غريب أن واحدا من المواقع المعروفة بسطيف، والتي يمكن أن نلتقى فيها بصديق غاب لعقود كثيرة أو بزميل في المدرسة، أو حتى معلم سابق أو قريب بعيد لا يكمن في مقهى الزاوية أو أرصفة المدينة، بل السوق المغطاة...فهذا المكان الذي "خلقته" الصدفة لإضفاء سعادة ملاقاة صديق غاب عن الأنظار منذ عشريات طويلة، هو مجرد سوق قديمة مغطاة بالمدينة، وليس ناديا أو حتى ملجأ دافئا. واذا كان من الواضح أن التوجه إلى هذا السوق يهدف الى التسوق الأسبوعي أو لشراء حاجيات ومستلزمات، فإن الأجواء السائدة فيه بهيجة في بعض الأحيان وتخلق نشاطا مميزا بداخل هذا الفضاء. يقول السيد جمال. ج أستاذ بجامعة سطيف "حضرت مؤخرا مشهدا غير عادي بجوار محل سي الشريف (وهو الماهر في إعداد التوابل والبهارات والأعشاب من كل الأنواع)، تمثل في لقاء بين ج. محمد (80 سنة) وهو مدرس متقاعد من إكمالية خميستي (المدرسة السابقة بحي ليفي) وأحسن وأفضل تلامذته (أرزقي 55 سنة) اللذين لم يلتقيا منذ عام 1965... ولا يعد هذا السوق الواقع في قلب عاصمة الهضاب العليا وبالضبط بشارع الإخوة مسلم (تراجان سابقا)، نموذجا للنظافة، وذلك بالرغم من الجهود اليومية التي يبذلها التجار وعمال البلدية لضمان نظافة هذا الفضاء التسوقي، ولكن أمام طبيعة نشاط هذا السوق الذي يضم باعة الخضر والجزارين وباعة الأحشاء والأسماك وغيرها، تبقى أعمال الجهات المعنية غير مجدية.. ومع كل هذا، فإن رائحة التوابل والأعشاب تمحو أثر أي رائحة كريهة، على غرار ما توفره كذلك الفواكه والخضر المعروضة، فضلا عن عديد السلع الأخرى. ويبدع القصابون وباعة الدواجن في عرض بضاعتهم حيث يقومون بغسلها ووضع البقدونس عليها لتعطي منظرا جذابا وجاهزية للطهي. وقال تاجر قديم بهذه السوق المغطاة بسطيف في هذا السياق "ننسى كثيرا أن التجار هم كذلك مستهلكون عادة ما تكون لديهم نفس رغبات زبائنهم". وبني هذا السوق في الثلاثينيات قبالة مبنى البريد القديم، وكان يستقطب زبائنه المتكونين أصلا من المعمرين في فضاء مستطيل وواسع وبسقف مغطى بالقرميد. وإذا كان الدخول حاليا إلى هذا الفضاء التسوقي عبر خمسة أبواب فإنه منذ سبعين عاما كان به مدخلان، الأول بشارع "الإخوة مسلم" مقابل البريد، والثاني أمام سينما "ستار" إحدى القاعات الأكثر شعبية في السابق بسطيف لتتحول اليوم إلى فضاء تجاري. وفي عام 1957 عمد المحتلون الفرنسيون - خدمة لاحتياجاتهم الخاصة - إلى توسيع هذا الفضاء ليتحول إلى شكله الحالي. ويتميز جزءه الأصلي في الوسط بعديد المحال التجارية المجاورة للمبنى، على غرار محلات "الوجبات السريعة" طيلة الوقت وبخاصة لدى "مداني" الذي يقترح على زبائنه وجبته الشهيرة "دوارة دوبل زيت" ذات المذاق الطيب، في الوقت الذي تبقى فيه أبواب محلات تجار الخضر والجزارين وغيرهم من أصحاب النشاطات التجارية الأخرى، مفتوحة إلى ما بعد غروب الشمس.