سحرت أنظار كل من زارها، تركت قلوب العديد من الأجانب عالقة بالجزائر، بينما لم يتردد البعض الآخر في وصفها بجنة على الأرض لروعة ما تتوفر عليه من مناظر طبيعية خلابة ونادرة، إنها غابة بينام التي تتربع على 590 هكتار، والتي لا تزال تهدي للناظر صورا طبيعية لا مثيل لها رغم وضعها الحالي الذي أثر على تراجع عدد زوارها بسبب نقص مرافق الاستقبال والترفيه. تعد غابة بينام من أكبر الفضاءات الخضراء مساحة التي تتوفر عليها ولاية الجزائر، وتعتبر من أهم الرئات للمنطقة، حيث تتربع على مساحة 590 هكتار تكسوها أنواع كبيرة من الأشجار والنباتات، وعلى رأسها أشجار الصنوير الحلبي والكاليتوس، فبجمالها وسحر اخضرارها وبأشجار الكاليتوس العالية وتشكيلة متنوعة من الأشجار التي قيل إن العديد منها يعد من أندر الأشجار في العالم، وبموقعها المتميز الذي جعلها تطل على عدة جهات ملقية "ظلها الأخضر" على البحر ليمتزج بزرقة المياه.. تهدي غابة باينام لزوارها لوحات طبيعية خلابة رائعة الجمال. تضم هذه الغابة العديد من الأشجار الشامخة المتنوعة كالصنوبر الحلبي والصنوبر البحري والكناري وأشجار الكاليتوس التي تنتشر في الغابة على مساحة إجمالية تقدر ب 275 هكتار، علما أنها تملك ثلاث بوابات للدخول من بوزريعة، الحمامات وعين البنيان. ولا تزال غابة بينام التي تقع شمال غرب العاصمة قبلة للعديد من العائلات الجزائرية وحتى بعض الأجانب من عشاق اكتشاف المزيد من أسرار وكنوز الطبيعة والاستجمام الذين لم ينقطعوا عن زيارة هذا الفضاء الخلاب رغم الإهمال الذي تعانيه منذ سنوات، و نجم عنه حالة من التدهور يلمسها كل من زارها هذه الأيام، ليس من حيث جمالها الطبيعي وإنما من حيث مرافق الاستقبال التي أثرت بغيابها على توافد المواطنين بعد أن كانت خلال فترة سابقة تعج بالزوار من كل الفئات والأعمار. تراجع ظروف الاستقبال وراء عزوف الزوار وقد وقفت "المساء" على هذه الوضعية خلال زيارتها للغابة، حيث تفاجأنا في الوهلة الأولى بتوقف نشاط جميع مرافق الاستقبال، وعلى رأسها محلات بيع الأكل الخفيف والمشروبات التي أغلقت أمام الزوار، حارمة بذلك العدد القليل الذي لم تمنعه هذه الوضعية من زيارة هذا الفضاء الخلاب من اقتناء قارورة ماء أو ثليجة أو ارتشاف فنجان قهوة أوشاي، والغريب والمؤسف في الوقت نفسه هو بقاء الطاولات والكراسي منصبة بالعديد من هذه المحلات المنتشرة عبر الغابة، وهي تنتظر الفرج. تركنا خلفنا محلين أو ثلاثة محلات بدون روح ولا نشاط، لنجد أخيرا محلا تدب فيه بعض الحركة، حيث شاهدنا مجموعة من المواطنين والعائلات جالسة حول بعض الطاولات القليلة المنصبة على مساحة مرتفعة تطل على البحر، ومنهم من يرتشف القهوة، وآخر يتأمل وقارورة الماء البارد بين يديه، استفسرنا صاحب المكان عن سر بقائه على المستوى الغابة لاستقبال زوار الغابة القلائل فرد بقوله "فعلا إنني الوحيد الذي لا يزال يزاول نشاطه ويقدم خدماته للزوار في هذه الغابة الجميلة بعد أن أغلقت المحلات الأخرى الواحد تلو الآخر بسبب تراجع إقبال الزوار على المكان في الفترة الأخيرة، والسبب الأساسي هو انعدام التيار الكهربائي بكل الغابة حسب السيد "محمد.ف" صاحب محل المشروبات والأكل الخفيف الذي لم يستسلم أمام هذا المشكل، وقرر إحضار مولد كهرباء للاستمرار في مزاولة نشاطه، "لا يمكنني مغادرة هذا المكان الجميل لقد أمضيت به سنوات طويلة، وأتذكر كيف كانت حيوانات متنوعة تمتع الزائر داخل هذه الغابة التي فقدت من جهة أخرى أنواعا كثيرة من الأشجار يقال إنها نادرة عالميا، صحيح أن الكثير من الأشياء تحسنت في هذه الغابة بعد الفترة السوداء التي عرفتها خلال سنوات الإرهاب وعلى رأسها الأمن الذي أصبح متوفرا، وبإمكان العائلات والزوار بصفة عامة التوافد دون أي تخوف، إلا أن غياب الاهتمام بتحسين ظروف الاستقبال وعدم التفكير في تحسين وسائل الترفيه لم يشجع الناس على التوافد، بل ساهم بكثير في عزوفهم عن المجيء إلى الغابة متسائلا: "أيعقل أن تحرم الغابة من الكهرباء وهي مكان يعشقه الآلاف من الجزائريين والأجانب، أقول الأجانب وأؤكد ذلك لأنني لسنوات متتالية استقبلت عددا من السياح الأجانب ولا زال البعض منهم لا يفوت الفرصة للمجيء إلى الغابة كلما زاروا الجزائر" مشيرا إلى أنه حتى أحد الزوار من الأشقاء السعوديين لما زار غابة بينام في العام الماضي قال لنا "إنها جنة فوق الأرض" مستغربا عدم استغلال المكان استغلالا لائقا وجعله فضاء لاستقطاب السياح ولاكتشاف سحر الطبيعة المتوفرة في ظروف ملائمة. العائلات تطالب بالتفاتة من الإدارة المعنية وحسب السيد "محمد.ف" فإن الجهة المعنية بتسيير الغابة وهي مديرية الغابات لا ترى نفسها مطالبة بتحسين المرافق الترفيهية كون المكان مصنفا كغابة وليس كحظيرة، وبالتالي فإن مهمتها لا تتجاوز حدود حمايتها من الحرائق ومنح التراخيص لمن يرغب في إقامة نشاط ما في الغابة. بعض العائلات القليلة التي وجدناها بعين المكان أكدت لنا أن الغابة شهدت قفزة نوعية نحو الأفضل، فبعد العشرية السوداء التي عانت من خلالها الإهمال والركود، عادت مجددا لها روحها، حيث كان العديد من العاصميين يخافون التجوال بها، علما أن الغابة تعرف إقبالا أكثر في فصل الربيع وخاصة في الفترة المسائية خلال فصل الصيف، أي بعد انخفاض درجة الحرارة والعودة من الشواطئ، إلا أن العائلات نفسها طالبت بالتفاتة الجهة الوصية على الغابة لتوفير ظروف الاستقبال وتحسين المرافق المتوفرة قصد استقطاب المزيد من الزوار، لاسيما العائلات التي غالبا ما تفضل مثل هذا المكان لقضاء أوقات ممتعة بها بعيدا عن ضجيج وزحمة المدينة. ورغم النقائص المذكورة لاسيما التراجع الكبير في إقبال الزوار إلا أن غابة بينام تتوفر على مرافق ترفيهية خاصة بالأطفال تتمثل في أرجوحات وأجهزة للتزحلق وسلالم للتسلق، إضافة إلى نواد رياضية على غرار نوادي الفروسية، وفضاءات لممارسة رياضة كرة القدم والكرة الحديدية، حيث يلجأ العديد من الرياضيين لممارسة نشاطاتهم بالغابة، وحسب أحد أعوان غابة بينام فإن هذا الفضاء يعرف في الفترات المسائية إقبالا كبيرا للرياضيين خاصة ممارسي كرة القدم وهواة ركوب الدراجات الهوائية. وعلمنا من جهة أخرى أن أغلبية العاصميين سكان الأحياء المجاورة يستعملون الغابة كنقطة عبور وممر لتفادي الازدحام الذي تعاني منه طرق العاصمة حاليا وللتنقل من وإلى بوزريعة وبلديات باب الواد، الحمامات وعين البنيان وبني مسوس. وساهم ذلك عودة الأمن للغابة التي أصبح يعبر بطرقها الناس بدون أي تردد، أما نحن فغادرنا غابة باينام على أمل العودة إليها لنجدها في أحسن حال، وقد استجابت إدارة الغابة لنداء العائلات التي تفضل الفضاءات الخضراء عن غيرها من فضاءات الاستجمام والترفيه.