تحول الصومال أحد أفقر بلدان العالم إلى قضية دولية ليس بسبب الحرب الأهلية وحالة اللااتسقرار السياسي ولكن بسبب تنامي أعمال القرصنة في عرض سواحل المحيط الهندي وجعلت منه انشغالا عالميا. ولأجل ذلك ينتظر أن يكون موضوع الصومال بداية من يوم غد بالعاصمة البلجيكية موضوع لندوة دولية "لمساعدة الدولة الصومالية لتجاوز حالة الشلل السياسي الذي دخلته منذ قرابة العقدين بانهيار نظام الرئيس سياد بري وفشلت كل قواه السياسة من الخروج من هذا المأزق رغم عشرات المحاولات الفاشلة لتحقيق هذا الرهان. ولم يكن الصومال ليحظى بهذا الاهتمام الدولي لولا أن مصالح القوى الكبرى أصبحت في خطر في احد اكبر طرق الملاحة البحرية في العالم. ووجدت القوى الكبرى في اللائحة الأممية 1863 التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي شهر جانفي الماضي غطاء لتبرير تحركها بعد أن أشركت في اجتماعها الأممالمتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي بمبرر تنظيم ندوة للدول المانحة لمساعدة الحكومة الحالية برئاسة الشيخ شريف احمد على تثبيت سلطتها بعد أن لاقت عداء مستفحلا من قوى مسلحة رافضة لها وأصبح يهدد استمرارها في السلطة وكذا دعم قوة الأممية والإفريقية العاملة في هذا البلد الذي مزقته حرب أهلية غير مسبوقة. وتأمل الأممالمتحدة أن تتمكن من جمع مبلغ 200 مليون دولار يوجه لإعادة تشكيل قوات الأمن النظامية في هذا البلد والمصالحة الوطنية التي شرع فيها في ندوة جيبوتي. والواقع أن تفكك السلطة المركزية في موقاديشو كان سببه الولاياتالمتحدة والدول الغربية التي ساندتها في احتلالها لهذا البلد بداية تسعينات القرن الماضي قبل أن تنسحب قواته منها مدحورة وتركته في حالة تفكك وتحت رحمة زعماء الحرب الذين فرضوا سلطتهم على مناطق محددة وجعلوها شبه دويلات تحت سلطتهم بينما بقي الشعب الصومالي تحت رحمة هؤلاء وسط فقر مدقع وأمراض مستفحلة ومجاعة مست شرائح واسعة من أبناء هذا الشعب. وتجاهلت هذه القوى الصومال وأحوال شعبه ولم تتفطن إلى وجود دولة بهذا الاسم إلا بعد أن بدأت مصالحها تضرب في الصميم إلى درجة تعالت فيه أصوات لعقد مؤتمر دولي يخصص لبحث آليات مواجهة أعمال القرصنة في عرض الشواطئ الصومالية. وقد تحولت مياه المحيط الهندي إلى أشبه بقاعدة لأكبر ترسانة حربية بحرية في المنطقة لمواجهة مجموعات من قراصنة البحر الصوماليين الذين تمكنوا من إعادة الصومال إلى الواجهة وفرضوا منطقهم على بوارج حربية وتجارية وحتى السياحية منها انطلاقا من لاشيء. وقد تيقنت الدول الكبرى منذ بروز القرصنة كظاهرة جديدة أن التحكم فيها وتحييد القراصنة الصوماليين لن يتحقق في غياب دولة صومالية قوية وقادرة على فرض الأمن في الأرض. وهي حقيقة لم تكن غائبة عن هذه الدول ولكنها غضت الطرف عنها لأن الصومال لم تعد تعني شيئا في حساباتها وتيقنت أخيرا أن شحنات الأسلحة التي تم الحصول عليها على سفن شحن أو فديات الإفراج عن طواقهما ستوجه إلى عمليات تهريب واتجار في الأسلحة قد تهدد استقرار عدة دول في منطقة شرق إفريقيا وكل دول الساحل التي تعاني من تنامي كل عمليات التهريب.