❊ سنة كاملة لإرساء مؤسسات متكيفة مع تعديل الدستوري يرى خبراء في القانون الدستوري في تصريحات ل"المساء"، أن أبرز الورشات المنتظر الإفراج عنها بعد الصدور الرسمي لدستور الفاتح نوفمبر 2020، ستخص القانون العضوي للانتخابات، القانون المنظم لعمل المحكمة الدستورية والمجلس الاعلى للقضاء، القوانين العضوية المتعلقة بالأحزاب والجمعيات والإعلام، فضلا عن النصوص المتعلقة بالمجالس الاستشارية والسلطات والمراصد المستحدثة، مستبعدين لجوء القيادة السياسية في البلاد إلى حل البرلمان من أجل تمرير القوانين العضوية والعادية والمراسيم الرئاسية لترجمة التعديلات الدستورية، لا سيما وأن هذه الأخيرة تحتاج لسنة كاملة قبل دخولها حيز التنفيذ، وفقا للمادة 224 من الدستور. بعد توقيع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على مشروع الدستور الجديد، تشد الأنظار كلها نحو الورشات السياسية التي ستلي أهم وثيقة في البلاد، بشكل يحقق التغيير الذي تضمنته هذه الأخيرة في جميع المجالات، ويسمح بميلاد مؤسسات جديدة تعوض تلك الموجودة أو تلغيها تماما لعدم استجابتها لتطلعات المرحلة الراهنة. في هذا السياق ، قال أستاذ القانون الدستوري، بجامعة سطيف، الدكتور نصر الدين معمري في تصريح ل«المساء"، أن كل المؤسسات الدستورية الجديدة ستعوض القديمة قبل 30 ديسمبر 2021، تقديرا منه أن التعديل الدستوري الجديد الذي صدر في العدد 82 من الجريدة الرسمية بتاريخ 30 ديسمبر 2020، منح أجل سنة كاملة للمؤسسات والهيئات التي طرأ على نظامها القانوني تعديلا في مهامها لتعويضها بالمؤسسات الجديدة. عناية خاصة بالقانون العضوي للانتخابات والمحكمة الدستورية وأشار محدثنا إلى أن عدة ورشات ستفتح قريبا جدا لتعديل القوانين الحالية، بما يتناسب مع التعديلات التي صادق عليها الشعب في استفتاء الفاتح نوفمبر 2020، حيث تمنح عناية خاصة لمشروع القانون العضوي للانتخابات، الذي شرع في التحضير له قبل صدور نصّ الدستور، إذ شكل له رئيس الجمهورية لجنة برئاسة البروفيسور أحمد لعرابة، لتكيف مضامينه و توجهه العام، مع ما جاء به دستور 2020، وأهمها على الإطلاق تكريس شفافية العملية الانتخابية ومحاربة المال الفاسد وضمان حد أكبر من استقلالية السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات مع تحييد الإدارة. غير أن أكبر وأصعب ورشة في نظر الدكتور معمري، هي تلك التي ستحقق التوازن في معادلة التنافس السياسي المفضي إلى فرز موازين القوى بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على وجه الخصوص. وتجدر الإشارة، إلى أن الدستور الجديد جاء بتعديل يربط السلطتين، حسب الأغلبية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية، والتي يترتب عنها هنا تعيين رئيس الحكومة، فيما يتم تعيين وزير أول عندما تكون الأغلبية رئاسية في الانتخابات التشريعية، إلا أن كلاهما يطبق برنامج السيد رئيس الجمهورية. وأضاف، المتحدث أن هناك مؤسسات جديدة ستترتب عن التغيير الجديد، أغلبها يندرج ضمن الباب الرابع المتعلق بمؤسسات الرقابة وهي، السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات التي تم دسترتها في التعديل الأخير وأحكامها مضمنة في القانون العضوي للانتخابات الجاري تعديله حاليا. كما تبرز المحكمة الدستورية، كهيئة هامة في التعديل الأخير، حيث ستحل محل المجلس الدستوري. وسيتم تشكيل هذه المؤسسة بعد إصدار رئيس الجهورية لمرسوم يحدد شروط وكيفيات انتخاب 6 أعضاء من ضمن تشكيلتها، ينتخبون من بين أساتذة القانون الدستوري، بينما ينتخب على عضوين من المحكمة العليا ومجلس الدولة ويعين 4 أعضاء ومن ضمنهم الرئيس من قبل رئيس الجمهورية. إلى جانب هذا هناك السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، التي يتعوض من جهتها، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يضيف محدثنا الذي ذكر في نفس السياق، بأن الفصل الرابع من الباب الثالث الخاص بالسلطات، شمل، تغييرات فيما يخص المجلس الأعلى للقضاء، مبرزا في هذا الصدد المحكمة العليا للدولة، المختصة في محاكمة المسؤولين السامين في الدولة ومن بينهم رئيس الجمهورية والوزير الأول أو رئيس الحكومة على الجنايات والجنح التي تم النص عليها منذ دستور 1996 ولم يصدر القانون العضوي المنظم لها، قبل أن يشير إلى أن المادة 183 من التعديل الدستوري غير معنية بأجل سنة كاملة الذي منح كأقصى أجل لتغيير وتعديل الأوضاع. مراسيم رئاسية في الأفق لتنصيب الهيئات الاستشارية ولفت الدكتور معمري، إلى أن الباب الخامس المتعلق بالهيئات الاستشارية، حمل الجديد هو الآخر، لاسيما فيما يتعلق بإنشاء المرصد الوطني للمجتمع المدني، الذي يستحدثه الرئيس عبر مرسوم يحدد تشكيلته ومهامه. أما الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا فهي تخضع لقانون عادي، حسب المتحدث، الذي أضاف أنه بالنسبة للمجلس الأعلى للشباب، الذي أعاده التعديل الدستوري 2016 للوجود، بعدما سبق العمل به وإلغائه في التسعينيات، فسيخضع لمرسوم رئاسي لتحديد تشكيلته. كما يضطلع المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بدور مستشار الحكومة، بعدما أضيفت له كلمة "البيئي" وبالتالي سيعرف تغييرا طفيفا فقط، حسب نفس المصدر. قوانين تسهل تشكيل الأحزاب الجمعيات والمؤسسات الإعلامية إلى جانب ذلك، بقول الدكتور معمري، ستكون القوانين العضوية المتعلقة بالأحزاب والجمعيات والإعلام على موعد مع تغييرات عميقة وفقا للمواد 53، 45، 57 من الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات، وهذا على ضوء المكتسبات المحققة، سواء على مستوى التسهيلات في الإنشاء، والذي حصره الدستور الجديد في (التصريح فقط)، وأيضا على مستوى حل أو توقيف النشاط الذي لا يكون إلا بمقتضى قرار قضائي. واستبعد المتحدث، أن يلجأ الرئيس إلى حل البرلمان أي المجلس الشعبي الوطني فقط،(كون مجلس الأمة غير قابل للحل)، من أجل تمرير حزمة القوانين، مقدرا أن المسألة صعبة للغاية، في ظل الظروف الراهنة، سواء ما تعلق منها بالوضع الصحي المرتبط بوباء كورونا ، أو الوضع المالي، على خلفية تراجع مداخيل النفط، وكذا الوضع السياسي العام للبلاد. وهي عوامل ترجح، حسب المصدر، إبقاء القيادة السياسية الحالية على البرلمان الحالي وعدم المغامرة بحله ، لاسيما وأن الدستور منح أجالا أقصاها 30 ديسمبر 2021، لتغيير كل المؤسسات والقوانين التي طرأ عليها تغيير في التعديل الدستوري الأخير. كما أنه من الصعب، حسب محدثنا، إلغاء المجلس الشعبي الوطني وتعديل قانون الانتخابات والأحزاب ثم إجراء الانتخابات بكل مراحلها المتسارعة وتحضيراتها اللوجستية، ثم الانطلاق في العمل لتكملة كل الورشات المفتوحة في ظل سنة، تحت تجاذبات سياسية كبيرة وتهديدات أمنية إقليمية غير مسبوقة. غير أنه مع "ذلك يبقى القرار بيد الرئيس الذي يعد المسؤول الأول والأخير عن خياراته". رخيلة: من الضروري أن يستعيد البرلمان دوره لتحقيق التوازن بين السلطات من جهته، أكد الخبير الدستوري الدكتور عمار رخيلة، أن أهم الورشات التي تنتظر الجزائر بعد الإفراج عن دستور الفاتح نوفمبر 2020، هي استمرار اللجنة الخاصة بإعداد مشروع القانون العضوي للانتخابات في عملها وفق التوجه العام الذي جاءت به التعديلات الدستورية، خاصة وأن لجنة الدكتور لعرابة شرعت في عملها قبل صدور الدستور، وهو ما يعكس، حسبه، العناية الكبيرة التي توليها له القيادة السياسية في البلاد. وتبرز أهمية القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، حسب الدكتور رخيلة، في تأثيره على نوعية المؤسسات المنتخبة، سواء كانت ولائية أو بلدية، أو وطنية (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، لأن قوة هذه المؤسسات الشعبية تحدّد علاقتها لاحقا بالسلطات الأخرى ولاسيما التنفيذية (رئيس الجمهورية والحكومة). ومن المهم، برأيه، أن يستعيد البرلمان مهام التشريع التي ظلت مسلوبة منه، بعد صدور القانون الجديد للانتخابات وتطبيقه في الانتخابات التشريعية والمحلية لاحقا، مشيرا في هذا الإطار إلى أن المؤسسات التشريعية لا ينحصر دورها في إثراء مشاريع القوانين التي تنزلها الحكومة، وإنما تشمل أيضا، المبادرة بمقترحات قوانين. ويرى المتحدث، أن العجز التقني للنائب والذي يظهر أحيانا بحكم تكوينه المحدود في مجال القانون، لا يشكل مانعا في المبادرة وتصحيح المقترحات بشكل قانوني، عبر الاستعانة بخبراء، مثلما هو معمول به في البلدان الديمقراطية التي تراعي التوازن الحقيقي بين السلطات. كما استبعد محدثنا من جهته، أن تمضي القيادة السياسية في البلاد إلى تنظيم انتخابات برلمانية مسبقة، من أجل تمرير حزمة القوانين المنبثقة عن الدستور، "لأن المؤشرات الراهنة تدل على أنه سيتم الاحتفاظ بالبرلمان الحالي لتمرير تعديلات الحكومة، كما أن إنزالها للبرلمان للمناقشة والإثراء، سيعطيها المصداقية المطلوبة في القوانين وفقما ينص عليه الدستور" . بالإضافة إلى هذا فإن، عملية تنصيب المؤسسات الجديدة المنبثقة عن الدستور الجديد، لن تتم، حسب الدكتور رخيلة، إلا بعد استكمال إطارها القانوني وخضوعها للانتخابات الفئوية أو التعيينات من قبل الرئيس "وهذا ينطبق على رؤساء المجالس والمراصد، حيث لا يتم حل المؤسسات إلا بعد تسليم المهام تجنبا لوقع شغور مؤسساتي".