصفه اتفاق التطبيع بأنه "منعرج تاريخي" غير آبه بالطريقة التي تمت بها الصفقة والتي كانت بمقايضة مفضوحة، عنواها الكبير الاعتراف الأمريكي ب "السيادة" المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية، بعدما أقدم الرئيس دونالد ترامب، بمنح مالا يملكه لمن لا يحق له. وهو ما جعل عرّاب التطبيع الجديد جاريد كوشنير، يرى في الزيارة بأنها "تؤرخ لعهد جديد من التعاون"، في حين سعى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ، تقديم نفسه كما جرت العادة على أنه محب وداعم للسلام بزعم أنها "اختراق جديد ورئيسي للسلام". ولكن أي سلام هذا الذي يبنى على أساس صفقة مساومة أنكرت حق شعبين كاملين في الوجود الفلسطيني والصحراوي، وفرضت عنوة على شعب مغربي لطالما عرف بمواقفه القوية والمدافعة عن فلسطين والقدس الشريف. غير أن ذلك يبقى من آخر اهتمامات النظام المخزني الذي بدا مبتهجا وجاريد كوشنير، يردد على مسامع عاهله وحاشيته المحيطة به الدعم "القوي" للرئيس ترامب، للسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية. وبدا صهر الرئيس الأمريكي المغادر وكأنه يتحدى كل المجموعة الدولية ومجلس الأمن الدولي، الذي تمسك قبل يومين في اجتماع مغلق حول ملف الصحراء الغربية بالطبيعة القانونية لهذا الأخير، على أنه قضية تصفية استعمار، وأن تسويته لن تتم إلا عبر القرارات الأممية ذات الصلة والمقرة جميعها بأحقية شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره. ولأن ترامب، تبنّى الطرح المغربي في خرق واضح للشرعية الدولية فقد زعم كوشنير، ذو النزعة الصهيونية أن "حكما ذاتيا حقيقيا يبقى الخيار الوحيد الممكن رغم أن ذلك يتطلب الوقت"، داعيا دون أي حرج "كل الأطراف الى الانخراط بطريقة بنّاءة لدى الأممالمتحدة للتقدم في المفاوضات". وتناسى مستشار الرئيس الأمريكي المغادر عن قصد طبعا أن الانخراط بالطريقة البنّاءة كما يدعو، لا يمكن أن يتم على حساب إنكار حقوق شعب بأكمله معترف بقضيته في الأممالمتحدة على أنها مسالة تصفية استعمار. غير أن النظام المخزني الذي تلقى صفعة من مجلس الأمن بخصوص القضية الصحراوية، واصل استقواءه بإدارة الرئيس ترامب، التي لم يتبق لها سوى أيام معدودات لمغادرة البيت الأبيض. وراح يوقع على اعلان ثلاثي مع اسرائيل والولاياتالمتحدة، ويحدد التزامات كل طرف في هذه الصفقة وعلى رأسها فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة المحتلة، مرفوقة بتعهدات بدعم أمريكي لتنمية المستعمرة الاسبانية السابقة. كما تعهدت الولاياتالمتحدة بدعم مالي بقيمة ثلاثة ملايير دولار، ودعم تقني للمشاريع الاستثمارية المنتظر اطلاقها في المغرب ومنطقة الساحل الافريقي، يضاف لها توقيع الرباط لاتفاقيات مع الكيان العبري في عدة مجالات كالمياه وعودة الطيران بين الطرفين والتمويل وإعادة فتح مكتب الربط مع اسرائيل المغلق منذ عام 2000 في ظرف أسبوعين.