تختتم اليوم بمدينة بورت أوف سباين عاصمة أرخبيل ترينيداد وتوباغو في منطقة الكاراييب أشغال القمة الخامسة لدول الأمريكيتين بقفزة نوعية في علاقات شمال وجنوب هذه القارة طغت عليها مقاربة الرئيس باراك أوباما للتعامل مع جيرانه الجنوبيين وكذا مستقبل علاقة بلاده بجزيرة كوبا. أحدث الرئيسان الأمريكي باراك أوباما والفنزويلي هوغو شافيز المفاجأة في افتتاح قمة الأمريكيتين بمصافحة تاريخية غطت على اللهجة اللاذعة التي ميزت خطابات الرئيس الفنزويلي باتجاه الولاياتالمتحدة والذي لا يفوت مناسبة إلا وحملها كامل المسؤولية في كل ما يحدث في أمريكا اللاتينية وكل العالم. وتصافحا وتبادلا التحية بابتسامة شديدة الاسترخاء استعمل فيها الرئيس أوباما اللغة الإسبانية بينما رد عليه شافيز بالإنجليزية وهو ما يوحي أن الرجلين أرادا أن يطويا صفحة الخلافات من أجل مستقبل أكثر تعاون بدل التنافر الذي طبع هذه العلاقات طيلة عدة سنوات. وجاءت مصافحة الرجلين بعد أن هدد الرئيس شافيز برفع ورقة الفيتو في وجه البيان الختامي للقمة وفي وقت يصر فيه على مقارعة السياسة الأمريكية في العالم والتصدي لها بدءا بالتحكم في أسعار النفط وتأميم شركاته ووصولا إلى مساندته إيران ووقوفه في وجه السياسة الأمريكية في المنطقة العربية وقطعه لعلاقات بلاده الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجا على ممارساتها الإجرامية ضد الأطفال الفلسطينيين. ورأى متتبعون في هذه المصافحة بداية لعهد جديد ليس بين الولاياتالمتحدة وفنزويلا ولكن أيضا بين الأمريكيتين بعد سنوات من الفرقة والمواجهة والانقلابات والثورات الشعبية التي مازالت متواصلة إلى حد الآن في العديد من دول أمريكا اللاتينية. وقد كانت تلك رغبة الرئيس الأمريكي الذي راح إلى توباغو وترينيداد وهو يحمل مقاربة أخرى مغايرة لتلك التي تعاملت بها واشنطن مع دول أمريكا اللاتينية لطمأنتها أولا والرد على رغبتها في تعامل جديد معها. ولأن علاقة الأمريكيتين طغت عليها في كل مرة قضية الحصار الأمريكي المفروض على كوبا فإن الرئيس الأمريكي لم يفوت الإشارة في خطابه أمام المشاركين إلى علاقات بلاده مع هافانا وقال في لغة فيها الكثير من التطور والتهدئة إنه مستعد لمد يده إلى السلطات الكوبية في مؤشر لطي صفحة الخلافات وفتح أخرى أكثر هدوءا وتهدئة. وذهب الرئيس الأمريكي إلى حد التأكيد أن الحصار تجاوزه الزمن ولم يعد يصلح في زماننا الحالي في تلميح واضح بإمكانية التفكير في رفعه ضمن سياسة جديدة أصبحت ملحة في الوقت الراهن بعد نصف قرن منذ أزمة الصورايخ السوفياتية في خليج الخنازير وأخذتها واشنطن ذريعة لمحاصرة كوبا للإطاحة بنظامها الشيوعي. وأكد أنه لا يمكننا أن نبقى رهائن لخلافات الماضي ويجب أن نتعامل بمنطق الندية بعيدا عن الأبوية التقليدية والاحترام المتبادل "وهي رغبة تطالب بها عدة دول أمريكو لاتينية. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اعترفت أول أمس أن السياسة التي انتهجتها بلادها تجاه كوبا حتى الآن فشلت وأوضحت أن بلادها تعمل من أجل الدفع بعلاقاتها مع كوبا وتبحث عن أنجع السبل لتحقيق ذلك. ولكن الرئيس الأمريكي اعترف أن الطريق مازال طويلا لتحقيق مصالحة بين بلاده وجارته الجنوبية ويتعين على الجميع قطعه من أجل التغلب على حالة الشعور بعدم الثقة التي تكرست في علاقات الجانبين منذ عقود. ولكن رئيسة الأرجنتين كريستينا كريشنر ألقت باللائمة على الإدارة الأمريكية عندما طالبت واشنطن برفع الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا. وقال أن أول خطوة في هذا الاتجاه يجب اتخاذها وبذل جهد أكبر من طرف الجميع والتحرك بذكاء وشجاعة لاتخاذ قرارات لا يمكن أخذها في يوم واحد بعد عقود من عدم التحرك أو النزاع". والواقع أن الرئيس الأمريكي ما كان ليواصل سياسة حصار تجاوزها الزمن وفقدت دواعي وجودها وفي وقت تطالب فيه دول قارة أمريكا اللاتينية بضرورة رفع هذا الحصار الذي فقد دواعيه. ويكون الرئيس أوباما قد تفطن إلى هذا التحول بعد أن أبدت سبع دول رفضها للبيان الختامي للقمة بعد أن تجاهل الإشارة إلى قضية الحصار الاقتصادي المفروض على كوبا ووصفوه بغير المقبول. وإذا كان الرئيس الأمريكي قد وجد في قمة الأمريكيتين المناسبة لتأكيد توجهاته السياسية الجديدة التي يريد الترويج لها فان كوبا تبقى الرابح الأكبر من هذا التحول بعد سنوات من العداء المتواصل بينها وبين واشنطن. ويبدو أن الرئيس الأمريكي فضل الذهاب في سياسيته الجديدة وفق نظرية الخطوة خطوة عل اعتبار أن الخلافات الثنائية بين بلاه وكوبا لا يمكن حلها جميعا وبما يستدعي التعاطي معها ببراغماتية إلى غاية إزالة كل العقبات أمام تجسيدها.