مخطئ من يختصر سطيف في تمثال عين الفوارة المرأة التي تحدت الجميع بعرائها لعقود من الزمن، أو فريق وفاق سطيف الذي يصنع أفراح المنطقة والجزائر ككل، ومخطئ من يعتقد أن سطيف منطقة تجارية مشهورة بسوقها الأسبوعي للسيارات، أو سوق دبي بالعلمة الذي يحج إليه التجار من مختلف ولايات الوطن ويشهد يوميا سيولة مالية لا نظير لها، أو هي ولاية تعرف بمناطقها الصناعية والحرفية التي جعلت منها قطبا اقتصاديا.. لمن لا يعرف سطيف، هي ولاية سياحية بالدرجة الأولى، ويكفي أن الطبيعة وحدها وهبتها جميع العوامل التي تجعل منها منطقة سياحية بكامل ما تحمله الكلمة من مواصفات ومعنى، وإذا كان الكثير يعتقد أن هذه الكنوز السياحية نعمة على سكانها، فهو أيضا مخطئا، ولذكر غابة "الزنادية" المتواجدة بتراب عاصمة الولاية، كافي وشافي للتأكيد أن هذا المرفق السياحي الطبيعي هو نقمة على السكان، ووصمة عار في جبين المسؤولين.. الكثير ممن لا يعرف مدينة عين الفوارة أن سطيف وهبتها الطبيعة بمرفق سياحي طبيعي تحسد عليه، منطقة غابية تعرف لدى سكان سطيف " بغابة الزنادية" تتربع على مساحة إجمالية تفوق الستين هكتارا تتواجد بقلب مدينة سطيف بمحاذاة جامعة فرحات عباس، لكن المؤسف أن هذا المكسب الطبيعي بالنسبة للمواطنين والعائلات السطايفية يشكل هاجسا أو كابوسا إن لم نقل شبحا يهدد سلامة وأمن المواطنين نظرا للوضعية الكارثية والخطيرة التي وصل إليها، فعوض أن يكون قطبا هاما يجلب إليه آلاف السواح والمواطنين والعائلات يوميا أصبح قطبا هاما يجلب إليه السكارى والمجرمين والشواذ جنسيا، بعدما كانت في وقت ليس ببعيد مكانا للاستجمام والراحة للعائلات لاسيما في فصل الربيع، حيث تكون غابة الزنادية مقصدا للعائلات .. وتعد غابة"الزنادية" المتواجدة وسط مدينة سطيف المرفق السياحي والطبيعي الوحيد بالمدينة خاصة بعد التوسعة الكبيرة التي شملتها في السنوات الأخيرة، جعلها تحتل مراتب أولى وطنيا من ناحية المساحة والسكان في ظل تنامي واضح وقياسي لمختلف النشاطات المتعلقة بالمواطن على مختلف الأصعدة، لكن النقطة السوداء الوحيدة التي أصبحت تؤرق حياة المواطن والعائلة السطايفية وتهدد المدينة من الناحية السياحية والجمالية هي غياب كلي للمرافق والمساحات الترفيهية، حيث تبقى غابة "الزنادية" في السنوات الأخيرة ملكا تابعا لأصحاب المخامر والكحول ومنطقة حرة للمتاجرة بالمخدرات إضافة إلى كونها تعتبر مساحة آمنة لممارسة الرذيلة والشذوذ الجنسي، واقترن اسم "الزنادية" مع هذه المظاهر والآفات الاجتماعية وسط نقص المتابعة الأمنية وغض النظر من طرف الجهات الرسمية، في ظل الصمت الكلي لمختلف الأصوات سواء كانوا برلمانيين أو فعاليات المجتمع المدني.. ومنذ حوالي سنتين تقريبا، كانت للسيد نور الدين بدوي والي الولاية، خرجة ميدانية قادته إلى غابة الزنادية بمناسبة حملة للتشجير، التقى فيها بالمسؤولين على قطاع الغابات الذين قدموا له شروحا وافية حول مشروع ضخم، يضم إنجاز مراكز للراحة من مقاهي ونوادي، ومسابح، وتهيئة مساحات للراحة مع فتح مسالك داخل الغابة، إلى جانب مراكز أمنية، لكن بمجرد عودة الوالي إلى مكتبه طوي الملف نهائيا وبقي المشروع مجرد حبر على ورق.. حسب معلومات تحصلت عليها "الأمة العربية"، فإن ملفا مكتملا وضع مؤخرا على طاولة المسئولين المحليين بخصوص إعادة الاعتبار لهذا المرفق السياحي الهام، الملف حسب مصادرنا متواجد لدى الإدارة المحلية، بعدما صادق عليه المجلس البلدي بتخصيص حصة مالية معتبرة لإعادة الاعتبار للغابة حتى تقصدها العائلات، وكان من المفترض أن تنطلق الأشغال مع مطلع سنة 2008، إلا أن الملف بقي حبيس أدراج مديرية الغابات بالولاية باعتبارها الهيئة المعنية بالملف، وإلى يومنا لا يزال الملف ينتظر من ينفض عنه الغبار، بالرغم من وجود أصوات تتعالى من كل الاتجاهات تطالب بضرورة الإسراع في تهيئة هذا المرفق السياحي نظرا للخطورة التي أضحى يشكلها خاصة بعد تنامي الإجرام بذات المنطقة، آخرها العثور على جثة شاب مذبوح ومشوه بذات الغابة، بالإضافة إلى كونها تشكل تهديدا حقيقيا على سكان الأحياء المجاورة التي تعرضت في كثير من الأحيان إلى اعتداءات من طرف هؤلاء الشباب الفاقدين الوعي كليا جراء الكحول أو تناول المخدرات، ليبقى بذلك الأمر تحت تصرف السلطات العليا في الولاية التي لها الصلاحية في اتخاذ إجراءات ردعية ومباشرة حتى لا تكون هناك خسائر أكثر وحتى لا تخسر سطيف مكانتها التي لا طالما عرفت بها وحتى أيضا نقطع الطريق أمام المجرمين وتجار المواد المسمومة .. ويبقى اللغز المحير في ملف غابة الزنادية، الغياب الكلي لأصوات ممثلي الشعب في البرلمان بغرفتيه، فبالرغم من الصلاحية التي يجيزها القانون لهؤلاء المنتخبين، إلا أننا لم نسمع يوما وجود عريضة احتجاج أو حتى مبادرة ولو رمزية لإعادة الاعتبار لهذه الغابة وللمدينة ككل، فهؤلاء البرلمانيين الذين لا يراهم الشعب إلا عند اقتراب المواعيد الانتخابية تجدهم يطلقون العنان للوعود الكاذبة التي يتقنها المنتخبين بامتياز، وفي هذه النقطة بالتحديد طالب العديد من المواطنين من ممثليهم في البرلمان تحمل مسؤولياتهم الكاملة في هذه القضية كونهم بإمكانهم تغيير الكثير إن أرادوا ذلك، لكن ما داموا منشغلين بأمورهم الشخصية على حساب من انتخبهم، لا أمل في نواب حذوا نفس طريق من سبقهم، فللكعبة رب يحميها، إن لن يتكفل المسؤول الأول على الهيئة التنفيذية بالولاية بالملف، سيبقى على حاله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. باستثناء نواب البرلمان بغرفتيه، الذين لا يعنيهم بات ملف غابة الزنادية، هناك أطراف أخرى من المفترض أن تكون طرفا في المعادلة، وعليها تحمل كامل مسؤولياتها، ونقصد هنا الجمعيات الكثيرة والعديدة التي تتغنى بالشعارات ولا تظهر سوى في المناسبات، هذه الجمعيات أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث ابتعدت كليا عن انشغالات واهتمامات المواطن اليومية وأصبحت لا تفكر سوى في القيمة المالية التي تضخها لها الوزارة المعنية كل سنة وتركت العمل المنوط بها جانبا ما سبب في انتشار عدة مظاهر كان لا بد لهذه الفعاليات أن تلتزم بمعالجتها على طريقتها الخاصة، حيث أبدى العديد من المواطنين انزعاجهم من غياب الجمعيات المحلية المتنوعة والمختلفة طالبين منها ضرورة تنسيق الجهود والتعاون والضغط على كل الجهات المعنية لحماية غابة "الزنادية" من الضياع، كما طالب أيضا المواطنين من الإعلام ضرورة الضغط بطريقته الخاصة لإيصال انشغالاتهم في هذه القضية إلى الرأي العام والمسؤولين على حد سواء .. خلاصة القول في حديثنا عن ملف غابة الزنادية بسطيف، أنه لا يمكن لعاقل أن يلقي باللائمة على طرف معين ويتغاضى عن طرف آخر فالمسؤولية يتحملها الجميع لأن المستقبل يخص الجميع من المسؤول إلى المنتخب إلى رئيس الجمعية مع الإعلامي مرورا بالمواطن حتى يستعيد هذا الصرح السياحي الهام هيبته ومكانته على الساحة، وقطع دبر كل من خولت له نفسه الإساءة لهذا المكسب أو يتعرض لأمن وسلامة المواطنين، فعوض أن تكون هذه المنطقة وجهة مفضلة للمجرمين والمدمنين على الكحول وتجار المخدرات وممارسي الرذيلة والشذوذ الجنسي، على الجميع كل من موقعه وحسب إمكانياته وقدراته التكاتف لجعلها وجهة مفضلة للعائلات والأطفال والرياضيين والشباب ومنطقة بارزة في المدينة للترفيه والتسلية والاستجمام بوضع هيكلة إنجاز مدروسة من جميع الجوانب..