❊ الطرف الفرنسي "يتنازل" بالتدريج والاعتذار قادم حققت مساعي فتح ملف الذاكرة بين الجزائروفرنسا نقلة نوعية، بعد أن أمر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون برفع السرية عن أرشيف حقبة الاستعمار الفرنسي الذي يفوق عمره نصف قرن، حيث كان ذلك من أبرز مطالب الجزائر خلال المفاوضات بين الطرفين منذ أكثر من 4 سنوات مضت، ما يعكس الإرادة الجديدة لباريس لتصفية إرثها الاستعماري مع الجزائر والذي مازال يؤثر على العلاقات الحالية بين البلدين، في وقت أكد فيه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أنه لا يمكن بناء علاقات على حساب التاريخ والذاكرة. ورغم أن قرار رفع السرية عن هذه الوثائق لا تعد سوى قيض من فيض التاريخ الأسود لفرنسا الاستعمارية التي تكتمت لعقود من الزمن عن جرائمها في الجزائر، مع تمسك لوبيات مؤثرة في دوائر القرار الفرنسي بعدم تقديم الاعتذار للشعب الجزائري، إلا أن خطوة الرئيس الفرنسي تعد بادرة خير لتعزيز المصالحة التاريخية بين البلدين. وتنبع هذه القناعة من كون التوجه الفرنسي في عهد الرئيس ماكرون، قد أخذ منحى جديدا في معالجة ملف الذاكرة، في إطار سياسة الخطوة، الخطوة، خصوصا وأنه لم يتردد في عديد المناسبات في الاعتراف بالجرائم المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية. بل أنه كان قد تحدى الطبقة السياسية في أوج حملته الانتخابية لرئاسيات سنة 2017 ، عندما صرح خلال زيارته للجزائر بأن الاحتلال الفرنسي "جريمة ضد الإنسانية"، ما وضعه في مواجهة مع العائلات السياسية الفرنسية والمرشحين الآخرين الذين رفضوا الإقرار بالجريمة المرتكبة ضد شعوب كثيرة. ويأتي قرار ماكرون بعد أسبوع من اعترافه بتعرض الشهيد علي بومنجل للتعذيب والقتل على أيدي الجيش الفرنسي خلال فترة الاستعمار، مثلما سبق وأن اعترف بمقتل المناضل موريس اودان بعد محاولات الترويج لحقائق مزيفة حول ظروف مقتلهما. كما أن استرجاع الجزائر لجماجم مقاومين جزائريين استشهدوا خلال المقاومات الشعبية يعد بمثابة خطوة أخرى نحو بناء ركائز المصالحة التي تحتاج بلا شك لخطوات أخرى ووقت طويل لنسج علاقات الثقة بين البلدين، ومن ثم إذابة كرة الجليد التي تزداد حجما كلما زادت غطرسة وتعنت "اللوبيات" التي مازالت تحلم بالجنة المفقودة إزاء فتح ملف الذاكرة مع الجزائر. وقبل ذلك كان المؤرخ بنجامين ستورا قد سلم تقريره المكوّن من 22 مقترحا حول الذاكرة للرئاسة الفرنسية، نهاية شهر جانفي الماضي، في إطار مبادرات نزع الألغام من طريق تطبيع العلاقات الجزائرية الفرنسية وتحييد القضايا العالقة، حيث أوصى في تقريره بتشكيل "لجنة الذاكرة والحقيقة" التي من شأنها تعزيز مبادرات الذاكرة المشتركة بين البلدين. ومن بين الاقتراحات التي قدمها رفع السرية عن الأرشيف الخاص بالثورة التحريرية والاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية بمقتل المحامي علي بومنجل. وهو ما تم فعلا عندما استقبل الرئيس الفرنسي مؤخرا أحفاد الشهيد البطل وأقر بحقيقة مقتل جدهم، وبأنه تعرض للتعذيب والقتل ولم ينتحر على عكس ما روّجته الرواية الفرنسية على مدار 60 عاما. بناء الجسور بين الجزائروفرنسا وكان المؤرخ قد دعا إلى نهج عملي وتدريجي يتمثل في بناء الجسور بين فرنساوالجزائر حول مواضيع حسّاسة اختفت من "الحرب"، منها آثار ما بعد التجارب النووية، تقاسم الأرشيف، التعاون التحريري (تحرير الوثائق) وتأهيل الشخصيات التاريخية. من جهته صرح السفير الفرنسي بالجزائر، فرونسوا غوييت، خلال زيارته لولاية قسنطينة سبداية الأسبوع، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون يريد حقا بناء علاقة هادئة وديناميكية وإيجابية وبناءة مع الجزائر والمضي قدما ودفع التعاون بروح بناءة وودية، وأنه "يأمل في العمل مع الجزائريين على طريق التصالح فيما يخص الذاكرة". وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية من جهتها في عدد، أمس، أن الرئيس إيمانويل ماكرون يواصل سياسة "الخطوات الصغيرة" في مصالحة الذاكرة، من خلال تسهيله الوصول إلى أرشيف الثورة الجزائرية وتبسيط إجراءات رفع السرية عن الوثائق التي تغطيها سرية الدفاع. وترى "لوموند" أن خطة الإليزيه تهدف على المدى الطويل، إلى سد الفجوة بين قانون التراث والقانون الجنائي عندما يتعلق الأمر بالأرشيف.